كتابات
قوات الوادي قنبلة موقوتة وخفايا مكبوتة د. أحمد باحارثة(المقال يعبر عن رأي كاتبه وحرصاُ من الموقع بتنبني الرأي والرأي الآخر تم النشر)
وآخر ما أثير حول هذا الموضوع هو دعوة اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، لدى زيارته المكلا، إلى بسط النفوذ العسكري على الوادي، الذي لوحظ أنه لأمر ما لم يزره هذا المجلس، أو لم يجرؤ على زيارته. ودعا الزبيدي إلى أن تتم تلك السيطرة من قِبل ما بات يعرف بجيش «النخبة الحضرمية» المنتشرة قواته في ساحل حضرموت، وأجزاء من مناطقها الداخلية. وقال، في مقابلة مع موقع حضرمي إلكتروني، ما نصه: «قوات النخبة الحضرمية نحن داعمون لها، ونريدها أن تسيطر على جميع جغرافيا حضرموت، وإذا طلب الإخوة في حضرموت أي شباب من المقاومة الجنوبية فنحن على أهبة الاستعداد». تصريح يصطبغ بصبغ عاطفية وسطحية في آن واحد، بل يمكننا وصفه بأنه دعوة فتنة وتوريط على غير هدى ولا تخطيط. وتحجب مثل تلك الصبغ بألوانها الشديدة القتامة صفاء الرؤية وواقعية التفكير لدى من يحاولون القبض على المحرك السياسي في محافظات الجنوب.
إن مسألة سيطرة قوات «النخبة الحضرمية» على وادي حضرموت، برأيي، لا تخلو من تعقيد وتداخل في بعض القضايا المسكوت عنها، وإن كان يبدو عند الكثيرين أن الإشكالية هناك تتعلق فقط بالقوة العسكرية المنتشرة باسم المنطقة العسكرية الأولى، والتي يطالب البعض بدمجها مع المنطقة العسكرية الثانية في منطقة واحدة. وليس الأمر كذلك، فالأمر تتداخل فيه جوانب سياسية وتاريخية وثقافية متشابكة، تستند إلى تجارب سياسية مختلفة لفترات متعددة، يعود بعضها إلى حالة الانقسام العشائري الذي أفشل سابقاً مشروع وحدة حضرموت في كيان سياسي موحد ما قبل الاستقلال، حيث كانت سيئون عاصمة لسلطنة خاضت صراعات دامية كي ترفض الخضوع لحكم المكلا، وكانت تمتلك قواتها المسلحة الخاصة بها، فكيف سيكون موقفها من جيش يتحفز ليأتيها من هناك تحت شعار السيطرة الكاملة على حضرموت؟
وبعضها يعود إلى تجربة وادي حضرموت المرة والقاسية مع نظام الدولة الجنوبية السابقة (اليمن الديمقراطية)، والتي لا يزال علمها يرفرف بينما هناك من يراه نذير شؤم؛ إذ نُفّذت تحت ذلك العلم أبشع أنواع التصفيات الجسدية في مدن الوادي، لا لأسباب سياسية كما حدث في محافظات أخرى، لكن لدواع فكرية واجتماعية متأصلة في الوادي أصابت بعض خيرة رجالاته من علماء دين وشيوخ قبائل بقتل وتهجير قسري ما زال قائماً، ومسّت معالم أخرى كإحراق كتب ومخطوطات أو سرقتها، ومصادرة أموال وزروع، وتهديم مبان وشواهد ذات مقامات خاصة. وإذا كانت الصراعات السياسية في المحافظات الأخرى جرت محاولة معالجتها عن طريق ما وُصف بـ«التصالح والتسامح»، ومع ذلك ما زالت آثار تلك الصراعات ماثلة ومؤثرة في جوانب من المشهد السياسي في الجنوب، وتلون جزءاً من توازناته، فإن ما حدث في حضرموت لم تتم معالجته، وما زالت كثير من النفوس مطوية على أوجاع مخفية، فكيف يراد بكل بساطة السيطرة على الوادي بجيش يرفع العلم نفسه وما يحمله من رمزية، فضلاً عن الحديث عن إسناده بعناصر غير حضرمية من محافظات ما زال الكثيرون في الوادي يجدون غصة من سلوك بعض من حكموا الجنوب من أبنائها؟
وهناك فترة ما بعد حرب 1994، والتي أسفرت عن هيمنة فصيل فكري سياسي بعينه على الوادي، صار هو الأكثر تربعاً اليوم على كثير من مرافقه الإدارية، وهو فصيل لا يرتاح لبعض أطراف «التحالف العربي» المسيطرة على كثير من مناطق الجنوب، ويشرف على تشكيلاتها العسكرية بما فيها جيش «النخبة»، بينما لا يجد ذلك الفصيل غضاضة في التخاطب والتفاهم مع أطراف في «الشرعية» توجّه المنطقة العسكرية الأولى ولاءها إليها، فكيف سيكون موقف تلك القوى من أي محاولة لبسط السيطرة الكاملة لذلك التشكيل العسكري، ومن ورائه الطرف العربي الذي يناصبها الخصومة؟
كل ذلك، برأيي، يحتاج إلى وعي أعمق للحالة القائمة في وادي حضرموت، دون حصر التركيز على شقها العسكري، أو التفكير فقط في المعالجة العسكرية التي لا تبدو مأمونة ولا مضمونة، وغض النظر كلياً عن بقية ملامح الصورة الحالكة هناك. إننا لا نريد أن تتحول تلك القوات في لحظة ذهول أو خطوة غير محسوبة إلى قنبلة موقوتة شديدة الانفجار، لا يحتملها على الإطلاق وادينا الطيني الجميل. وكثيراً ما يعرف خصمك عنك ما لا تعرفه أنت عن نفسك، أو تحاول تجاهله.