محلية

الشيباني لملتقى شباب الاشتراكي في الخارج :اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين من ربيع الوحدة إلى شتاء الانقسام

ريبون / خاص

أكد الكاتب والأديب محمد عبدالوهاب الشيباني خلال الندوة الأفتراضية التي نظمها ملتقى شباب الأشتراكي في الخارج عبر الزوم بأن ماحصل في هيئة اتحاد الادباء والكتاب اليمنين طيلة العقدين الماضيين ماهو الا حالة مجسمه لهذا الانقسام .

حين لم يجدوا المؤسسات الثقافية التي ينتمون إليها قادرة على حمايتهم و التعبير عن استقلاليتهم كما حدث لعشرات المثقفين و الكتاب و صحفيين التى تعرضوا لكل انواع تنكيل و القهر في سنوات الحرب.

لان المثقف هو الصوت النخبوي للحالة العامة للبلاد في مجتمع بدا في تهتك جراء هذا التدمير الاخرق دون أن يستطيع فعل الثقافة و ادواته في تشكيل مصدر كابح لجنون المتحاربين ، وظل صوت المثقف هو الصوت الأضعف، وادواته هي الأضعف في لجم المتحاربين.

ولذا لجاءت القوى التقليدية الى تخريب المناهج ولم تكتفي بذلك إنما وصلت إلى الموسسات الثقافية
التي كان من المفترض انها ستنهض بدور فعال للتنوير بواسطة المثقفين أنفسهم.

واضاف قائلا” : ان القوى التقليدية كانت تعرف ان سبب دمرها سيكون في نهوض التعليم والثقافه الحرة لهذا عمدت على تخريب التعليم و الثقافة .

وأكد الشيباني بأن الانقسام العام الذي يعيشه المثقفون اليمنيون الناتج عن انقسام اليمن ليس انقسام طائفيا كما تروج لة الحرب هي فقط مناطقيه، صراع على المصالح انه مايعانيه المثقف هو تعبير عن معاناه الشعب اليمني بشكل عام.

وأشار الى أن الاستقطابات القوية المتعاقبة امتدت لشريحة المثقفين (استقطابات المتحاربين ) لجعلهم داخل هوياتهم الاضيق سياسيا، ومناطقيا وطائفيا .

كما أكد الشيباني بأن المثقفين فرض عليهم ان يعيشوا في حالة الانقسام على متراسي الحرب ورفع الشعارات المختلفة و المراوغة التي تستجلب عواطف اليمنين الذي يعانون من الجهل لتجعلهم أدوات لهؤلاء المتحاربين

ووجه الشيباني رسالة لجميع المثقفين في داخل والخارج بأن المثقف المختلف نابذ للاستبداد و الحرب وحده القادر على تعرية التسلط و ادواته فهو بصوته وصدقه اكثر ايلاما لمشروع الاظلام الذي يكرس الان فلا يجد المستبد من وسيلة بعد استنفاذ كل طرق الترويض سواء اسكاته بعنف والاذى .

واليكم نص المقالة

الواقع الثقافي في ظل الحرب الدائرة في اليمن (ندوة ملتقى شباب الاشتراكي)

محمد عبد الوهاب الشيباني

17 أبريل 2021م

مساء الخير على الجميع ، وكل عام واليمن إنساناً وجغرافيا وإرث حضاري بألف خير.
اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بجزيل الثناء لكل القائمين على هذا الملتقى الرائد ( ملتقى شباب الاشتراكي في الخارج)، والذي يسهم من خلال فعالياته المتنوعة في مد جسور التواصل الحيوية ، والتي تهدف بدرجة رئيسية إلى معاينة أبرز القضايا التي أفرزتها حربٌ عبثية قذرة ، منذ أزيد من ستة اعوام وهي تطحن اليمنيين وتفكك اوصال جغرافيته وتدمر إرثه الحضاري و والأخطر فيها تدمير الروافع السلمية لتعايش أبنائه.

اسمحوا لي أيها الأعزاء من خلال هذه الفعاليةِ المعنونة ِ بـ (الواقع الثقافي في ظل الحرب الدائرة في اليمن) تقديم جملة من الأفكار التي تحاول مقاربة الواقع الثقافي، وتسعى لخلق نقاش يضيف إليها ويصحح خلاصاتها واستنتاجاتها ، التي هي في نهاية المطاف وجهة نظر لا تدعي احتكار الحقيقة.

