منوعات
35 عاماً لبناء مسجد.. حرب الهوية والدين في اليونان
ذكرت صحيفة «Financial Times» البريطانية في تقريرٍ لها أن موقع بناء أول مسجدٍ رسميٍ في أثينا أُغلِق. وتستعصي رؤية الهيكل غير المكتمل نتيجة إحاطته بأسوارٍ عاليةٍ نظراً لموقعه بين قاعدةٍ بحريةٍ وموقف حافلات داخل حي فوتانيكوس المتهالك.
وشبَّهت الصحيفة البريطانية مدخل الموقع بالمتاريس العسكرية المُحصَّن بالأسلاك الشائكة والحديد المُموَّج. وحملت الأسلاك عبارة: «Orthodoxia i Thanatos الأرثوذكسية أو الموت» مكتوبةً باللون الأحمر فوق أربعة صلبانٍ خشبيةٍ مُلصقةٍ بالأسلاك. أما على يسار البوابة المغلقة، فتوجد عشرات المنشورات التي تحمل شعاراتٍ عنصرية وقومية تُغطي رسم الحائط الذي يحمل جملة «Stop Islam أوقفوا الإسلام».
ومضى أكثر من عقدٍ من الزمان على صدور المرسوم الرئاسي الذي وضع حداً لسنواتٍ من تردُّد الحكومة وسمح ببناء أول دار عبادةٍ رسمية للمسلمين داخل أثينا منذ أيام الإمبراطورية العثمانية. وصوَّت أعضاء البرلمان مؤخراً بالموافقة على تدبيرٍ يُسرِّع عملية البناء في أغسطس/آب عام 2016، لكن المسجد لم يُفتح حتى الآن بعد مضي عامين على قرار البرلمان بحسب الصحيفة.
معارضة قوية وتأجيل جديد
وأفادت الصحيفة البريطانية أن بناء المسجد واجه معارضةً قوية. إذ نظَّم مئاتٌ من مؤيدي حزب الفجر الذهبي، الحزب النازي الجديد الذي ينتمي إلى أقصى اليمين ويمتلك 15 مقعداً في البرلمان، مظاهرةً في موقع البناء احتجاجاً على المشروع الذي تُموِّله الدولة في سبتمبر الماضي. ويُزعم أن بعض مؤيدي الحزب شنُّوا هجماتٍ وحشية ضد اللاجئين في السنوات الأخيرة، بحسب ما أوردته الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية.
وتسبَّبت التأخيرات الأخيرة في تأجيل افتتاح المسجد إلى الصيف القادم، بحسب الصحيفة. وقال المُتحدِّث باسم وزارة التربية والتعليم والبحوث والشؤون الدينية إن «البناء جاهزٌ» ويحتاج فقط إلى بعض الأعمال «الضرورية» في المنطقة المُحيطة. لكن بعضاً من مُسلمي المدينة، البالغ عددهم 250 ألفاً تقريباً، يُشكِّكون في افتتاح المسجد ويُواصلون الصلاة داخل الغرف المؤقتة والأقبية ومواقف السيارات في المدينة.
وأوردت «فاينانشال تايمز» أن نعيم الغندور، الذي يُدير جمعية مُسلمي أثينا مع زوجته آنا ستامو، قضى أعواماً في استخدام جماعات الضغط للتأثير على الساسة. وقال الغندور، وهو رجل أعمالٍ مصري يعيش في اليونان منذ عام 1974: «أُحاول أن أظل عاطفياً تُجاه اليونان وألَّا أشعر أن الساسة تلاعبوا بي. يذهب أطفالي إلى المدرسة والجامعة، ويعيشون مثل أي طفلٍ يوناني. ولكن حين يحين موعد الصلاة، يذهب أحدهم إلى الكنيسة والآخر موقف سياراتٍ تحت الأرض. وهذا يُشعِر الشاب المسلم أنه لا يتمتع بمواطنة متساوية».
وترى الصحيفة أن الصراع الدائر حول مسجد أثينا يعكس الجدل الأوسع حول اندماج وصعود المشاعر الأهلانية داخل أوروبا -وهي نهج سياسي يقوم على حماية مصالح أهل البلاد الأصليين وتقديمها على مصالح الأجانب-. وشهدت اليونان طفرةً في شعبية الحركات اليمينية المُتشدِّدة التي تتلاعب بمخاوف الجماهير من الهجرة غير المقننة، على غرار العديد من دول الاتحاد الأوروبي.
