كتابات

الحلقة الثانية: محطات في الحوار بين السلطة والجبهة الوطنية الديمقراطية في شرعب والعدين في مناطق شمال تعز (شرعب والعدين ) (82-83)م

ريبون / كتابات

كتب / حمود الحبشي

كان مخطط السلطة واضحا في ضيق النفس بالحوارات وتغلب نزعة العنف والقوة في التعامل مع ظواهر الواقع السياسي ، لكن إصرار قيادة الجبهة الوطنية الديمقراطية على التمسك بنهجها السلمي رغم المخاطر ظل قائما ، تجسد في إستمرار فريق الحوار في متابعة مهامه وتواصله مع طرف النظام ومناقشة المستجدات اليومية بما فيها إعتقالي ، واستمرار الأعمال العسكرية لجماعات النظام التي تستهدف أفراد الجبهة الوطنية الديمقراطية والمواطنيين في بعض المناطق .

كان فريق الحوار مكونا من حمود الحبشي وعبدالله عبداللطيف ( غمدان ) وعبدالله طاهر ( عمر ) والشيخ محمد قاسم هزبر – قبير والشيخ عبدالحميد حمود – بني مرير والشيخ حميد محمد عبدالقادر – بني مرير ، وهدا الفريق المكلف بقرار من قيادة المنظمة كفريق أساسي ، مع التأكيد على حضور بعض الرفاق الأخرين لجلسات حوارية مابين حين وآخر ، تخللت الحوارات لقاءات على مستوى المديريات شارك فيها عديد من الرفاق لتعزيز الإجراءات التنفيذية التي تم الاتفاق عليها ، من ضمن ذلك مسائل إجرائية تتعلق بالتجنيد او فتح الطرقات أو تسليم المواقع بما في ذلك حل بعض القضايا التي تعيق تطبيع الحياة العامة
عندما يتم الحديث عن الحوار مع السلطة تبرز إلى الذاكرة مباشرة كحقيقة لايمكن تجاهلها شخصية الشيخ علي ناصر شويط ألمعين قائدا لمديرية الرونه مع جيشه ألشعبي الذي أصطحبه ومكلفا بالحوار مع قيادة الجبهة الوطنية الديمقراطية في عموم شرعب والعدين .
الشيخ على شويط شخصية وطنية له خلفية كفاحية مع حركة الأحرار ضد الإمام ….ارتبط بإسمه تكوين مديرية السلام العام 1970م تقريبا يرتبط بالعديد من الصداقات في المنطقة ، يتمتع بكاريزما خاصة قل نظيرها في غيره
وتواجده كطرف يمثل السلطة عزز من ثقتنا بالحوار ومثل ضمانة أمنية لتجنب أي استهدافات لأشخاص المحاورين .
كان أول لقاء فيه بعد تكليفه في قبير في النصف الثاني من العام 1982م لا أذكر تحديدا انما في شهر رمضان من ذلك العام ، كان لقاء تعارفيا حضره عدد من الشخصيات القيادية في الجبهة الوطنية وواجهات اجتماعية ومواطنين ، في ظل ( شجرة حمر) وارفة في ظلالها ، تم خلاله ابداء الإستعداد بمعالجة كل قضايا المنطقة والأفراد فيها موضحا عدم سهولة ذلك فهي عملية تحتاج لبناء الثقة وتعزيزها وصبرا في المتابعة ، كان حديثا شفافا يمتلك كل المصداقية لتعزيز الثقة بالسير نحو السلام والاستقرار
بدأت اللقاءات في الرونة ثم أنتقلت الى مدينة تعز ، كنا تواقين للسلام وحريصين على نجاح الحوار يشاركنا ذلك الطموح، المواطنين والكثير من المشائخ والواجهات الإجتماعية بما في ذلك البعض من أطراف الصراع حيث كان للقاءات المباشرة والمفتوحة بين الأطراف أثرها الكبير في تغيير الكثير من القناعات ووجهات النظر للدفع بإتجاه السلام الإجتماعي..(أتحدث هنا عن أطراف في المنطقة وليس عن من يمتلك القرار ) برغم عدم تجاهلنا لوجود قوى لاتريد السلام ولايدخل في أجندتها إما لمصالح تتوفر في ظل الحرب وتخشى من فقدانها او لقناعات سياسية لاتؤمن بالأخر ولاتتسع للحوار
لا أريد هنا ان اتحدث عن أشخاص او كتابة سيرة حياة لأحد …انما أتحدث عن تاريخ وإتجاهات عامة لطبيعة العلاقة بين الأطراف واتجاهات تطور تلك العلاقات بكل ما طبعها سلبا وإيجاب بإعتبارها تجربة أصبحت ملكا للجميع ويجب الاستفادة منها شئنا ذلك أو أبينا