وتحاول هذه الأفكار معاينة الحالة العامة من زاويتين الأولى تتصل بحالة الانقسام العام التي يعيشها المثقفون اليمنيون والثانية في قراءة حالة مجسمة للانقسام صار فيها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الأنموذج الواضح والدال عليها.
وسأحاول في ختام المحاضرة الإشارة إلى اسهامات المثقفين والأدباء اليمنيين في المشهد الثقافي العربي الراهن، وكيف استطاعوا بدأبهم خلال سنوات الحرب من تبديل مفهوم المركز والاطراف الذي بقي يحكم اليمن باعتبارها هامش بعيد بالمراكز الثقافية الحيوية في البلدان العربية .

أولاً المثقفون اليمنيون وخطايا الاستبداد و الحرب

في الحالة التي تعيشها اليمن، من احتراب وفوضى، تبرز الكثير من الاسئلة التي تحاول الاقتراب من دور المثقف في هذه اللحظة المصيرية ـ أين يقف ؟ وهل يعاني من أزمة تعوقه عن أداء دوره المفترض في مثل هذه الظروف؟ و لماذا يتخندق معظم المثقفين داخل مواقف الأحزاب والمكونات التي ينتمون إليها ؟ وهل يمتلك المثقف القدرة على مواجهة الضغوط السياسية ؟ و ما الدور المأمول من المثقف القيام به حيال القضية الوطنية التي تشغل بال اليمنيين ؟ وما الدور المفترض أن تقوم به المؤسسات الثقافية (الرسمية والخاصة) في الظرف الراهن ؟ وغيرها من الاسئلة ، التي تحاول وبقلق مقاربة الحالة (الملتبسة) التي يعيشها المثقف، او تُفرض عليه، في مجتمع بدأ بالتهتك جراء هذا التدمير الاخرق ،دون ان يستطيع فعل (الثقافة) وحوامله وادواته ، و(تبشيراته) تشكيل مصد، وكابح لجنون المتحاربين !!

وما اظنه كخطوة اولى، في محاولة للخوض في مثل هذه المفردات، هو البحث عن الجذر، الذي نمت عليه شجرة الكارثة، ولم يزل يمدها بأسباب القوة والحياة. الشجرة التي تستطيل وتكبر على حساب سكينة الناس ومعيشهم وامنهم، و التي تُطعم البلاد يومياً ثمرها المُر، وتوقد بما تيبس من اعوادها، هذا الفصل الاهوج من الجحيم .

فعملية التخريب الممنهج ،التي مارستها القوى التقليدية المحافظة المستبدة، الممسكة بمفاصل السلطة (القوة والثروة) للبنى الحيوية في المجتمع (التعليم والثقافة) ،قاد وفي سنوات قليلة ،الى احداث خلل بنيوي قاتل داخل مشروع التحديث الهش، الذي بشرت به تحولات عقد ستينيات القرن الماضي في اليمن، شمالا وجنوباً (ثورتي سبتمبر واكتوبر).

فهذه القوى، كانت تعرف ان معادل موتها، يكمن في نهوض التعليم والثقافة الحرة المنتمية لروح العصر ومبذولاته ،لهذا عمدت الى تخريب حواضن التعليم والثقافة ومستوعباتهما المغايرة ،بدءا بمناهج التعليم وصولا الى المؤسسات الثقافية ،المقترض فيها النهوض بالدور الفاعل للتنوير ،بواسطة المثقفين انفسهم، بتوفير الحماية لهم (العيش الكريم والحرية).

دُمِر التعليم ودُمِرت الثقافة ،بتحويل حواضنها ورافدها الى هيئات ادارة وتدجين وتوظيف . و المتابع للشأن العام سيرى كيف انه خلال اربعة عقود، شهدت البلاد تحلل كامل لحوامل العصرنة (في التعليم والثقافة)،لتتعزز بدلا عنها قيم الخطاب التقليدي المحافظ (القبلي/الديني)،الذي بذل كل شيء من اجل شد المجتمع الى الماضي، حيث يستطيع ان يحيا ويتسلط.
غاب المشروع الثقافي العصري في المجتمع، وان ظهرت هنا وهناك محاولات فردية (لشعراء وكتاب ومفكرين)، لملء هذا الفراغ، لكنها لم تستطع ،بسبب تهميشها المتواصل، ان تشكل فعلاً مقاوما ومؤثراً للمد الاصولي ،الذي بدأ التعبير عن نفسه ،سياسيا وطائفياً، وبقوة في الفضاء العام للمجتمع.

