محلية

نظام تجاري جديد في اليمن… الريال ممنوع والتعامل بالدولار

ريبون / متابعات

رسخ الانهيار المتسارع للعملة اليمنية في الأسابيع الأخيرة، واقعاً تجارياً ومالياً يرفض التعامل بالريال، والقبول فقط بالدولار الأميركي في كل شيء، من الغذاء إلى السلع الأخرى، لا سيما في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، كما يمتنع التجار عن البيع بالآجل، ما يفاقم الظروف المعيشية القاسية التي يواجهها المواطنون.

ويؤكد سكان في عدن وبعض المحافظات الأخرى الأكثر تأثراً بانهيار العملة المحلية، أنّهم يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية، بسبب ارتفاع أسعارها بصورة قياسية، مقابل انعدام السيولة المالية لديهم، وعدم القدرة على اتباع ما اعتادوا عليه مؤخراً من الاستدانة لتلبية احتياجاتهم الغذائية الضرورية.

يقول عبود جعفر، من سكان منطقة التواهي في عدن، لـ”العربي الجديد”، إنّ البقالات ومراكز بيع المواد الغذائية بالتجزئة بدأت بتقنين عملية الديون في تعاملها مع المستهلكين، فيما بعضها أغلق عملية إقراض الزبائن حتى نهاية الشهر، كما جرت العادة في التعامل التجاري، خصوصاً في المدن اليمنية الرئيسية، مثل عدن وصنعاء وتعز، وذلك في ظل انعدام السيولة وعدم قدرة كثير من الأسر والمستهلكين على الشراء والدفع النقدي لتلبية احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية.

وأفاد تجار مواد غذائية بالتجزئة، في أحاديث متفرقة مع “العربي الجديد”، بأنّ تجار الجملة أوقفوا من جانبهم البيع الآجل للبقالات ومحلات التجزئة. وحسب نادر السمان، وهو بائع مواد غذائية بالتجزئة، فإنّ التطور الأكثر أهمية في هذا الجانب يتمثل في إقدام تجار الجملة مؤخراً على تغيير النظام المعتاد وعدم قبول الريال اليمني وإصرارهم على التعامل بالدولار أو الريال السعودي.

ويشهد اليمن منذ مطلع العام، تزايد الأسر التي تعاني الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي الحاد، والتي اضطرت إلى اتباع آليات التكيف السلبية مثل الحد من استهلاك الأغذية وتقليص الوجبات وبيع الممتلكات، في ظل تصاعد الغلاء وانكماش الدخول بشكل حاد مع استمرار أزمة رواتب الموظفين المدنيين المتوقفة منذ سنوات في العديد من المحافظات وعدم تحسين رواتب الموظفين في المناطق التي أعادت الحكومة صرفها.

وأدت هذه الظروف إلى تعاظم مديونية الأسر لتتركز بنسبة تزيد على 70% للمحلات التجارية المتخصصة في بيع المواد الغذائية والاستهلاكية.

ويقول مسؤول في غرفة عدن التجارية والصناعية لـ”العربي الجديد” إنّ هناك حاجة ماسة إلى إجراءات فاعلة تنعكس على استقرار الأسواق وتسهيل الاستيراد لتأمين المخزون الغذائي والسلعي.

وعقدت الغرفة مؤخراً، اجتماعاً مع مسؤولين حكوميين، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لإيجاد حلول للتحديات التي تواجه القطاع الخاص والمستوردين، في ظل التطورات الأخيرة في سوق الصرف المضطرب والعملة المتدهورة.

ويوجه تجار انتقادات حادة إلى الحكومة في عدم إيجاد حلول واقعية لمنع العملة الوطنية نحو مزيد من الانهيار.

لكنّ مسؤولاً حكومياً تحفّظ على ذكر اسمه يقول لـ”العربي الجديد” إنّ الحكومة ستكثف من الإجراءات الهادفة لتطوير الشراكة مع القطاع الخاص في هذه الظروف الصعبة، والتي يجب أن يتحمل فيها الجميع مسؤوليته في مواجهة هذه التحديات والأزمات، والتخفيف من وطأتها على المواطنين اليمنيين.

ويوضح أنّ هناك عدداً من الخطط التي تجري دراستها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وضبط الاختلالات التجارية، بالتزامن مع تنفيذ مجموعة من التدخلات السريعة لوقف تراجع العملة الوطنية والحفاظ على القوة الشرائية لها، وضبط أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.