وكانت اليونان موقع الوصول الأول لأكثر من مليون شخصٍ فارٍ من الصراع في سوريا وأفغانستان والعراق، بحسب الصحيفة، إبان أزمة المهاجرين في دول البحر المتوسط عام 2015. وعانت الدولة لاستيعاب ومعالجة آلاف طلبات اللجوء السياسي من اللاجئين في الجزر الإيجية الذين يأملون في إيجاد وطنٍ داخل أوروبا، وسط اقتصادٍ مُتقشِّفٍ لا يزال يُعاني نتيجة تداعيات الأزمة المالية. ولا يزال قرابة الـ17 ألف شخصٍ عالقين وسط ظروف مزريةٍ داخل مخيمات احتجازٍ مثل مخيم موريا بجزيرة ليسبوس.
مشروع تاريخي لم يُكلَّل بالنجاح إلى اليوم
ولكن محاولات بناء مسجدٍ في أثينا تسبق الجدل المعاصر حول اندماج المسلمين في أوروبا بزمن طويل. إذ وُضعت خطط المسجد الرسمي للمرة الأولى عام 1890، قبل تخصيص أراضٍ مختلفةٍ مرةً أخرى عام 1934 وعام 2004 قُبيل أولمبياد أثينا. لكن تلك الخطط لم تُؤت ثمارها، بحسب الصحيفة. إذ قالت إيفي فوكاس، الباحثة الزميلة في المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية: «يفتقر الساسة إلى الشجاعة في الكثير من المسائل، ومن بينها هذه المسألة. لقد كانت مسألةً شديدة الحساسية دائماً، ولم نفعل شيئاً سوى تأجيلها باستمرار. هذا هو الوضع الراهن».
وأفادت الصحيفة أنه بالنظر شرقاً من موقع بناء المسجد، ستجد أن الطريق الرئيسي المرصوف بطول «Iera Odos الطريق المقدس» يُؤدِّي مباشرةً إلى البارثينون. وسيطر المعبد، الذي أُقيم عالياً فوق هضبة أكروبوليس، على مشهد مدينة أثينا لقرابة الـ2,500 عام. ويقع المعبد أسفل حي بلاكا، المركز التاريخي لمدينة أثينا، وميدان موناستيراكي. وسُمِّي الميدان موناستيراكي، التي تعني «الدير الصغير»، تيمُّناً بالكنيسة التي تقع في الميدان والتي يعود تاريخها إلى القرن الـ12 حين كانت أثينا جزءاً من الإمبراطورية البيزنطية.
وفي الزاوية المجاورة للميدان، يقع مسجد تزيستاراكيس (مسجد ميدان موناستيراكي) الذي يعود إلى العصر العثماني والذي أُسِّس أواخر القرن الـ18 على يد عمدة أثينا آنذاك. ويُعَدُّ المسجد، الذي يضم حالياً متحف الفنون الشعبية اليونانية، واحداً من أصل مسجدين فقط لا يزالان قائمين داخل المدينة التي شهدت 400 عامٍ من الحكم العثماني. والمسجد الآخر هو مسجد فتحية الذي يقع خلف ميدان موناستيراكي في الموقع الأثري للأغورا اليونانية. وجُدِّد المسجد وأُعيد فتحه عام 2017 بوصفه أرض معارض، ولا يُوجد ما يُشير إلى أصل المبنى سوى لوحةٍ حجريةٍ صغيرةٍ كُتِب عليها «Fethiye Djami مسجد فتحية» ووُضِعت متواريةً عن الأعين وبعيدةً عن المدخل الرئيسي.
