محلية

الخصومة مع الحزب الاشتراكي اليمني خصومة مع مشروع المستقبل بناء دولة القانون

ريبون نيوز _ متابعات

أ.د. محمد أحمد علي المخلافي

 

تحية للذكرى 62 لثورة سبتمبر، والذكرى 61 لثورة أكتوبر، والذكرى 46 لتأسيس الحزب، والذكرى 85 لميلاد مؤسس الحزب/ عبدالفتاح إسماعيل.

 

مقدمة

 

إن الهجوم المستمر على الحزب الاشتراكي اليمني وعلى أفكاره ومبادئه، يعكس مشهدًا مُشبعًا بالتناقضات والصراعات الداخلية بين القوى التقليدية والمشروع الوطني الحديث. تتجمع اليوم قوى الماضي مجتمعةً من ورثة الإمامة في الشمال، وورثة حكام ما قبل الدولة في الجنوب، بالإضافة إلى التيارات السلفية الجهادية والتنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش). وجميعهم يشنون هجومًا منظمًا ضد الحزب الاشتراكي، كونه يمثل الطليعة التقدمية الساعية لبناء دولة القانون والمواطنة المتساوية.

 

وفي هذه الأجواء، يلاحظ أن بعض العناصر من داخل الحزب ذاته إما تتردد في دفاعها عنه، أو تصطف بشكل ضمني إلى جانب هذه القوى الرجعية. هذا الانقسام الداخلي والتردد يُعد أحد الأسباب التي تمنح خصوم الحزب الجرأة على مهاجمته والتشكيك في دوره. لكن الحقيقة تظل أن الحزب الاشتراكي اليمني، وبرغم كل هذه التحديات، لم يتلاشَ كما يحاول البعض الإيحاء بذلك، بل على العكس، أصبح تحقيق مشروعه السياسي ضرورة وجودية لليمن ولكل القوى الحية الساعية إلى بناء مستقبل أفضل.

 

مشروع الحزب الاشتراكي اليمني

 

الحزب الاشتراكي اليمني هو الحزب الوطني الذي أسس مشروعًا شاملاً يهدف إلى بناء دولة القانون – الدولة الاتحادية الديمقراطية التي تقوم على أساس المواطنة المتساوية والديمقراطية وحقوق الإنسان. إن هذا المشروع الذي صاغه الحزب الاشتراكي، يتجاوز الإطار الأيديولوجي الضيق ليصبح برنامجًا وطنيًا شاملاً يمكن أن يتفق عليه جميع اليمنيين.

 

والحزب الاشتراكي اليمني هو الوريث التاريخي للنضال الوطني، سواء في الشمال أو الجنوب. لقد كان الحزب جزءًا لا يتجزأ من حركة التحرر الوطني التي نجحت في الإطاحة بالحكم الإمامي في الشمال والنظام الاستعماري في الجنوب. وبفضل جهود الحزب الاشتراكي اليمني وقياداته التاريخية، تحقق حلم الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م. ورغم ما تعرض له الحزب من تآمرات ومحاولات إقصاء، استمر في الدفاع عن الوحدة والدولة الديمقراطية الحديثة.

 

الحزب والنجاحات في مؤتمر الحوار الوطني

 

على الرغم من حرب 1994م التي سعت إلى سحق الحزب الاشتراكي، نجح الحزب في تحويل مشروعه لبناء اليمن الحديث إلى مشروع وطني توافقت عليه معظم القوى السياسية اليمنية خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013-2014م). كان هذا المؤتمر بمثابة محطة مفصلية في التاريخ اليمني، حيث جرى فيه مناقشة القضايا الرئيسية المتعلقة بمستقبل اليمن.

 

تقدمت جميع القوى السياسية في المؤتمر بأفكار ورؤى لحل الأزمة اليمنية، لكن رؤية الحزب الاشتراكي كانت الأكثر وضوحًا وشمولية. تضمنت رؤية الحزب أسس الدستور الجديد، شكل الدولة، حل القضية الجنوبية، وقضايا أخرى رئيسية مثل التوزيع العادل للثروة والسلطة.

 

دور قيادات الحزب في تقديم الرؤى

 

لقد لعبت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان، والدكتور عبدالرحمن عمر السقاف، والأستاذ قادري أحمد حيدر، دورًا بارزًا في طرح الرؤى السياسية والفكرية خلال المؤتمر. لم تكن هذه القيادات تقدم أفكارًا من فراغ، بل كانت تعكس رؤية الحزب الاشتراكي المنطلقة من مبادئه الثابتة في تحقيق العدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان، وإرساء نظام ديمقراطي تعددي.

 

وفي ظل هذا الواقع، كان الحزب الاشتراكي اليمني هو القوة السياسية الرئيسية التي دعمت مشاركة المرأة والشباب في العملية السياسية. لقد كان الحزب الاشتراكي دائمًا سباقًا في طرح القضايا المتعلقة بحقوق الفئات المهمشة في المجتمع.

 

رؤية الحزب لبناء الدولة الاتحادية

 

كانت رؤية الحزب واضحة ومحددة فيما يتعلق ببناء الدولة الاتحادية الديمقراطية. لقد دعا الحزب إلى إقامة دولة اتحادية مكونة من أقليمين، تقوم على أساس التوزيع العادل للسلطة والثروة. لقد كانت هذه الرؤية مبنية على فكرة أساسية هي أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية دون توزيع عادل للموارد والسلطات.

