محلية
كارثة بيئية تهدد اليمن إثر غرق سفينة أسمدة استهدفها الحوثيون
ريبون نيوز _ فرانس برس
5 مارس 2024
على وقع تصعيد عسكري تشهده منطقة البحر الأحمر على خلفية الحرب في قطاع غزة، قد تتسبّب سفينة محمّلة بالسماد استهدفها المتمردون الحوثيون الشهر الماضي وغرقت بعد تعثّر جهود إنقاذها بكارثة بيئية.
وأُصيبت السفينة “روبيمار” التي ترفع علم بيليز وتديرها شركة لبنانية، في هجوم صاروخي نفّذه الحوثيون في 18 شباط/فبراير. فتعطّلت وتمّ إجلاء طاقمها إلى جبيوتي المجاورة. وأصبحت السفينة الأكثر تضررًا بين عشرات السفن التي استهدفها المتمرّدون خلال الأشهر الأربعة الماضية.
ومع فشل محاولات إنقاذها، تُركت لمصيرها وهي محمّلة بـ22 ألف طنّ من سماد فوسفات الأمونيوم الكبريتي. وفجر السبت الماضي، غرقت بالكامل بعدما دخلت المياه شيئًا فشيئًا على مدى 12 يومًا إلى باطنها.
وتوقّع وكيل الهيئة العامة لحماية البيئة التابعة للحكومة اليمنية عبدالسلام الجعبي أن يحصل “تلوّث مزدوج” بسبب السفينة، “أوّلهما هو التلوّث النفطي الناتج عن… 200 طن من المازوت و80 طن من الديزل، إضافة إلى الكمية الكبيرة والمهولة من الأسمدة الموجودة على متنها”.
قبل أن تغرق، تركت السفينة بقعة نفط بطول 18 ميلًا بحريًا، بحسب الجيش الأميركي الذي كان حذّر أيضا من “كارثة بيئية قد تتفاقم”.
وفوسفات الأمونيوم الكبريتي هو مادة كيميائية مركّبة سريعة الذوبان في المياه، ويسبّب التعرّض لها كسائر الأسمدة الكيميائية، تهيّجًا شديدًا للبشرة والعينين، ويشكّل ابتلاعها خطرًا على البشر والحيوانات.
وقال الجعبي لوكالة فرانس برس “عند اختلاطها مع مياه البحر ستذوب بسرعة وستُحدث… خللًا في تركيبة مياه البحر الأحمر وهذا ما سيؤثر على الأسماك والكائنات الحية”.
بعد الإعلان عن غرق السفينة، حذّرت منظمة “غرينبيس” البيئية في بيان من “أزمة بيئية كارثية” ما لم تُتخذ “إجراءات عاجلة”.
وقال مدير البرامج في فرع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة جوليان جريصاتي إن “التسرّبات النفطية” إضافة إلى “اختلاط المياه مع آلاف من الأطنان من الأسمدة” قد “تخّل بنظام التوازن البيئي البحري”.
وأوضح أن الأسمدة ستتسبّب بـ”تكاثر الطحالب” الذي سيؤدي بدوره إلى “استنفاد الأكسجين وعرقلة وصول نور الشمس إلى الموائل البحرية”، مشيرًا إلى أن “هذا التكاثر يشكّل تهديدًا للشعاب المرجانية إذا حدث على مقربة منها، ما قد يضرّ بهذه النظم البيئية الحساسة”.
فشل جهود الإنقاذ
ومنذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر، ينفّذ المتمرّدون اليمنيون المدعومون من إيران هجمات على سفن في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعمًا لقطاع غزة الذي يشهد حربًا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وأعلن الحوثيون بعد الهجوم على “روبيمار” استهداف “سفينة بريطانية” في إطار الردّ على ضربات بريطانية وأميركية استهدفت مواقع لهم داخل اليمن منذ 12 كانون الثاني/يناير لمحاولة ردعهم.
ورغم تأكيد الجيش الأمريكي وشركة “أمبري” للأمن البحري أن السفينة مسجّلة في بريطانيا، قالت الشركة المشغّلة “بلو فليت” لفرانس برس إن السفينة مسجّلة في جزر مارشال.
بعد أيام من الهجوم، أظهرت صور ومقاطع فيديو السفينة التي كانت متّجهة من الإمارات إلى بلغاريا، طافية رغم انحناء مؤخرها تحت سطح المياه. على مدى أيام، تسرّبت المياه ببطء إلى غرفة المحرّك.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة المشغّلة روي خوري إن لا سلطات جيبوتي ولا عدن، المقرّ الموقت للحكومة اليمنية، ولا السعودية، وافقت على استقبال السفينة.
وأكد وزير النقل اليمني عبدالسلام حُميد أن “رفض الحكومة جاء خوفًا من حدوث كارثة بيئية”.
وقال مصدر مقرّب من الرئاسة في جيبوتي بدون الكشف عن اسمه “لم نتمكّن من قبول استقبال السفينة بسبب المخاطر البيئية التي تشكّلها”.
ولم يتسنّ لفرانس برس التواصل مع السلطات السعودية في هذا الصدد.
أما العضو في خلية الأزمة التابعة للحكومة اليمنية والمكلّفة التعامل مع السفينة فيصل الثعلبي فاعتبر أن مالك السفينة كان “جزءا من المشكلة”، إذ إنه “لم يردّ على الرسائل الرسمية الصادرة عن اليمن”.
وكانت شركة “أمبري” أفادت عن تلقيها تقارير عن “حادث أمني” مرتبط بالسفينة نفسها وقع قبل يوم واحد من الغرق، ما أدى إلى “تعرّض عدد من اليمنيين للأذى”.
ولم تتضح طبيعة الحادث ولا أسبابه.
“أسوأ السيناريوهات”
وهناك مخاوف من وصول التلوّث إلى السواحل اليمنية التي غرقت السفينة على بُعد عشرات الكيلومترات منها.
وسترسل السلطات اليمنية فرق خاصة لمسح الشواطئ وفحص عينات، بحسب الثعلبي الذي حذّر من احتمال أن تتأثر “مصادر المياه في المجتمع المحلي” و”محطات تحلية مياه البحر” على طول الساحل.
وقال إنه في حال تأكّد “وجود تلوّث”، “ستتخذ الجهات المختصة إجراءات” مثل وضع حواجز تطويق “في المناطق الحساسة بيئيًا”.
ودعت “غرينبيس” إلى إرسال فريق خبراء لتقييم الوضع ووضع خطة طوارئ.
وأعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الاثنين في مقابلة تلفزيونية أن خمسة خبراء من برنامج الأمم المتحدة للبيئة سيتوجّهون إلى اليمن “في غضون 48 ساعة” لإجراء “تقييم للعواقب”.
وتوقّع جريصاتي أن تنعكس تداعيات غرق السفينة “على السلسلة الغذائية”، مشيرًا إلى احتمال “أن يخلّف ذلك أثراً على سبل عيش المجتمعات الساحلية”.
وأوضح الجعبي أنه في حال وصلت بقعة النفط والمياه الملوّثة بالأسمدة إلى السواحل، “سيعطّل ذلك الولوج إلى المناطق الساحلية ويؤثر على حركة الصيادين”.
وقدّر عدد الصيادين “بحوالى 78 ألفا” مع عائلاتهم “أي ما يعادل نصف مليون نسمة”، بالإضافة الى “من يقومون بعملية نقل الأسماك والتثليج والبيع”.