وقبل عام 1821 كانت أثينا أشبه بمستوطنةٍ مُتعدِّدة الثقافات تَضُمُّ 12 ألف نسمة بحسب الصحيفة. ولكن الهندسة المعمارية العثمانية في المدينة تعرَّضت للتدمير الممنهج على يد الدولة اليونانية الحديثة التي بنت لنفسها هويةً قوميةً جديدة.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن نيكولاوس ميخالولياكوس، زعيم حزب الفجر الذهبي، وصف البرلمان اليوناني بالخونة في نوفمبر عام 2016 إثر تصويتهم بالموافقة على بناء المسجد. وشبَّه الإسلام المعاصر بالحكم العثماني واصفاً المسجد الجديد بـ»مزارٍ مقدَّسٍ للعبودية ومسجدٍ على أطلال الأكروبوليس. هل سنعود إلى الاحتلال العثماني؟ لأن البارثينون كان مسجداً أيضاً، ولا يُمكن أن نتجاهل مُطالبتهم بإعادته إلى وضعه الأصلي مرةً أخرى.. يتمتع المُهاجرون غير الشرعيين بحصانةٍ دون رقيبٍ في وطننا الأم».
ويُمثِّل الفجر الجديد وأيديولوجيته أكثر السياسات اليمينية اليونانية تشدُّداً، لكن فكرة الخلط بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية المعاصرة لا تزال سائدةً بشكلٍ صادم، بحسب الصحيفة، إذ تُعتبر تركيا جارة اليونان ومنافِسَتها التاريخية. وفي عام 2013، ناقش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمويل أعمال تجديد مسجد فتحية ليُصبح مسجداً عاملاً مع أنتونيس ساماراس، رئيس الوزراء اليوناني آنذاك. وأثارت تقارير اللقاء غضب بعض اليونانيين الذين اعتبروه تنازلاً سياسياً لتركيا، لذا تم التخلِّي عن المخطط.
لكن ائتلاف اليسار الراديكالي (سيريزا) الحاكم في اليونان الآن يُصِرُّ على استبعاد فكرة التمويل الأجنبي لمسجد أثينا، بحسب «فاينانشال تايمز». وأوضح مصدرٌ بوزارة التربية والتعليم والبحوث والشؤون الدينية، رفض ذكر اسمه: «هل تعلمون ما تعنيه كلمة فتحية؟ تعني فاتح.
صلاة في الأقبية ومعاناة في المجتمع
زارت مُراسلة الصحيفة موقع مسجد السلام داخل قبو أحد مواقف السيارات برفقة نعيم الغندور. ويقع المسجد في شارعٍ هادئٍ بحي نيوس كوزموس. وذكرت المراسلة أن المسجد يتَّسع لقرابة الـ150 شخصاً، ويُعَدُّ واحداً من قرابة الـ120 مسجداً مؤقتاً في العاصمة اليونانية، وواحداً من أصل ستةٍ فقط يمتلكون رخصةً من الدولة.
وإثر انتهاء الصلاة، تحدَّثت المراسلة إلى محمد رصاص ومات مهيار وعصام أبو شمالة في المقهى القريب، حيث يجتمعون أسبوعياً لتناول قهوة الإسبريسو الباردة وتبادل الحديث. وأفاد التقرير أن الثلاثة انتقلوا للعيش في أثينا منذ طفولتهم في الثمانينيات، حين كانت أحياء المسلمين في المدينة تتألَّف من المصريين والفلسطينيين والجنوب آسيويين بشكلٍ رئيسي. وورث الرصاص، المبرمج التلفزيوني الفلسطيني، المبنى الذي يضُمُّ المسجد عن والده الذي حوَّل القبو إلى مسجدٍ للعائلات العربية المحلية. وأوضح: «لم يكن هناك لاجئون في الثمانينيات والتسعينيات. كان المُهاجرون من طبقات عُليا: مستثمرون وطلاب وأطباء أتوا من أجل العمل والدراسة والحياة الأفضل. والآن لا يرغب الناس في مغادرة بلادهم، لكنهم مضطرون لذلك. وليست لديهم خطةٌ للدراسة أو الاستثمار، لكنهم يبحثون عن الأمن. في التسعينيات، كان اليونانيون ودودين معنا، لكن يُمكنك أن تُلاحظ نظراتهم اليوم».