وفي مقابل انهيار الريال، يشير البنك المركزي في عدن إلى استمراره في تسهيل كافة الإجراءات اللازمة لتغطية أرصدة البنوك اليمنية بالخارج، وفقاً لنظام مزادات بيع العملات الأجنبية، للإسهام في التخفيف من الطلب الحقيقي على العملة الصعبة وتسهيل عملية الاستيراد وتحقيق الاستقرار التمويني.

ولم تعد الأزمة تطاول القطاعات الغذائية والاستهلاكية فحسب، وإنما امتدت إلى الأدوية، إذ تشهد الأسواق اضطرابات واسعة وارتفاعات قياسية في أسعارها، حيث يعتمد البلد على استيراد نحو 90% من احتياجاته.

ورصدت “العربي الجديد”، وضع أسواق الدواء في عدد من المدن اليمنية والتي يلاحظ ما تشهده من قفزة في الأسعار تتجاوز 600% بالذات في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت، المحافظات التي تعاني من استمرار ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا.

يقول المواطن إبراهيم العنسي، من سكان مدينة صنعاء لـ”العربي الجديد” إنّه صُدم بتكلفة الدواء الذي اعتاد توفيره بمبلغ يتراوح بين 50 و60 ألف ريال قد زاد للضعفين، بما يفوق قدرته على الشراء.

يأتي ذلك على الرغم من التعميم الصادر عن الهيئة العليا للأدوية في صنعاء بمنع استحداث أي زيادة في أسعار بيع المنتجات الدوائية والمستلزمات الطبية عما كانت عليه نهاية عام 2019، إلا بموافقة الهيئة، مهددة باتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين كما ورد في بيان أخير للهيئة.

كما يؤكد وائل البصير، من سكان مدينة عدن، أنّ “معظم المواطنين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من الأزمات، لذا فالكثير منهم يسلمون أمرهم لقدرهم، لعدم قدرتهم على شراء الدواء”.

وبجانب تداعيات انهيار العملة على نقص السلع المستوردة، يعاني المستوردون من اضطراب حركة التجارة وسلاسل التوريد وارتفاع الرسوم الجمركية والجبايات المحصلة من قبل كل طرف من أطراف الصراع في اليمن، وهو ما ينعكس على أسعار الأدوية ومختلف السلع الغذائية والاستهلاكية.

ويشير علي عبد الفتاح، عضو اتحاد منتجي ومستوردي الأدوية، إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد بعد قرار الحكومة المعترف بها دولياً الأخير اعتماد سعر الدولار الجمركي 500 ريال بدلاً من 250 ريالاً، وارتفاع تعرفة الجمارك الخاصة بالسلع المستوردة بنسبة 100%، إضافة إلى مضاعفة الهيئات العامة الدوائية في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون من الجبايات المفروضة على الأصناف الدوائية المستوردة بنسبة كبيرة بحجة تشجيع الصناعات الدوائية المحلية.

وتسري زيادة بنسبة 30% في الرسوم الجمركية اتخذتها سلطة الحوثيين في صنعاء تطبق في جميع المنافذ الجمركية الخاضعة لإدارتها، وتشمل جميع السلع المستوردة والقادمة من ميناء عدن والمنافذ البرية الخاضعة لسيطرة الحكومة، باستثناء بعض السلع الغذائية وفق التعميم الذي اطلعت عليه “العربي الجديد”، بينما يؤكد تجار شمول هذه السلع في القرار.

وحسب تقارير اقتصادية، فإن ارتفاع أسعار الأدوية كان المشكلة الأكثر صعوبة في 53% من المديريات في اليمن، إذ تعاني السوق من الاحتكار بالأساس، مع تحول الأدوية إلى أداة للصرع بين المتحاربين.

وزادت حدة وضراوة الاحتكار في سوق الأدوية نتيجة ما سببته الحرب والصراع من اختلالات وأضرار عديدة في كافة الجوانب الاقتصادية والتجارية والخدمية، إذ أدى انهيار العملة وعدم استقرار سعر صرف الريال أمام الدولار إلى اضطراب سوق الدواء وتوقف نشاط مئات المستوردين، وفقدان أكثر من 50% من الصيادلة لوظائفهم، وتوقف النشاط الاستثماري، خصوصاً في مجال التصنيع الدوائي.

إغلاق