الاستقطابات القوية، في ازمات البلاد المتعاقبة، امتدت لشريحة المثقفين، الذين بدأوا بالتحوصل داخل هوياتهم الاضيق (السياسية والمناطقية والطائفية)،حين لم يجدوا مؤسسات الثقافة ،التي ينتمون اليها، قادرة على حمايتهم ،والتعبير عن استقلاليتهم ،وقبل هذا اذابة احاسيسهم بالتمايز داخلها، فصاروا مع الوقت عنوانا لانقسام المجتمع ،عوضا عن وحدته وتماسكه. بل وصاروا عنونا لمتاريس المتحاربين في كل الجبهات، لانهم ببساطة لم يستطيعوا تشكيل صوت نابذ للحرب ومجرَما لها، بسبب الضغوط الشديدة عليهم، وبسبب هشاشة تكويناتهم الفكرية، التي من المفترض ان تكون عابرة للجغرافيا والطائفة والعائلة.

تدمير الثقافة بالإفساد، وتفريغها من مضامين الحداثة والحرية، افضى الى افساد لدورة الحياة في المجتمع ،بما فيها الحياة السياسية، ونخبها (احزابا وافرادا)، التي سرعت ، بفعل فسادها ، في تعاظم هذا الانقسام المميت في المجتمع ، والذي لا يمكن ان نتجاوز تشظياته، الا بنبذ الحرب وتجريمها بذات الكيفية النابذة للاستبداد والقهر، من خلال اصطفاف قوي في اطار مشروع وطني يعبر عن تعدد المجتمع ، وحق الجميع في التعبير عن ذواتهم وحاجاتهم ، بوصفهم مواطنين اولاً، وافرادا تقوم علاقتهم بالدولة بالمباشرة، تماما كعلاقتهم بالدين دون وصايا من السلطة القاهرة للجماعة والطائفة والحزب والمنطقة .
بالتأكيد ستتراجع الاستقطابات وستنتهي الحرب بكل اكلافها المُرة ،وان بعد وقت، وسيعرف الجميع وعلى رأسهم (اهل الثقافة)، مكامن الخلل وجوهره، ولن يكون امامهم سوى التعاطي معه وبمسئولية . وسيكتشفون ان قوى الحرب (التي يصطفون معها الان) هي على طول الخط، ضد اراداتهم ككائنات سلام ومحبة، مهما رفعت من شعارات المظلومية والوطنية .
المثقف المختلف النابذ للاستبداد والحرب ،وحده القادر على تعرية التسلط وادوات قهره ،فهو بصوته وصدقه اكثر ايلاما لمشروع الإظلام الذي يكرس الان، فلا يجد المستبد من وسيلة، بعد استنفاذ كل طرق الترويض المستحيل، سوى اسكاته بالعنف والايذاء، كما حدث لعشرات المثقفين والكتاب الصحافيين الذين تعرضوا لكل انواع التنكيل والقهر.

ثانياً اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين من ربيع الوحدة إلى شتاء الانقسام

في عام «1970م» أعلن عن هيئة تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في مدينة عدن كتكتل ثقافي يعبر عن وحدة أعضائه في الشمال والجنوب بسبب وجود سلطتين في بلد واحد، وكان الخطاب السياسي وفعله الواضح مشغلًا حيويًّا في ظاهرة الاتحاد طيلة عقدين، وها هي المدينة ذاتها، وبعد قرابة نصف قرن، تشهد ولادة كيان تجزئي، منقادًا بحبل السياسة أيضًا، لكن هذه المرة بوعي عصبوي مناطقي.