وأورد التقرير أن مسحاً أجراه معهد ديانيوسيس للأبحاث والسياسة عام 2017 كشف أن 36.3% فقط من الشعب اليوناني يتعاطون مع كلمة «مسلم» بإيجابية. ويرى أيزون زاريكوس، أحد مُؤلِّفي الفصل الإسلامي من مشروع «Counter-Islamophobia Kit كُتيب مكافحة الإسلاموفوبيا» البحثي على مستوى أوروبا، أن هذا ليس دليلاً على انتشار رُهاب الإسلام بل هو مُؤشرٌ على عدم الاكتراث واسع النطاق. وقال زاريكوس: «ينبع ذلك من عدم تعاطف الدولة اليونانية مع الأقليات الدينية عموماً، وليس المسلمين فقط. واللامبالاة هي السبب في تأخير المسجد، وليس البيروقراطية»، مُضيفاً أن مفهوم الإسلاموفوبيا ازداد أهميةً بعد عام 2015، قائلاً: «وجدنا أن سبب تسارع هذه الأيديولوجية هو تنظيم الدولة الإسلامية وتدَفُّق اللاجئين».
ووجدت المفوضية الأوروبية في مسحها السنوي أن نسبة اليونانيين الذين يرون أن الهجرة تُشكِّل أكبر مشاكل البلاد ارتفعت من 26.5% إلى 40.5% بين عامي 2015 و2016، بحسب ما أوردته الصحيفة. وفي العام الجاري، أشارت 21 من أصل 28 دولةً عضوةٍ في الاتحاد الأوروبي إلى أن الهجرة هي أكبر مخاوفهم، ويليها الإرهاب.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن منصب نائبٍ عمدة بلدية أثينا عن شؤون الهجرة، الذي يشغله حالياً ليفتريس باباجياناكيس، استُحدِثَ في عام 2016. وأوضح باباجياناكيس أن المدينة لم يسبق أن وضعت سياسةً لإدماج المهاجرين في المدينة قبل وقوع أزمة المهاجرين الأوروبية، قائلاً: «لم يكن هناك سياسةٌ أو إدماجٌ في العموم. وأعني أنه توجد خطط، ولكن دون تنفيذٍ فعلي.. لقد اندمجت مجتمعات المهاجرين في اليونان من تلقاء نفسها». وعند سؤاله عن سبب تباطؤ البلاد في إرساء سياسةٍ لإدماج المهاجرين حتى ظهرت الأزمة، أجاب باباجياناكيس: «لم ترغب اليونان أبداً في دمج الأجانب. كنا سُعداء بوجود مُهاجرين يعملون في الحقول ويفعلون أشياء لصالحنا حتى نستمتع بأسلوب الحياة الأوروبية. لكن الأهم أننا لم نُرد أن يُصبحوا يونانيين. لأنه لا يُمكن لأحدٍ أن يُصبح يونانياً. يجب أن تولد يونانياً، هذا هو النهج القومي الذي يسود أوروبا».
وقال مهيار، الطبيب حديث التخرُّج، لمراسلة «فاينانشال تايمز»: «ليس الأمر عنصرية، ولكن اليونانيين لا يتقبلون الثقافات الأخرى لأنهم غير معتادين عليها. ولم يسبق لهم أن عايشوا نظاماً مُتعدِّد الثقافات». ويُؤمن هو وصديقه أبو شمالة أن تقبُّل التعدُّدية الدينية هو الخطوة الحتمية التالية بالنسبة لليونان إبان تحوُّلها إلى دولةٍ أكثر تسامحاً تُجاه سكَّانها المهاجرين الجُدد. وأضاف مهيار أنه في الأردن «توجد لدينا الكنائس بجوار الجوامع التي بُنيت من مئات وربما آلاف الأعوام، ويتعايش الناس جنباً إلى جنب. الأمر ممكن». ووافقه أبو شمالة الرأي، قائلاً: «لقد أثبت لنا التاريخ أن ذلك ممكن».
نفوذ الكنيسة يُعطِّل المشروع
وأفادت الصحيفة البريطانية، أن الضغوطات المناهضة لبناء المسجد أتت باستمرارٍ من طرف الكنيسة الأرثوذكسية منذ عام 2006. إذ أعرب إيرونيموس الثاني مطران أثينا عن مخاوفه من أن يتحول المسجد إلى أرضٍ خصبةٍ للتطرُّف عام 2016، رغم أنه أعلن عن دعمه لأعمال البناء في تصريحاته الأخيرة. وخلال مقابلته مع قناة «سكاي تي في» التلفزيونية اليونانية، تساءل: «هل سيُصلي أولئك الناس هناك؟ أم هل ستتحوَّل المساجد إلى مدارس للجهاد والأصولية؟ من سيراقب ذلك؟».
