كتابات
العادات والموروث الشعبي ..هل تحجم وتحد من حقوق المرأة ؟!
ريبون نيوز – 10 ابريل 2022م
كتب / أ. رشا سعيد محمد بن هامل
بين الماضي والحاضر روابط وثيقة تُدعى العادات والتقاليد والموروث الشعبي، وقد أسهمت في كل مجتمع في بناء ثقافته وفي تنظيم العلاقة بين أفراده، وبثّت السلام في أوساطه وجمعت مكوناته تحت مظلة واحدة. هذه العادات نفسها كانت في بعض الأحيان عصا قمعت النساء وحرمتهن حقوقهن، وجعلت المطالبة بها شيئا معيبا، مما أخرس أفواههن وكممها، وجعل التخلص منها شيئا صعبا إن لم يكن مستحيلا، ذلك أنها مكّنت الهيمنة الذكورية من فرض سطوتها.
يبدأ التمييز منذ الولادة بين الذكر والأنثى، فهناك عادة تسمى “التبشير”، وهي أن يُبشّر والد الطفل والأقرباء بالولادة، فإن كان ذكراً تُعطى هدية البشارة مضاعفة لمن يحمل الخبر، وإن كانت أنثى كانت المكافأة أقل، وهي إشارة منذ مولد الأنثى إلى قلة شأنها مقارنة بالذكر، ولا أقول إن هذا الشيء ينطبق على الجميع فالشاعر المحضار يقول:
وان جابت بنية لا تخاف * فما بين الولد واخته خلاف
سوى اللماة داخل والخشاف * وما باقي الخصل متساويات
ولكن في المجمل وفي المتعارف عليه تظل الأنثى أقل حظّا من الذكر. يقول الدكتور فؤاد بن الشيخ أبوبكر في بحث دكتوراه بعنوان “أحكام عادات الولادة بحضرموت”: “وتتضاعف العطية وتكبر المسارعة؛ كلما كان المولود ذكرا”، وتلك العادات نفسها تحكم “بدفن المشيمة إذا كان المولود ذكراً خارج البيت، وإذا كانت أنثى داخل البيت بحجة أن البنت سترها ومكانها الطبيعي داخل بيتها”*.
وما قضية الاكتفاء بسنّ معين لتعليم الفتاة بحسب العادات والمتعارف عليه إلا دليل آخر على الدور السلبي لها في تحطيم المرأة وحقها في أن يكون لها كيانها المستقل، ووفقاً للإحصاءات السكانية للجمهورية اليمنية بلغت نسبة الأمية في أوساط الإناث 62.2%.
“ما إن تبلغ الفتاة سن العاشرة من العمر، حتى يبدأ العد التنازلي للدخول في مرحلة أخرى لا تشبه ما كان قبلها، فالألعاب التي تمارسها بحرية داخل أو خارج المنزل تصبح من الماضي”*. وتبدأ الأسرة بتربية الفتاة على أنها العروس القادمة، فعليها أن تتعلم الطبخ وأصول التعامل، حتى تكون مؤهّلة لتأسيس أسرة، فهذا هو المكان الذي تنتمي إليه في النهاية، بحسب المعتقد الشائع.
وتعاني الفتاة من هذه الكارثة التي تسمى زواج القاصرات، وتروح ضحيتها كثير من الفتيات اللواتي يُزوّجن بحجة أن البنت عار، وسترها يكمن في زواجها، فتُحرم من اللعب مع أقرانها ومن حقوقها بسبب هذه العادات وغياب قانون صريح يحميهن؛ إذ يقع التحايل على التشريعات بتزوير عمر الفتاة أو بالرشوة، ورغم كل المحاولات، يظل موضوع زواج القاصرات قائماً، وقد تفاقم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، فأصبحت الفتيات صفقة للتخلص من عبئهن، أو ليصبح صهر العائلة هو الممول لها، وقد بلغت نسبة زواج القاصرات في اليمن نحو 21% بحسب الإحصاء الصادر عن منظمة الأمم المتحدة “اليونيسف”.
وتستمر المأساة بعد الزواج، ويقال في المثل الشعبي “نار زوجي ولا جنة أهلي”، ويقال “المرأة من بيت أهلها لبيت زوجها لقبرها”، ويقال “سعيدة الوالدين ما قلبوها اثنين”، أي التي لم تتزوج اثنين بل واحد فقط إلى أن تموت أو يموت، أمثال وعادات قاسية مثل هذه رسمت للمرأة دائرة يحرم عليها الخروج منها إلا بموتها، رغم أن الإسلام أباح لها في حال وجود ضرر أو استصعبت العشرة الزوجية أن تطلب الطلاق أو الخلع، لكي ترتاح من الأعباء النفسية التي قد يتسبب بها هذا الزواج، لكن المجتمع الذكوري كان له رأي آخر، ووضعها في سجن العيب لكي لا تطالب بحقها.
وبالنظر للعادات والموروث الشعبي ودورها في ترسيخ الفروقات بين الجنسين وتعزيز الفرق بينهما، يجد الممعن فيها أن هذه الجوانب شكّلت ثقافة المجتمع وأصبحت جزءا لا يتجزأ منه. إن الجمال والأصالة لأي شعب يكمن في غناه بالموروث والثقافة والعادات والتقاليد والأعراف، ولكن يجب أن تصحح كثير منها حتى نرفع الظلم الواقع على المرأة وفقاً لأهواء ذكورية بحتة، وضعت لتعميق الهوة بين الجنسين، وذلك كي نتمتع بمجتمع سويّ يشعر جميع مواطنيه بالعدالة، فينهض من واقعه المؤلم ويستعيد مكانته بين شعوب الأرض، ولدى اليمنيين نماذج مشرفة لنساء حكمنَ، وكان لهن دور كبير في التعمير، وهذا يثبت أن العادات التي تحجّم وتؤطّر دور المرأة أتت لاحقة دخيلة ولم تكن موجودة من قبل.
المراجع:
“أحكام عادات الولادة بحضرموت”، الدكتور فؤاد بن الشيخ أبوبكر.
“موقع كيوبوست”.
(أُنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)