ألمنطقة واحدة سلاما ورونة والقرار واحد باستمرار التواصل والمضي قدما، الا أن طبيعة عدم التجانس بين أطراف النظام والقوى الداعمة له قد فرض تباين في التعامل بين السلام التي تتواجد فيه قوات الاحتياط العام وبعض القوى المتطرفة حيث القصف المدفعي مستمر الى القرى التي تحت سيطرة الجبهة والتجييش لاقتحام قرى بالقوة وفرض ردود فعل ..والرونة التي يتواجد فيها القائد علي شويط وبقواته المنتشرة في كل المواقع بما فيها مواقع الجبهة التي تم تسليمها إبتداء في الحرية وعدن بركة وغيرها حيث الوضع في هذه المديرية مستقرا ومثل عامل ارتكاز للشيخ علي شويط لتعميم قناعاته لتشمل كل المنطقة وهو ماتم تحقيقه بعد جهود حثيثة لتجاوز العوائق وكسر حدة الإعتراضات
في ظل استمرار الاجتماعات في تعز مع طرف السلطة المكلف والتي كانت اغلبها في قيادة اللواء او في منزل قائد اللواء محمد ضيف الله ، الله يرحمه ، كان واضحا تلك الضغوط التي مورست على فريق الجبهة المفاوض والتي يتضح من خلالها ان السلطة تريد كل شي ولن تقدم شيئا ، سواء فيما يتعلق بالافراج عن المعتقلين او إلجام النزعة المتطرفة لدى الجماعات المسلحة في المنطقة الى غيرها من القضايا
أتبع الطرف المفاوض كل أشكال المرونة من واقع ادراكه لطبيعة الظرف السياسي وحرصه على تحقيق الاستقرار والسلام ..أتذكر كتدليل على المرونة عندما طرح مطلب تسليم السلاح الذي تم الاستيلاء عليه من قبل الجبهة في بعض المواجهات ، كان التوجيه واضحا وحازما من قبل القيادة ردا على استفسارنا ( سلموا كل الأسلحة الثقيلة بما فيها سلاح الجبهة ) كان توجيها من الفقيد احمد علي السلامي ابوخالد
كنا مدركين ان مهمتنا تتم بصعوبة شديدة بعد ان دخل اتفاق تعز بين الرئيسين العام 1982م حيز التنفيذ وتم التخلي عن الحوارات المركزية بين قيادة الجبهة الوطنية الديمقراطية والسلطة، وأنتقل الى حوارات مناطقية بدون سند سياسي داعم، لذلك كانت مطالبنا متواضعة جدا ، كمطالب مواطنين وليس طرفا سياسيا ، تركزت حول اطلاق المعتقلين وعودة المشردين وايقاف اعمال الملاحقة والاعتقال ومنع اعمال الانتقام وضرورة تواجد الدولة في كل المنطقة، وإلغاء المليشيات والجماعات المسلحة ، دولة تهتم ببسط سلطاتها وتقديم خدماتها للمواطنين مباشرة بدون واسطات ، وهي جميعها مطالب تعتبر في صلب مهام الدولة ومن مهامها ولاتحتاج الى حوارات وتفاوض لتحقيقها ، لكن كما سبق التنويه ان طبيعة النظام في تركيبته تسيطر عليه قوى تقليدية متطرفة هي من تمتلك القرار وتعطل كل توجه نحو إنفراجه في الأوضاع تسمح ببناء دولة تؤمن بالمواطنة المتساوية …دولة لكل اليمنيين
تركزت جهود قوى التطرف على إزالة العقبة التي تلجم توجهاتها وتحد من ممارساتها ، تلك العقبة المتمثلة برجل السلام الشيخ علي شويط وهو ماتمكنت من تحقيقة عبر تغييره وإبعاده عن المنطقة ، سبقها محاولات لخلق خلافات بين مكونات جيشه الشعبي القبلي لإضعافه وهو مالم تتمكن منه.
بتغيير علي شويط ورغم ماتركه من ضعف لمنطق الحوار والتوجه السلمي لحل قضايا المنطقة عبر التدابير السلمية التي بدأ فيها ، الا ان الحوار لم يتوقف وظل اصرار الجبهة وفريقها التفاوضي العامل المهم في استمراريته
توقف تمسك طرف السلطة بإستمرار التنفيذ للخطوات المتبقية خصوصا وان الجبهة قدمت كل مالديها من التزامات
كانت القناعة تتعزز كل يوم بعدم الجدية بالاستمرار من طرف السلطة فقد بات واضحا ان مخطط إستئناف دوامة العنف أصبح جاهزا تحت ضغط والحاح شديدين من القوى المحلية المستفيدة من الصراع للحيلولة دون تنفيذ الخطوتان الأخيرتان بتسليم ماتبقى من الأسلحة الثقيلة والشروع باستيعاب الأفراد في معسكر خاص إستكمالا للخطوات التي سبق الشروع فيها أثناء قيادة الشيخ على شويط للمنطقة، فقد جوبهت هاتان الخطوتان برفض بالمطلق من قبل مراكز قوى وجماعات متطرفة في المنطقة أعتبرتا ذلك فقدان لمبرر تواجدها وانتهاء لمصالحها وفقا لحساباتها هي
لم يكن أمام الجبهة من خيارات سوى أمرين ألتمسك باستمرار الحوار في ظل سيادة منطق العنف من جانب ومن جانب أخر إخلاء المنطقة قسرا من الكثير من القيادات والافراد عبر الانسحاب الى عدن او الهجرة الى بلدان الاغتراب السعودية وغيرها.

إغلاق