وأوردت الصحيفة تصريحات يانيس كتيستاكيس، أستاذ القانون الدولي، الذي يعتقد أن الركود في قضية المسجد يرجع إلى النفوذ الذي تتمتَّع به الكنيسة في الشؤون الداخلية. وقال: «ظن ائتلاف سيريزا أن المطران سيخيب ظنه بهم في حال افتُتِح المسجد إبان فترته كرئيسٍ للكنيسة. وكل الساسة يعلمون أن الكنيسة اليونانية تتمتع بنفوذٍ سياسي، قد يقف عقبةً في وجههم خلال الانتخابات التالية».
ويعتبر الدستور اليوناني أن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تُمثِّل الديانة السائدة في البلاد، بحسب الصحيفة البريطانية. واعتاد كل رؤساء وزراء اليونان أن يُؤدُّوا القسم الديني حتى عام 2015، حين انتُخِبَ ألكسيس تسيبراس زعيم سيريزا الملحد رئيساً للوزراء. وذكرت دراسةٌ حديثةٌ لمركز بيو للأبحاث أن 76% من اليونانيين يعتقدون أن الالتزام بالمسيحية الأرثوذكسية هو جزءٌ مهم من «اليونانية الحقيقية».
وترى الصحيفة أن الربط بين الهوية القومية والإرث الثقافي اليوناني من جهةٍ والتقاليد المسيحية الأرثوذكسية من جهةٍ أخرى، أصبح أحد المبادئ الرئيسية التي بُنيت عليها الأيديولوجية القومية اليونانية اليوم. وهذه هي وجهة نظر الساسة مثل أعضاء الفجر الجديد ورجال المؤسسة الدينية. وحين وُضعت خطط تجديد مسجد موناستيراكي للمرة الأولى عام 2006، اعترض المطران كريستودولوس آنذاك مُتحجِّجاً بأن الموقع مركزيٌ للغاية «أسفل الأكروبوليس» وعلى مقربةٍ من كاتدرائية أثينا الأرثوذكسية.
وذكرت الصحيفة أن القانون اليوناني لم يكن يسمح بفتح دور عبادةٍ لأي كياناتٍ دينيةٍ بخلاف الأرثوذكسية واليهودية والإسلام (للأقلية المسلمة التركية شمالي اليونان فقط) حتى عام 2014. وكان يجب أن تُقيَّد الأديان في السابق بصفتها «كياناتٍ قانونية في القانون الخاص». ولكن مع تغيير القانون، يُمكن أن تطلب الجماعات الآن ترخيصاً بإقامة دور العبادة. لكن إيفي قالت: «لم تُرحب الكنيسة بالقرار عامةً، وليس في ما يتعلَّق بالمسلمين فقط. وتُعَدُّ اليونان الدولة الأولى على قائمة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نظراً لخرقها الحريات الدينية. وقبل أربع سنوات، كانوا مسؤولين عن قرابة الـ20% من إجمالي الانتهاكات.
القيمة الرمزية للمسجد
منذ عام 2016، تأجَّل افتتاح المسجد في ثلاث مناسبات. ولا تزال المحكمة تنظر الالتماسات المُطالبة بوقف الإجراءات القانونية، بحسب الصحيفة البريطانية. لكن آنا، اليونانية التي تحوَّلت إلى الإسلام، ترفض الاستسلام: «نحن نُحارب من أجل أطفالنا. لقد منحناهم آلاف الأعذار لأنه عملٌ عامٌ ويتأخَّر أحياناً. ولكن الأعذار ستنفذ في يومٍ من الأيام».
وسيتَّسع مسجد أثينا عند الانتهاء من بنائه لـ300 رجل و50 امرأةً من المصلين على مساحة ألف مترٍ مربع، وهي السعة التي لا تكفي السكان المسلمين في المدينة على الإطلاق بحسب الصحيفة. لكن إيفي ترى أن للمسجد رمزيةً أكثر أهمية: «يجب أن تُعبِّر الحكومة عن ترحيبها بالمسلمين سياسياً».