في المؤتمر العام الخامس لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، الذي انعقد خريف عام 1990م في مدينة عدن، كان قد بدأ السؤال الأخطر بالتشكل، الذي لم يُقرأ بعناية كافية وقتها، وهو: ما الذي تبقى من الاتحاد بعد عشرين عامًا من حضوره في حياة اليمنيين كمرموز ثقافي وسياسي موحد، خارج رغبة العقل السلطوي التشطيري ووعيه؟

متوجبات هذا السؤال وحافزاته، تأسست على قاعدة أن الشعار الذي تكتل تحته الأعضاء والمنتسبون كان يقول «تحقيق الوحدة اليمنية في الصدارة من مهام أجيالنا المعاصرة»، ولأن الوحدة صارت حالة متحققة منذ أواخر ربيع العام نفسه، كان لا بد من إعادة بلورة شعار وخطاب جديدين لعمل الاتحاد، يخفف من الحمولة السياسية الثقيلة التي وضعت على ظهره لعقدين.
مع أولى الخطوات في العهد الجديد بدأ التعثر البائن بالانقسام الفوقي، الذي كان سببه في الأصل عملية الإرباك الكبيرة التي وقع فيها «اليسار» بسبب المتغيرات التي اجتاحت البلاد والمنطقة والعالم، ودخوله الوحدة من دون رؤية واضحة، وكان هذا الانقسام في الأصل امتدادًا لمفروزات المؤتمر، التي تمثلت في تجاوز بعض الأسماء التي ارتبطت بتاريخ الاتحاد، والاستبدال بها أسماء أخرى من داخل بنية اليسار ذاتها، لكنها لم تستطع خلال العام الأول إدارة العجلة بالطريقة نفسها التي سُيِّرت بها طويلًا.

في المؤتمر العام السادس، الذي انعقد في صنعاء في نوفمبر 1993م (عشية اندلاع حرب صيف 94)، بدأت تظهر شهية المتصارعين لتجيير موقف الاتحاد لمصلحة خطاباتها وتكتيكاتها السياسية، غير أن الاتحاد خرج من هذا المؤتمر متماسكًا، لكنه بعد انقشاع الغمامة الصفراء للحرب وجد نفسه عاريًا من دون مقرّاته الرئيسة في عدن والمحافظات الجنوبية، التي اجتاحها تحالف السلطة في صنعاء.

بعد هذه الجائحة بدأت تتشكل في المحافظات المقهورة ردة فعل رافضة لعملية الإخضاع والانحراف بمسار الوحدة إلى ما تشتهي رغبات المنتصر، التي عملت على تجريف إرث دولة الجنوب الثقافي والاجتماعي وثرواتها والتي رأى فيها أبناء هذه المناطق ومثقفوها احتلالًا مضمرًا. وفي المقابل كانت مرحلة اللاتوازن في عمل اتحاد ما بعد الحرب، استجابة لهذا الطارئ النفسي لمنتسبيه في الجنوب الذين كانوا يرون الاتحاد جزءًا من ذاكرة جغرافيتهم؛ إذ شهدت ولادته وتملّك مقراته، وبها أصدر مجلته «الحكمة»، إضافة إلى عملية نقل إدارته المركزية ومجلته إلى صنعاء، ابتداء من منتصف التسعينيات، كان عند معظمهم نوعًا من تجيير تاريخه الرمزي.

ربط الاتحاد بالمؤسسة البيروقراطية للنظام المركزي بإعادة تسجيله مثل أي جمعية خيرية، ودمج مخصصاته بموازنة وزارة الشؤون الاجتماعية، أمور ساعدت على تدجينه وانخفاض صوته السياسي، وساعد في ذلك أيضًا تواري قياداته الوازنة والمؤثرة إما بالموت أو بالإزاحة أو بإعادة ترتيب أوضاع البقية منها في مواضع حزبية ووظيفية، فصار الاتحاد كموقف وحضور استجرارًا لماضيه. وما لم يستطع النظام فعله طيلة ربع قرن فعله في سنوات قليلة من خلال فرض المحسوبين عليه، ومتساقطي الأحزاب في مواقعه القيادية، من خلال إعادة شروط التمويل والدعم أو شراء أصوات مقترعي المؤتمرات، وكان الهدف من ذلك توظيف إرث الاتحاد وتاريخه ضمن عملية تنصيع صورة النظام الشائهة، حين بدأ بتقديم تجربة الحكم الهلامية في البلد المتخلف بوصفها ديمقراطية ناشئة، بحاجة للإعانة والدعم الخارجي.

