محلية
مرسم ملتقى الفن .. الرسم في مواجهة الحرب
تقرير/ مطيع بامزاحم
“ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما تأخذ الفن على محمل الجد مثل الفيزياء أو الكيمياء أو المال”، بهذه الكلمات اختصر عالم الموسيقى وعازف البيانو والملحن السويسري الشهير إرنست ليفي أهمية الفن ودوره المحوري في نهضة الإنسانية وبناء السلام، والخروج من دائرة الصراع نحو آفاق الأمن والطمأنينة، فالفنون متنوعة، وتأتي في قوالب مختلفة، لكنها تصب في هدف واحد وإن اختلف روافدها وتعددت.
ملتقى الفن
بجهود ذاتية تأسس مرسم ملتقى الفن على يدي الفنانة التشكيلية الشابة عبير محمد الحضرمي في نوفمبر 2020م، في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، تقول عبير “فكرة إنشاء المرسم جاءت من حاجة الرسامين لمقر يجمعهم تحت سقف واحد، ويقدم لهم دورات تدريبية وتأهيله وتطويرية، ويقيم لهم فعاليات فنية ومعارض تفتقر لها المنطقة وهذه الفئة من المبدعين”.
ألوان السلام
ترى الفنانة التشكيلية عبير بأنه “من المهم جدا أن يشارك الفنان في بناء السلام وصناعته خلال الصراعات الطويلة التي تمر بها البلاد، لأن الفن دائما ما يكون احد أوجه المجتمع الحضاري، ولا يوجد مجتمع متزعزع أو متطرف يبرزان فيه الفن والثقافة”.
انطلاقا من هذه الرؤية تم تدريب 50 فنانا يتوزعون بين التشكيليين والخطاطين والنحاتيين من مختلف مديريات محافظة حضرموت، ضمن مشروع حمل عنوان “ألوان السلام” يهدف إلى التعريف بدور الفن في بناء السلام ويعرّف الرسامين على ماهية بنائه ودورهم في صناعته وكيفية المساهمة في تحقيقه.
فالفن بشكل عام والرسم بشكل خاص قيمة جمالية ومتنفسا لمن يمارسه، تعتقد عبير “بأن الرسم في ظل الحروب والصراعات والألم النفسي الذي يعيشه الناس يعتبر متنفس لهم في ظل انعدام المتنفسات، وإن كان مصدر دخل للفنان فيصبح طريقة حب وأسلوب عطاء”.
بدورها الفنانه التشكيليه فاطمة أحمد الكاف ترى بأن “الفن التشكيلي والفنون بشكل عام ماهي الا انعكاس للواقع الذي نعيشه بطريقة أو بأخرى، فمن خلاله يعبر الفنان عن آرائه وأفكاره واتجاهاته او عن الواقع الذي يعيش فيه كناقد او كمؤيد له مما يجعل الفن من المجالات التي يمكن من خلاله مناقشة قضايا مختلفة والإسهام في معالجتها وخصوصا تلك المتعلقة منها بالسلام وبنائه”.
غرفة واحدة
رغم الأنشطة الكثيرة التي نفذها مرسم ملتقى الفن، إلا أن هناك صعوبات كثيرة تعترض سير نشاطه وتحقيقه لاهدافه، ففي بعض الأحيان يتم الاستغناء عن بعض الدورات بسبب تكلفتها العالية أو لعدم تأمينها للأدوات اللازمة للمتدربين، تقول عبير “توفير الميزانية التشغيلية ومستحقات مقر المرسم هي من اكبر الصعوبات التي تواجهنا حاليا، فنحن نعمل من غرفة واحده فقط، جراء ارتفاع الإيجارات ونواجه صعوبة في دفع مستحقات هذه المساحة التي نحاول أن نبرز منها بقدر الإمكان”.
مخيم للصغار ومعرض للصم والبكم
الطفلة ريماس تبلغ من العمر 11 عاما، كانت واحدة من المشاركات في مخيم صيفي للأطفال استهدف 10 منهم تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات إلى 12 سنة، تعبّر ريماس عن سعادتها بالمشاركة فتقول “شاركت لمدة 6 أيام مع عدد من الأطفال المبدعين وانتجنا 50 عملا فنيا وتعلمنا الرسم على الزجاج وفن الفسيفساء وقمنا برسم لوحات فنية بقشور البيض”.
لايقتصر اهتمام مرسم ملتقى الفن على الأطفال فقط، بل أقام أول معرض من نوعه لشريحة الصم والبكم من الفتيات خلال فعالية رسم مفتوحة في الهواء الطلق”.
10 دورات و 6 معارض
رغم العمر القصير للمرسم والإمكانيات المالية المحدودة والقليلة، إلا أنه استطاع تنفيذ 10 دورات تدريبية متنوعة وإقامة 6 معارض وفعاليات فنية مختلفة منذ شهر نوفمبر من العام المنصرم 2020م، استفاد منها 250 فنانا وتم إنتاج أكثر من 300 عمل فني متنوع، الفنان ماجد الغثنيني واحد من المستفيدين من دورات ومعارض المرسم يشير إلى أن “دوارات تحسين الخط للكتابة ودورة الرسم على الجدران كانت من أهم الدورات بالنسبة لي اذا تعتبر احد طموحاتي المستقبلية بأن أكون فنانا في مجال الجداريات وتعلمنا من هذه الدورة عدة أساليب في تطوير مهاراتنا ستفيدنا مستقبلا”.
طموح
حسب وصفها، لدى عبير والرساميين في حضرموت طموحات كبيرة فهم يسعون لتفعيل دور الفنانين بشكل أكبر، ويعملون لتنفيذ المرسم لـ6 معارض سنوية، منها الجماعية ومنها المختص بفنان تشكيلي واحد، إلى جانب العمل على نطاق واسع لإقامة معارض وفعاليات محلية وفي محافظات يمنية أخرى، والمشاركة بأعمال الرسامين في المعارض الدولية والعالمية.
الفن التشكيلي واحد من الفنون المعبرة، فهو يعطي الفنان فرصة للتعبير عن ما يختلج في وجدانه وما يدور في خلده، ويمنحه مساحة آمنه للتصالح مع ذاته ومحيطه وترجمة أفكاره وعكس وجهته نظره حول كثير من القضايا والأحداث التي تدور حوله، وفي بلدنا الذي يشهد صراعات متعددة، يفتح الفن نافذة أمل لشريحة الفنانين ليذكرنا بضرورة العودة إلى هويتنا الحقيقية وليساهم في مسح غبار الحياة اليومية عن أرواحنا المرهقة والتائهة.