تقارير وتحقيقات
الشريف حسين بن علي الذي تنازل عن عرش الحجاز وجلس نجلاه على عرشي العراق والأردن
ريبون / BBC
في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1924 تنازل الشريف حسين بن علي عن عرش مملكة الحجاز لنجله الأكبر إثر هزيمة قواته أمام زحف قوات آل سعود الذين واصلوا تقدمهم في الحجاز حتى أحكموا سيطرتهم عليها، ولكن لم تكن هذه نهاية أسرة شريف مكة الذي جلس اثنان من أبنائه على عرشي العراق والأردن، فمن هو الشريف حسين بن علي؟
ولد الشريف حسين بن علي عام 1845 في إسطنبول بالدولة العثمانية وتوفي في عمان بالأردن عام 1931.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه ظل أميرا على مكة بين عامي 1908 و1916 ثم ملكا على الحجاز بين عامي 1916 و1924.
وبعد حصوله على دعم من بريطانيا في سلسلة من الرسائل المعروفة باسم مراسلات الحسين-مكماهون، قاد الثورة العربية ضد الحكم العثماني خلال الحرب العالمية الأولى.
الثورة العربية الكبرى
شهدت الفترة يوليو/ تموز عام 1915 ومارس/ آذار عام 1916 مراسلات حسين- مكماهون حيث تبادل السير هنري مكماهون، المفوض السامي البريطاني في مصر، والأمير حسين بن علي، أمير مكة في ذلك الوقت، الرسائل التي قدم فيها البريطانيون تعهدات معينة تجاه العرب مقابل دعم العرب للبريطانيين ضد العثمانيين خلال الحرب.
وفي يونيو/حزيران عام 1916 بدأت الثورة العربية ضد تركيا، حليفة ألمانيا، وهي الثورة التي عمل البريطانيون بجد على تشجيعها.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 1916 نصب الشريف حسين بن علي نفسه “ملكا على بلاد العرب”، على الرغم من أن الحلفاء اعترفوا به رسميا فقط كملك على الحجاز.
واتجه ضابط الاستخبارات البريطاني توماس إدوارد لورانس للجزيرة العربية وعمل مع القوات العربية غير النظامية لعامين متتاليين. وأصبح لورانس ضابط اتصال ومستشارا لفيصل، نجل زعيم الثورة الشريف حسين بن علي في مكة.
وقد كان لورانس الذي اشتهر بلقب لورانس العرب تكتيكيا مميزا ومنظرا مؤثرا للغاية في حرب العصابات ضد الأتراك.
فقد هاجمت قواته غير النظامية الصغيرة والفعالة طرق الاتصالات والإمداد التركية وحالت دون مشاركة الآلاف من القوات التركية في القتال ضد قوات الحلفاء بقيادة الجنرال إدوارد اللنبي.
وكان الهدف الأسمى للورانس هو مساعدة العرب على تحقيق النجاح العسكري الذي من شأنه أن يؤدي إلى الحكم الذاتي بعد الحرب.
وفي يونيو/حزيران عام 1917 حققت القوات العربية أول انتصار كبير لها حيث استولت على العقبة، وهو ميناء ذو أهمية استراتيجية على البحر الأحمر، واستمر النجاح حيث شقوا طريقهم تدريجيا شمالا.
فرساي والمملكة السورية
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء وانهيار الدولة العثمانية، مثل حسين في مؤتمر فرساي للسلام ابنه الثالث فيصل، لكنه رفض التصديق على معاهدة فرساي (1919)، رافضاً الانتداب على سوريا وفلسطين والعراق من قبل فرنسا وبريطانيا.
وفي الواقع أن أنظمة الانتداب كانت قد سبقتها خطوات تمت أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا قد توصلت في مايو/أيار عام 1916 إلى اتفاقية سايكس بيكو والتي بموجبها سيتم تدويل الجزء الأكبر من فلسطين.
ومما زاد الوضع تعقيدا، قيام آرثر بلفور، وزير الشؤون الخارجية البريطاني حينئذ، بتوجيه رسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (وعد بلفور) يعرب فيها عن تعاطفه مع “إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين مع تفهم أنه لن يتم عمل أي شيء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين”.
يذكر أن لورانس حضر المؤتمر مع فيصل وكان يأمل بأن يعاد رسم الحدود في المشرق العربي استنادا إلى معرفته بالمناطق المعنية وسكانها، فطرح مقترحات تلغى خطة التقسيم التي تم الاتفاق عليها عام 1916 بين سير مارك سايكس وفرانسوا بيكو ممثلين عن بريطانيا وفرنسا.
وقد اقترح لورنس حكومتين منفصلتين للمناطق الكردية والعربية في العراق الحالي. كما اقترح حكومتين منفصلتين للعرب في بلاد الرافدين والأرمن في سوريا.
وكان لورانس قد درس خلال عامي 1915 و1916 التقارير والمعلومات الواردة من كافة تلك المناطق دراسة معمقة.
كما بحث لاحقا المستقبل السياسي للمنطقة إلى جانب متطوعين من سوريا وبلاد الرافدين.
غير أن البريطانيين والفرنسيين كانوا قد اتفقوا، قبل بدء مؤتمر باريس، على مستقبل الأراضي العربية التي كانت خاضعة لتركيا.
وفي 20 مارس/آذار عام 1920 حضر مندوبون من فلسطين المؤتمر السوري العام في دمشق الذي أصدر قرارا برفض وعد بلفور وانتخب فيصل الأول نجل الشريف حسين بن علي ملكا على سوريا الموحدة (بما في ذلك فلسطين).
ولكن بعد أسابيع قليلة قسم الحلفاء المناطق التابعة سابقا للإمبراطورية العثمانية المهزومة في مؤتمر السلام الذي عقد في سان ريمو بإيطاليا في إبريل/نيسان عام 1920.
وبحلول يوليو/تموز عام 1920 أجبر الفرنسيون فيصل على التخلي عن مملكته، وغادر فيصل سوريا إثر الاحتلال الفرنسي.
وفي غضون ذلك، أقامت بريطانيا منطقة نفوذ في العراق، ولتخفيف مقاومة الحكم البريطاني، قررت بريطانيا في مارس/ آذار عام 1921 رعاية فيصل كملك للبلاد، وقد ظل جالسا على العرش حتى عام 1933.
نهاية مملكة الحجاز
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في مارس/ آذار عام 1924 نصب الشريف حسين بن علي نفسه خليفة للمسلمين، لكن الحرب مع عبد العزيز آل سعود كانت وشيكة، وشن إخوان طاعة الله الموالين لآل سعود هجوما على الطائف في سبتمبر/أيلول من ذلك العام، ولم يكن الشريف حسين بن علي مستعدا لصد ذلك الهجوم.
ونجحت قوات آل سعود في دخول الطائف ومكة عام 1924. وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام تنازل الشريف حسين بن علي عن العرش لنجله الأكبر علي، وقد نقله البريطانيون إلى قبرص.
ويذكر أن جدة صمدت أمام حصار قوات آل سعود حتى 17 ديسمبر/ كانون أول عام 1925.
وعاش الشريف حسين بن علي في قبرص حتى عام 1930، ثم عاد إلى الشرق الأوسط ليعيش مع ابنه عبد الله في شرق الأردن حيث توفي عام 1931.
وللحسين بن علي 4 أبناء هم علي وعبدالله وفيصل وزيد، و خلف علي والده في عام 1924 كثاني ملوك الحجاز ، لكنه تنازل في العام التالي، وأصبح عبد الله ملكا على شرق الأردن (الأردن فيما بعد)، وأصبح فيصل ملكا على العراق باسم فيصل الأول.