تقارير وتحقيقات
لوموند” الفرنسية: أحمد العيسي تاجر الحرب المسيطر على كل شيء في اليمن عدا الهواء
المواطن/ متابعات
احمد صالح العيسي تاجر ومستشار الرئيس اليمني
سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أمس ، الضوء على دور رجل الأعمال اليمني أحمد صالح العيسي (51 عاماً) في الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن هذا البلد الفقير الذي يشهد صراعاً دموياً على السلطة منذ قرابة أربع سنوات بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، ما أدى إلى “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وقالت الصحيفة الفرنسية، إن خصوم العيسي يصفونه بـ”التمساح” أو “القرش”، بعدما تحول إلى أحد أبرز تجار الحرب في اليمن.
واعتبرت “لوموند” الفرنسية أن العيسي، مستشار الرئيس اليمني، أصبح رقماً صعباً في المعادلة الجيو اقتصادية في اليمن؛ بعد أن أحكم قبضته على النقل البحري لصادرات النفط التي تمر عبر ميناء عدن الاستراتيجي، جنوبي البلاد.
وأضافت: “مع انهيار الدولة في اليمن، وجد صيادو الفرص ضالتهم لإبرام صفقات مشبوهة، وهو ما يعوق جهود السلام، ويعتبر منتقدو العيسي أنه أبرز مثال لصائدي الفرص الذين تربحوا من الوضع المتدهور في اليمن”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في الحكومة اليمنية، فضل حجب هويته، قوله إن “أحمد صالح العيسي، ينتمي إلى الدائرة الضيقة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهو ما جعل تأثيره يتعاظم فهو باختصار: كل شيء يمر من خلاله… كل شيء ما عدا الهواء”. وأكدت أن العيسي ثبّت أقدامه كواحد من أكبر مستوردي المنتجات البترولية في اليمن التي انخفض إنتاجها بشكل ملحوظ خلال الحرب.
ويحتكر العيسي تصدير شحنات البنزين إلى ميناء عدن الكبير (جنوب البلاد)، مقابل الحصول على مبالغ تتراوح بين 30 و40 مليون دولار شهرياً، بحسب تقديرات الحكومة اليمنية.
رائد أعمال غامض من الحديدة
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن العيسي رجل الأعمال المثير للجدل، كوّن ثروته بفضل ميناء مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن، الذي يشكل شريان حياة لملايين اليمنيين ويضم مصب خط أنابيب ينقل إنتاج النفط الخام من المناطق الصحراوية في شرق اليمن.
وذكرت أنه في أوائل التسعينيات، تولى رجل الأعمال الغامض مسؤولية تأمين النقل البحري للنفط الخام والبنزين المكرر بين الموانئ اليمنية، وهي أنشطة شديدة الارتباط بنظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
ولفتت إلى أن نظام “صالح” تعرض لاتهامات بتمكين الموالين له من الوقود بأسعار مخفضة؛ لإعادة بيعها في شرق أفريقيا، عبر جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي. ويعتبر العيسي أحد هؤلاء الموالين الذين أصبحوا تدريجياً من الشخصيات العامة المرموقة، فتطور نفوذه في مدينة الحديدة المهمشة، التي أنشأ فيها مصحّة ومتاجر ومصنعاً للبلاستيك ونادياً لكرة القدم، حتّى أنه عُيّن سنة 2006 رئيساً للاتحاد اليمني لكرة القدم.
الاقتراب من الرئيس هادي
وأكدت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن العيسي اقترب من عبدربه منصور هادي، الذي انتخب رئيساً لليمن لفترة انتقالية تستمر سنتين، بعد أن أطاح “الربيع العربي” بحكم الرئيس علي عبد الله صالح، خصوصاً أن كليهما (العيسي وهادي) ينحدر من محافظة أَبْيَن جنوبي اليمن.
وأوضحت أن رجل الأعمال العيسي طوّر مرافق ميناء رأس عيسى، الواقع على البحر الأحمر، لتحميل السفن الحكومية وشحنها بالنفط الخام لأغراض التصدير.