وأوضح عبدالرحمن سعيد، إمام مسجد الشافعي في قبوٍ بحي فاثي في أثينا، أن مسجد فوتانيكوس يُعَدُّ شديد البُعد ويُكِّلف الذهاب إليه أموالاً باهظةً بالنسبة لأبناء حيه.
وأفاد التقرير أن سعيد وصل إلى أثينا عام 2017. والكثير من مُصلِّيه هم لاجئون فارُّون من أحداث العنف في الصومال مثله. ويعتمد مسجد الشافعي على تبرُّعات المُصلِّين، على غرار العديد من مساجد الأقبية في أثينا. وفي الأشهر الأخيرة، عانى المسجد من أجل جمع 600 يورو (687 دولار) لدفع فواتير الإيجار والكهرباء. ويُثير المستقبل قلق سعيد، إذ أعلنت الوزارة عن إغلاق أي مسجدٍ لا يُلِّبي المتطلِّبات القانونية بمجرد افتتاح المسجد الجديد.
ووصفت «فاينانشال تايمز» الأحكام الواردة في وثائق «الأديان والطوائف بخلاف كنيسة اليونان» بأنها قاسية. في حين وصفت إيفي القوانين المطلوبة للحصول على رخصة جديدةٍ بـ»السخيفة»، مشيرةً إلى أن افتتاح مسجدٍ جديدٍ لا يأتي على رأس أولويات أي حكومة، «لكن الأسوأ من عدم فتح مسجدٍ جديدٍ هو محاولة إغلاق المساجد القديمة غير الرسمية التي تُعَدُّ أكثر أهميةً بالنسبة لهوية المجتمع».
وتحدَّثت الصحيفة البريطانية إلى عشير حيدر، الصحفي ومدير الأنظمة، الذي يشغل منصب نائب عضوٍ في مجلس إدارة المسجد الجديد بفوتانيكوس. وأسس والده مسجد بيرايوس عام 1976 وقضى معظم حياته في المنطقة يبني جسور التواصل بين المجتمع المسلم المحلي والسلطات اليونانية. ويُؤمن حيدر بأن المجتمعات المسلمة يجب أن تتحمل مسؤوليةً أكبر الآن حين يتعلَّق الأمر بالسعي للحصول على اعترافٍ رسميٍ من الدولة بدور عبادتهم. وقال: «تقع مهمة استئجار أماكنٍ أكثر أمناً للمُتعبِّدين على عاتق المجتمعات. وتكمُن المشكلة» في أولئك الذين ليس بوسعهم تحمُّل نفقات موقف السيارات، «ولكن لماذا لا نوضح أن انعدام السيولة المالية هو السبب وراء عجزنا عن البحث عن أماكن أخرى؟».
لكن القبول الأوسع نطاقاً للمجتمعات المسلمة تعرَّض لعراقيل كثيرة بفضل إحجامهم عن التعايش والعبادة علناً. إذ قال حيدر: «شهد أوائل المهاجرين المسلمين في اليونان سوء تفاهمٍ كبيراً. وتعرَّض أي شخصٍ مُسلمٍ لمعاملةٍ تُشبه الأتراك»، مما دفع بهم إلى إخفاء أنشطتهم الدينية خوفاً من انتشار العداء. وأضاف: «إذا نظرت إلى هذا المسجد مثلاً، ستجد أنهم اختاروا منطقةً صناعيةً بعيدةً عن الأحياء السكنية كي لا تقع مشكلات مع الجيران».
وأفاد حيدر في ختام تقرير «فاينانشال تايمز» بأن الزمن تغيَّر بعد أن اعترفت الدولة بالإسلام والأديان الأخرى غير الأرثوذكسية، رغم أن ذلك استغرق وقتاً طويلاً وأن مسجد القبو الذي بناه والده لا يُلبِّي اللوائح اللازمة للحصول على تصريح. وأوضح أنه ليس قلقاً من أن مسجده سيُغلق إثر افتتاح المسجد الجديد، قائلاً: «استغرقت الدولة 35 عاماً لبناء أول مسجدٍ رسمي. وإذا كانت تمتلك خططاً لإغلاق مساجدنا، أعتقد أنها ستستغرق 350 عاماً لتقنينها».
المصدر: عربي بوست