بين المؤتمرين السابع 1997م والتاسع 2005م، استنفد الاتحاد كل إرثه السياسي تقريبًا، غير أن شريانه اليابس ترطب بدماء شابة من أديبات وأدباء، أكثر صلة بالشأن الثقافي والأدبي وإن كانت أقل خبرة نقابية وسياسية، فبدا أكثر اعتلالًا في شقه السياسي، لكنه أكثر تعافيًا في نزوعه النقابي وحضوره الثقافي المتعززين بحالة الاستقرار المالي، فعادت إليه روح مختلفة، تحلق به في فضاء نوعي يقترب من الطبيعة الحقيقية في وجوده، فكان مشروع الإصدار وانتظام مجلته، وتنظيم مناشطه الثقافية والأدبية. ومع كل ذلك كان يلاحظ أن مسألة المركزة واستبداد الجغرافية في الوعي التشطيري هي التي تعمل بكفاءة عالية في بنيته التنظيمية، فتحولت الفروع إلى أطراف مهملة لا يُلتفت إليها إلا في أثناء التحضير للمؤتمرات، بوصفها خزان أصوات يغترف منها مرشحو دوائر الحاكم، فكان في الغالب يعاد ترتيب وضع المجلس التنفيذي والأمانة العامة بغلبة المركز ومزاجه، حتى بأولئك المحسوبين على الجنوب، واستقروا في صنعاء وسكنتهم رغباتها.

في مطلع عام 2007م بدا الصوت الخافت يعلو تحت سقف «الحراك السلمي» في الجنوب… الكثير من فاعلي الحراك وناشطيه رأوا أن استعادة الدولة لا يمكن أن تتم إلا بتكوين قطاعات مهنية ونقابية يُلتف حولها، لتصير هي المحور القائد في تكتيل وتنظيم منتسبيها لإسناد خطوات «تقرير المصير»، فظهرت أصوات تدعو إلى تشكيل رابطة للصحافيين الجنوبيين وأخرى للأكاديميين وثالثة للفنانين، وبدأ الصوت الداعي لتشكيل اتحاد أدباء وكتاب جنوبي أكثرها نشازًا وانفلاتًا وسَهُل شيطنته بداية الأمر في سياق الخطاب الرسمي المناهض للحراك، غير أن الأمر كان قد بدأ يتعزز في وعي شريحة الانتساب هذه، فأبانت أكثر الأصوات عقلانية فيها عن مبادرات لحل المعضلة باقتراح «فدرلة» الاتحاد بوضعين جغرافيين «اتحاد للشمال ومماثل آخر للجنوب»، حتى إن هذا الاقتراح نُقل إلى اجتماعات رسمية تخص المجلس التنفيذي والأمانة العامة، في تجاوز يجرِّمه في الأصل النظام الداخلي ولوائحه.

في مايو 2010م انعقد المؤتمر العاشر في عدن، في وضع شديد التعقيد، فالبلاد كانت تنزلق إلى الانفجار. الشحن المناطقي كان قويًّا والوعي التشطيريّ كان يعمل بوقود الظلامة السياسية؛ لهذا انشطر المجلس التنفيذي المنتخب إلى كتلتين متساويتين ومتباينتين «شمالية وجنوبية» تعبيرًا عن الانقسام البائن في جسم الاتحاد، الذي اختزل الانقسام الفعلي في المجتمع وعبَّر عنه، لهذا لم تتشكل الأمانة العامة إلا بعد مضي أربعة أشهر من انعقاد المؤتمر في سابقة خطيرة، وتشكلت بمزاج المحاصصة أيضًا وبالتناصف «شمال وجنوب».

لم تمض سوى أشهر قليلة حتى كانت ثورة فبراير 2011م تعرِّي النظام وتكشف هشاشته. ساحات الشمال كانت تطالب بإسقاط النظام وساحات الجنوب كانت تطالب بإسقاط الوحدة، وليس للاتحاد من صوت واضح حيال ما يجري. وفي هذا التوقيت تحديدًا بدأت الاستقالات من عضوية الأمانة والمجلس من أسماء جنوبية وازنة، أعلنت صراحة سعيها لتشكيل اتحاد أدباء وكتاب جنوبي. تعطل انعقاد هيئات الاتحاد بسبب الاستقالات، وغلق مقاراته؛ بسبب قطع التمويلات الحكومية في منتصف عام 2014م، لتأتي حرب عام 2015م، واجتياح الجنوب مرة أخرى.
بروز المجلس الانتقالي كوريث لكل فصائل الحراك، ومعبِّر سياسي وأمني لصوت فك الارتباط مع الشمال في مايو 2017م، كان اللحظة المثلى التي استثمر فيها الصوت الداعي لتشكيل اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، الذي استطاع في ذكرى استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 2018م إعلانَ هذا الكيان وبدعم من المجلس، كتعبير جليّ عن موجة سياسية عاتية أكثر منها فعلًا ثقافيًّا ونقابيًّا يمكن ترسيخه كمفهوم للتنوع.