وأشارت إلى أنه وبعد أن استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، زاعمين أنهم يريدون “تنظيف العاصمة” التي احتلت المرتبة 175 عالمياً في نسب استشراء الفساد، حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، بسط الحوثيون نفوذهم وأزاحوا العيسي، وهو ما فسح المجال لبروز تجار جدد لنقل الوقود في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم رغم الحصار الجزئي الذي فرضه عليهم التحالف العربي الذي تقوده السعودية. لكن العيسي إلى بسط النفوذ في عدن، حيث أصبح المتحكم الوحيد في شحنات البنزين.
وبيّنت الصحيفة الفرنسية أن “هذا الاحتكار يبدو قانونياً في ظاهره”، لكن كل إجراءات المناقصات الحكومية (العامة والشهرية) معدة بطريقة تضمن في نهاية المطاف للعيسي كل عقد تسليم إلى عدن، كما يخلص تقرير حديث من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث مستقل.
ووفقًا للصحيفة فإن الشبهات تحوم حول علاقة تربط العيسي بجلال نجل الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وفي محاولة لنفي تلك العلاقة يقول العيسي لصحيفة “لوموند” الفرنسية: “لا يملك جلال سيطرة على الشؤون الرسمية”، مضيفًا أن “جلال لا يعمل، ولا يخرج من منزله. يجلس، يأكل ويزداد بدانة”.
ويثير هذا الوضع ردوداً غاضبة في عدن، فرجل الأعمال متهم بإبقاء المصفاة السوفيتية القديمة في المدينة، التي يسيطر عليها، معطلة، من أجل مواصلة بيع الوقود للمولدات الخاصة في عدن، ما أدى إلى نقص كبير.
وتشير الصحيفة بذلك إلى سيطرة العيسي على شركة مصافي عدن الحكومية، وأصبح اليد الطولى في إصدار القرارات الجمهورية المتعلقة بمسئولي هذه الشركة العملاقة التي تأسست مطلع خمسينيات القرن الماضي، كأول شركة لتكرير النفط الخام في منطقة الجزيرة العربية والخليج.
وتضيف الصحيفة الفرنسية: “في الصيف الماضي، نفدت الكهرباء لمدة خمس عشرة ساعة في اليوم، في أوقات ذروة الحرارة، بحسب باشراحيل هشام باشراحيل، نائب رئيس تحرير صحيفة الأيام اليومية الكبرى في عدن”.
وتقول صحيفة “لوموند” إن هذه المظالم الشعبية تحملها قوة عدن الأفضل تسليحاً، المجلس الانتقالي الجنوبي، ويزعم العيسي أنه “غير مكترث لذلك” قائلاً: “لا يستطيع الانتقالي الجنوبي التحكم في عدن. لا يمكنهم فعل أي شيء ضدي. يعرفون أن المصفاة معطلة وأن عدن لن يكون لديها كهرباء بدوني. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يتركون ممتلكاتي دون أن يلحق بها أي أذى في المدينة”.
ويتحدث العيسي كذلك عن علاقته بالإمارات العربية المتحدة العضو الفاعل في التحالف العربي، زاعماً أن الإمارات لا تحبه لكنها تتعامل معه للتزود بشحنات الوقود، مدعياً أن ذلك يشير إلى أنه “الأرخص”.
ويختتم العيسي إفادته للصحيفة الفرنسية بالقول: “كنت رجل أعمال عندما كان صالح في السلطة، واستمريت تحت هادي وبعده سأظل كذلك”.
تحقيق “ديبريفر”
وكانت وكالة “ديبريفر” الدولية للأنباء، نشرت في 13 أغسطس الماضي، تحقيقاً خاصاً مطولاً، بعنوان: “العيسي تاجر أكبر من الدولة بتواطؤ رئاسي ولوبي فساد يزداد فتكاً”، تناولت فيه دور رجل الأعمال أحمد صالح العيسي كمحتكر لاستيراد الوقود بكافة أنواعه إلى عدن، والمحافظات المجاورة، في خلق الأزمات المتكررة لانعدام الوقود في تلك المحافظات.
