أخبار العالم
صحيفة دولية: “لعنة” أسعار الوقود تلاحق الشرعية اليمنية
ريبون / العرب اللندنية
لا يتذكّر الكثير من اليمنيين وهم يتظاهرون في شوارع عدد من مدن البلاد احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود وعلى ندرة هذه السلعة الحيوية للعيش اليومي ولمختلف الأنشطة الاقتصادية، أنّ القضية ذاتها كانت قبل نحو سبع سنوات أحد الأسباب المباشرة لما آل إليه الوضع في البلاد ككل من حرب مدمّرة ومن أوضاع إنسانية توصف من قبل الأمم المتّحدة بأنها الأسوأ في العالم.
ففي أواخر أغسطس 2014 بدأت جماعة الحوثي تلوّح بالتذرع بمساندة احتجاجات شعبية في العاصمة صنعاء على زيادة في أسعار المشتقّات النفطية أطلق عليها اسم “الجرعة السعرية” وأقّرتها حكومة الوفاق القائمة آنذاك تحت ضغط عجز مالي ومصاعب اقتصادية كبيرة، لتزّج الجماعة بأنصارها في الاحتجاجات مهيئة الطريق لإسقاط الحكومة والزحف عسكريا صوب العاصمة، ولتنطلق من ثمّ الحرب التي ما تزال دائرة في البلاد رغم مختلف المحاولات الإقليمية والدولية والأممية لوقفها.
واليوم تواجه حكومة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي في المناطق الداخلة ضمن سلطتها احتجاجات شعبية على ندرة الوقود وغلاء أسعاره كمظهر بارز على فشل تلك الحكومة في إدارة الشأن العام في تحسين الأوضاع المعيشية لسكان المناطق الخارجة عن سيطرة المتمرّدين الحوثيين.
وقبل أيام اندلعت احتجاجات شعبية تنديدا بارتفاع أسعار المشتقات النفطية في عدد من مدن جنوب اليمن وبلغت مداها في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرقي اليمن.
وفرضت شركة النفط بحضرموت بدءا من السبت الماضي تسعيرة جديدة للمشتقات النفطية ليصل سعر لتر البنزين إلى 600 ريال يمني بدلا عن 400 ريال ما تسبب في ارتفاع تكلفة المواصلات وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وشهدت العملة اليمنية (الريال) على مدى الأشهر الأخيرة في مناطق الشرعية انحدارا مضطردا في قيمتها ما تسبّب بموجة غلاء في أسعار المواد الأساسية، فضلا عن ندرة الكثير منها الأمر الذي أطلق موجة غضب شعبي امتدت من محافظة تعز غربا إلى محافظة حضرموت شرقا مرورا بالعاصمة المؤقتة عدن حيث لا يتردّد المحتجون عادة في تحميل حكومة رئيس الوزراء معين عبدالملك مسؤولية تلك الأوضاع متهمين إياها بالعجز والفساد.
ويقول يمنيون إنّ أزمة الوقود في مناطق الشرعية لا تعود بالأساس إلى ندرة الموارد بقدر ما تعود إلى سوء التصرّف فيها وإهدارها بما في ذلك المساعدات المجزية التي تقدّمها السعودية لليمن في هذا المجال.
وقال محمد اليحيا نائب مدير عام البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في عدن إن إجمالي قيمة منح المشتقات النفطية التي قدمتها المملكة لليمن بلغ أربعة مليارات و200 مليون دولار. وجاء ذلك بمناسبة وصول دفعة جديدة من منحة مشتقات نفطية مقدمة من السعودية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وصلت الأحد إلى ميناء الزيت في محافظة عدن بجنوب البلاد.
وهذه هي الشحنة الثالثة لعدن وتتألف من 75 ألف طن متري من الديزل مخصصة لتغذية محطات توليد الكهرباء في المدينة الساحلية التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة. وينتظر أن تصل عدن خلال الأيام القليلة المقبلة سفينة أخرى تحمل 40 ألف طن مازوت مخصصة للكهرباء استكمالا للدفعة الثالثة.
وكانت السعودية قد أعلنت في مارس الماضي تقديم منحة مشتقات نفطية لليمن تشمل 351304 أطنان من المازوت و909591 طنا من الديزل بقيمة 422 مليون دولار لمدة عام لتشغيل أكثر من 80 محطة كهرباء في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية. ووصلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية عدة دفعات من منحة المشتقات النفطية إلى محافظات عدن وحضرموت والمهرة.
وسبقت حكومةُ الأمر الواقع التي يديرها الحوثيون من صنعاء حكومةَ هادي إلى قرار رفع أسعار الوقود، حيث أقرّت في يونيو الماضي زيادة في أسعار بيع البنزين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها بنحو ثلاثين في المئة مبررة ذلك بإنه يعود إلى الأعباء الناجمة عن احتجاز التحالف العربي بقيادة السعودية لسفن الوقود. وتشترك مناطق الشرعية مع مناطق سيطرة الحوثيين في أزمة الوقود الحادّة التي تزيد من تعميق المعاناة الإنسانية للسكّان حيث يضطر أصحاب السيارات للانتظار أياما في طوابير تمتد أمام الناظر في بعض محطات البنزين إلى ما لا نهاية.
وهذه الأزمة واحدة من مشاكل كثيرة تعمّق معاناة اليمنيين في ظل واقع الحرب، فالوقود ليس ضروريا للسيارات فقط بل لمضخات المياه ومولدات الكهرباء في المستشفيات ولنقل السلع في مختلف أنحاء البلاد حيث يقف الملايين على شفا المجاعة. ومع ندرة الوقود في مسالك البيع الاعتيادية تنشط السوق السوداء حيث يباع البنزين بنحو ثلاثة أمثال سعره الرسمي.
ولا تتوقّف تأثيرات أزمة الوقود عند ما تسببه من مصاعب للسكان في معيشهم اليومي، لكنّها قد تتحوّل إلى خطر على حياة هؤلاء السكان، كون الوقود ليس ضروريا فقط لطهو الطعام وتسيير وسائل النقل وتشغيل الورشات، بل هو أيضا ضروري لتوليد الكهرباء اللاّزمة لتشغيل المستشفيات التي لا يحتمل الوضعُ الصحي القائم مع تفشي وباء كورونا توقّف أي منها عن العمل، كما أنّ الوقود أساسي في توفير المياه النظيفة إحدى أساسيات الوقاية من الوباء.
وكثيرا ما تدخل أزمة الوقود مجال المزايدات السياسية عندما يتّهم الحوثيون التحالف العربي بالتضييق عليهم في عملية استيراد المشتقات النفطة، بينما تتهم حكومة هادي الحوثيين باستخدام الأزمة للضغط من أجل رفع الرقابة التي يفرضها التحالف على المنافذ البرية والبحرية والجوية للمناطق التي يسيطرون عليها.
وسبق لمنظمة أوكسفام العاملة على تخفيف حدّة الفقر في العالم أن حذّرت من أن يؤدي نقص الوقود الذي طال أمده إلى تعريض الملايين في اليمن لخطر الإصابة بفايروس كورونا المستجد والأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا لأن الوقود ضروري لتوفير المياه النظيفة كما يؤثر شح الوقود على إنتاج الكهرباء وتشغيل المستشفيات وحركة النقل.