ثالثاً: من الهامش إلى المتن أو المقاومة بالكتابة

كثيراً ما يتبادر إلى أذهان المشتغلين بقضايا الأدب والثقافة السؤال المستديم حول الأثر الذي أحدثه المبدعون اليمنيون في المشهد الثقافي العربي خلال السنوات الأخيرة ، من منطلق فرضية رائجة مفادها أن ثنائية المركز والأطراف لم تزل تعمل بذات الكفاءة التي كانت تعمل بها قبل نصف قرن ، والتي توصِّف اليمن كهامش قصي وتتسبب في عدم مواكبة الإبداع الأدبي في اليمن للمنتوج المناظر في البلدان العربية ، وبسبب ذلك ابتعد عن سياق التلقي والقراءة والتفاعل العام في المحيط والمجاورات.

لدي قناعة تامة أن وسائل التواصل وتقانة التوصيل، جعلت من ثنائية المركز والأطراف بصيغها التقليدية شيئاً ماضوياً قليل القيمة في حالة التفاعل القائمة الآن.. العديد من الأسماء والاتجاهات الأدبية والثقافية اليوم صارت وازنه داخل المشهد الثقافي العربي ومؤثرة فيه .. روائيون وشعراء ونقاد وصحافيون ثقافيون مشتتون في صنعاء وعدن القاهرة وبيروت واسطنبول وأوروبا وأمريكا والهند صاروا فاعلين في الحراك الثقافي والأدبي برغم مآسي الحرب ومالآتها القاتلة التي تلف اليمن منذ أكثر من ستة أعوام.

واستشهد هنا بحالتين قريبتين تعززان ما ذهبت إليه : الأولى فيهما هي وصول رواية أحمد زين ” فاكهة للغربان” في الأول من مارس الماضي إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية ” البوكر” ضمن ستة عشر عملاً لكاتبات وكتاب عرب ، وضمن لجنة التحكيم في دورة الجائزة لهذا العام حضر الروائي المعروف علي المقري كفاحص مقتدر وموثوق . هذان المبدعان الغزيران ( الزين والمقري) استطاعا أن ينقلا الوجه المختلف للسرد الجديد في اليمن، والمنشغل بقضايا المهمل والمسكوت عنه في القضايا الاجتماعية والتاريخ السياسي والثقافي في البلد الذي صيرته الحرب العبثية عنواناً للتهتك والتشظي.

رواية (فاكهة للغربان) هي تفحُّصٌ جمالي ومعاينة حادة لحالة مدينة عدن في حقبتها الاشتراكية ، قبل فترة وجيزة من الانفجار الكبير في الثالث عشر من يناير 1986 ؛ والكاتب بهذه المعاينة ،شديدة الوضوح بتمثيلاتها وإسقاطاتها وتخيلاتها التي شقت معبراً صعباً بين التاريخي بتعيناته الزمنية والتخييل السردي بجموحه الأدبي ، ينجز مساراً جديداً لقراءة حال المدينة ، بعد قراءة أولى عشية استقلالها في نص سردي عنونه بـ ” ستيمر بوينت” ، أصدره في العام 2014 وربما يمتد مشروعه السردي لمعاينة ثالثة لحال المدينة بعيد الوحدة مثلاً.