 

ورغم تباين الآراء حول عدد الأقاليم وشكل الدولة الاتحادية، إلا أن الحزب الاشتراكي أصر على ضرورة أن تكون الدولة قائمة على مبدأ العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وبالرغم من أن مقترح الحزب بإقامة الدولة الاتحادية من إقليمين (شمالي وجنوبي) لم يُعتمد في نهاية المطاف، إلا أن الحزب يواصل التمسك بمخرجات الحوار الوطني الشامل، التي اعتمدت شكلاً اتحاديًا للدولة من عدة أقاليم.

 

التحديات التي واجهها الحزب

 

في عام 2014م، كان اليمن على مشارف تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وكان من المفترض أن يتم الانتقال نحو النظام الاتحادي والديمقراطية. لكن الحرب التي اندلعت في ذلك العام حالت دون تحقيق هذا الانتقال. كانت هذه الحرب بمثابة محاولة من القوى التقليدية الرجعية لإيقاف عجلة التغيير وإعادة اليمن إلى مرحلة ما قبل الجمهورية.

 

ومنذ ذلك الوقت، يعاني اليمن من أزمات متتالية وحرب مدمرة أدت إلى انهيار الدولة وتدهور الأوضاع الإنسانية. وبرغم هذه التحديات، ظل الحزب الاشتراكي متمسكًا بمشروعه السياسي المتمثل في بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية.

 

موقف الحزب من الانقلاب

 

لقد كان موقف الحزب الاشتراكي اليمني واضحًا منذ البداية في رفضه للانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي في 21 سبتمبر 2014م. لقد أدرك الحزب منذ اللحظة الأولى أن هذا الانقلاب ليس مجرد انقلاب عسكري، بل هو محاولة لإعادة اليمن إلى الحكم الثيوقراطي الديني، والقضاء على مكتسبات الثورة اليمنية التي ناضل الحزب الاشتراكي من أجلها.

 

إن القوى الانقلابية تسعى إلى إقامة نظام استبدادي يقوم على التميز العنصري والديني، وهذا يتناقض بشكل كامل مع المبادئ التي يؤمن بها الحزب الاشتراكي اليمني. ولذلك، لم يكن بإمكان الحزب الوقوف على الحياد في مواجهة هذا الانقلاب، بل كان عليه أن يكون في طليعة القوى المدافعة عن الدولة اليمنية الحديثة وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

الحزب واليمن المعاصرة

 

برغم الحرب والانقسامات السياسية، لا يزال الحزب الاشتراكي اليمني يلعب دورًا محوريًا في الساحة اليمنية. إنه يمثل تيارًا وطنيًا تقدميًا يسعى إلى إنهاء الحرب واستعادة الدولة والعودة إلى مسار العملية السياسية. يؤكد الحزب على أن السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مشروع وطني شامل يقوم على أساس الديمقراطية والعدالة والمساواة بين جميع اليمنيين.

 

الحزب والانتقادات

 

تعرض الحزب الاشتراكي اليمني لانتقادات عديدة، بعضها جاء من داخل اليسار نفسه. يزعم البعض أن الحزب قد تخلى عن تمثيل مصالح العمال والفلاحين والفقراء، وأنه أصبح حزبًا للنخبة. لكن هذه الانتقادات غير صحيحة، وتستند إلى فهم خاطئ لدور الحزب في المرحلة الحالية.

 

الحزب الاشتراكي اليمني لم يتخلَّ عن مبادئه الأساسية، بل يواصل النضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق العمال والفلاحين وجميع الفئات المهمشة. لكن الحزب يدرك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب أولاً إقامة دولة القانون، ولهذا يركز الحزب في هذه المرحلة على النضال من أجل بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية.

 

استمرارية الحزب

 

لقد أثبت التاريخ أن الحزب الاشتراكي اليمني حزب عصي على الاجتثاث. فرغم كل المحاولات التي بُذلت لتصفية الحزب، سواء من خلال الحرب أو التآمر السياسي، إلا أنه لا يزال موجودًا ويواصل نضاله من أجل اليمن. لقد مر الحزب بظروف صعبة، لكنه تمكن من البقاء والاستمرار بفضل مبادئه الثابتة والتزامه بقضايا الوطن.

 

وفي الأيام القادمة، سيحتفل الحزب الاشتراكي بالذكرى الثانية والستين لثورة 26 سبتمبر، والذكرى الواحدة والستين لثورة 14 أكتوبر، والذكرى السادسة والأربعين لتأسيسه. وستكون هذه الاحتفالات مناسبة للتأكيد على أن الحزب الاشتراكي سيظل حاضرًا في المشهد السياسي اليمني، وأنه سيواصل نضاله من أجل تحقيق أهدافه الوطنية.

 

 

في الختام إن الحزب الاشتراكي اليمني سيظل حاملًا لمشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة. وعلى الرغم من كل التحديات والخصوم، سيظل الحزب الاشتراكي قوة رئيسية في اليمن تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبرغم الصعوبات التي يمر بها اليمن حاليًا، فإن الحزب الاشتراكي يؤمن بأن المستقبل سيكون أفضل، وأن اليمن سيشهد في يوم ما تحقيق حلم بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية.

إغلاق