ودفعت الممارسات الابتزازية التي تمارسها شركة “عرب جلف”، وهي شركة تجارية استثمارية مملوكة لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، على شركة النفط الحكومية، ناشطون وشباب من أبناء عدن وجنوب اليمن إلى شن حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي نددوا فيها باستمرار قيام العيسي بدور الدولة وتحكمه في أهم سلعة يحتاجها الناس، بما يشير إلى سيطرة مراكز وقوى نفوذ كبيرة على قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ـ الذي يبدو كشاهد ما شاف حاجة- أمام ما يفعله لوبي الفساد الذي يتزعمه نجله “جلال هادي” المرتبط بشراكات تجارية مع رجل الأعمال العيسي، وفقاً لتأكيدات مراقبين ووقائع عديدة.
وأصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، مؤخراً قراراً بتعيين رجل الأعمال أحمد صالح العيسي مستشاراً للرئيس، في خطوة أثارت الاستغراب، واعتبرها المراقبون دليلاً على زواج السلطة بالمال.
مسئولون يشغلون مواقع متعددة في شركة النفط اليمنية الحكومية بعدن قالوا لوكالة الأنباء “ديبريفر” آنذاك، إن شركة العيسى تمارس الابتزاز على شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات الجنوبية، كون الشركة تشتري من العيسي المشتقات بالسعر الذي يحدده هو، وبالعملة الصعبة وبزيادة عن الأسعار العالمية، ما يترتب عن ذلك خسائر فادحة على الشركة الحكومية.
وتشتري شركة النفط، الوقود بمختلف أنواعه، من شركة “عرب جلف”، التي تحتكر عملية استيراد الوقود في عدن وبقية المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وأكدت مصادر حكومية مطلعة في شركة النفط بعدن، في ذات التحقيق السابق لوكالة “ديبريفر” للأنباء أن العيسي التاجر المتعهد الوحيد بتوريد النفط إلى عدن، ما يزال يصر على استلام مبالغ شراء الوقود بالعملة الصعبة، مما يجبر شركة النفط على شراء قرابة ثلاثة ملايين دولار شهرياً من شركات الصرافة المحلية بالسعر الآني، بمبلغ يفوق اثنين مليار ريال و100 مليون يمني لتسديد قيمة الوقود للعيسي، وبالتالي يتسبب ذلك في انعدام العملة الصعبة من السوق المحلية وبشكل مستمر، ما يساهم بقوة في انخفاض قيمة “الريال اليمني” أمام الدولار، ويؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلاً.
مصدر آخر في الشركة كشف في حديث خاص وقتها لـ”ديبريفر” أساليب الابتزاز التي تقوم بها شركة التاجر العيسي المحتكرة لاستيراد النفط، ومنها قيام شركته بضخ كميات كبيرة من الوقود إلى شركة النفط عدن المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات المذكورة، دون تحديد قيمة مالية، وتترك الشركة تحت الأمر الواقع ما يسبب خسائر كبيرة للدولة، وهو ما لا تعترض عليه شركة النفط حيث تطالب التاجر بتحديد سعر البيع أولاً، ووضع حد للبيع المجهول من قبل الشركة المتنفذة.
احتكار شركة العيسي عملية استيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية “الشرعية”، تُعد سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، الذي أصدره الرئيس هادي مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
جاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي على تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحولتا إلى مجرد خزانات خاصة بشركة العيسي.
وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً واللجنة الاقتصادية، إذا كانت جادة في وقف انهيار العملة المحلية، وتحسين الأوضاع في المناطق المحررة، فعليها فوراً العمل على إلغاء قرار تحرير المشتقات النفطية الصادر من الرئيس هادي، وعودة نشاط أهم موردين اقتصاديين للبلد وهما شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين.
وأشاروا في تصريحات سابقة لوكالة “ديبريفر” للأنباء، إلى أن قرار هادي بتحرير سوق النفط، عطل إحدى أهم الموارد المالية للدولة، وعمالقة اقتصاد البلاد (شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين)، فضلاً عن أن القرار لم يطبق منه شيئاً يذكر بسبب سيطرة تاجر واحد على جميع خزانات شركة مصافي عدن، في إشارة إلى رجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، المورد الوحيد للمشتقات النفطية إلى عدن والمحافظات المجاورة لها.
وحذروا من خطورة استمرار هذا القرار الرئاسي على الأمن القومي، وقيمة العملة الوطنية، وانعكاسات ذلك على الأوضاع المعيشية للمواطنين، في ظل غياب دور الدولة، وأجهزتها الرقابية الحكومية الفاعلة.
*عن باريس(ديبريفر)