هذا الكاتب المولود والمقيم في العربية السعودية ، أصدر، خلال مسيرته في الكتابة، خمسة أعمال روائية ( تصحيح وضع ، وقهوة أمريكية، وحرب تحت الجلد، وستيمر بوينت، وفاكهة للغربان) إلى جانب مجموعة قصصية ( أسلاك تصطخب) وكل هذه الأعمال انشغلت بالموضوع اليمني كجغرافيا وإنسان وموضوع ، ابتدأت بمقاربة قضايا التنكيل بالمغتربين اليمنيين بعد أزمة الخليج وحربها الثانية في صيف 1990 في “تصحيح وضع” ، وانتهت بتفكيك الأيديولوجيا التي نكلت بالإنسان في المدينة المسالمة في “فاكهة للغربان” ، أما علي المقري الذي أصدر هو الأخر خمسة أعمال ابتدأت بـ ” رائحة سوداء طعم أسود” وانتهت بـ ” بلاد القائد” وما بينهما ” اليهودي الحالي ، وحُرمة ، وبخور عدني”، فقدم اليمن من خلال موضوعات اشكالية تتصل بالتمييز العرقي واللون والديانة والكبت بحرفة عالية. ومثله مثل أحمد زين كان لعدن المدينة حضورها في تجربته السردية الغنية من خلال عمله القوي ” بخور عدني”، التي صارت بمثابة لوحة بانورامية لتخييل روائي جامح اشتغل على التعدد والتنوع في المدينة الكسوموبولتية ابتداء من أربعينيات القرن العشرين.

الحالة الثانية تتمثل في خبر فوز المجموعة الشعرية المعنونة بـ (حِيَل) للشاعرة الشابة ميسون الإرياني بجائزة توليولا الإيطالية، في العاشر من مارس الماضي. بغض النظر عن أهمية الجائزة وقيمتها المعنوية مثلاً ، ولكونها تُعطى لكاتبة شابة ، لكنها في نهاية المطاف تعيد بعضاً من الاعتبار للكتابة الجديدة في البلد الذي تلفه غمامة الحرب الصفراء، وتجعل من مزاولة الكتابة ترفاً غير مستحب في وعي نخبة الحرب التي تتحكم بمصائر قرابة ثلاثين مليوناً من البشر.
وغير موضوع الجوائز هناك نشاط موازٍ ويتصل بحالة النشر والاصدار في الخارج والداخل ، في وقت كان فيه من الطبيعي أن يفسح الكتاب الورقي مكاناً مهما للكتاب الألكتروني الذي يسهل وصوله إلى القارئ بدون مشاق، غير أن وسيلة النشر التقليدي ( الإصدارات الورقية) تعيد الاعتبار لعملية صناعة الكتاب التي تعرضت ، مثلها مثل غيرها من الأنشطة الثقافية للتجريف في سنوات الحرب ، وإن وجود داري نشرٍ، على الأقل، في القاهرة تهتم بصناعة وتسويق الكتاب اليمني يمنح المشتغلين في حقول الكتابة جرعة قوية للتفاؤل ، مثلها مثل انتشار جهات نشر بسيطة في محيط جامعة صنعاء ، تتيح لعشرات المبدعين المقيمين في الداخل إصدار كتبهم في نسح محدودة يسهل تداولها على نطاق ضيق في دائرة الأصدقاء والمعاريف.

التأليف والنشر وسيلة مهمة من وسائل المقاومة التي ينبغي تعزيزها؛ وإن قائمة الاصدارات التي مرَّت عليَّ بما فيها بعض العناوين التي وصلتني عن مشاريع الإصدار هذه تقوي عندي هذه القناعة ، فأخبار الموت والفقد والانسداد السياسي ، واستطالة الحرب ، التي تحولت إلى مهنة تكسب عند أطرافها وواجهاتها تحجب مثل هذه الأعمال الحقيقية التي تنتصر للحياة ، ولهذا ينبغي علينا التفتيش عن أي مبادرة بهذا الشكل مثل حجر كريم ونادر لنقول للحياة أننا متشبثون بها حتى آخر قطرة.

ختاماً

هذه جملة الأفكار التي أعرضها أمامكم للنقاش لنتمكن جميعاً وقبل الإضافة إليها نقدها أيضاَ ، وكلي ثقة أنكم أكثر استبصاراً للحالة التي تتلبس المجتمع ، بحكم معايشتكم لها والإحساس المباشر بتأثيراتها .

الشكر الجزيل لمسيِّر الفعالية الشاعر حسين مقبل والمنسق د/ ردفان الحسامي ولجميع المشاركين والمتفاعلين الأعزاء, د فؤاد الصلاحي ود عبد القادر البناء ود أحمد الفلاحي ود محمد الشميري والأساتذة محمد المقبلي ونبيل البكيري وأمين اليافعي وكل عام والجميع بخير.

إغلاق