متابعات

نعم يرحلون الكبار لكنهم لا يتكررون

المواطن/ كتابات – فهمي محمد

في مقدمة كتابه الشهير لمحات من تاريخ العالم يقول السياسي العتيد والمفكر والموارخ الهندي ” جوهر لال نهرو ( من الممتع أن تقرأ التاريخ ولكن من الأفضل أن تشارك في صنع التاريخ ) هكذا ينطبق الحال فيما هو نادر الحدوث في اليمن على فقيد الوطن والحزب الإشتراكي على صالح عباد ( مقبل ) أحد أكبر صناع التاريخ الحديث في اليمن ،
فالتاريخ كصيرورة ونضال ثوري نحو التقدم يصنعه الكبار وحدهم هؤلاء الذين يرحلون عن عالمنا بكل هدوء وكبرياء وعزة نفس تأبى أن تقبض ثمن النضال والعطاء في سبيل الوطن وفي سبيل ما يؤمنون به من القيم والمبادئ أمثال الراحل على صالح عباد مقبل .

منذو 1959/م العام الذي شهدت فيه مدينة عدن ميلاد حركة القوميين العرب على يد المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي ، وسلطان احمد عمر ، بدأ المناضل الجسور مقبل وقلة من رفاقه المناضلين يصنعون تاريخ جديد من الكفاح في اليمن لاسيما في الشطر الجنوبي الذي شهد يومها تفجير أحداث ثورة مسلحة في أكتوبر من العام 1963/م ، بسواعد مقبل ورفاقه الحركيين المنضوين يوم ذاك في إطار الجبهة القومية ،
ومن نافلة القول إن تاريخ الثورة في الشطر الجنوبي بشكل عام قد ارتبطت احداثه الثورية لحد الإلتحام والتوحد بكل المنعطفات والأحداث التاريخية الجارية في الشطر الشمالي ، انطلاقاً من الإيمان الراسخ بوحدة الارض والقضية في اليمن وقد كان الرفيق مقبل من القلائل المؤمنين بهذه المبادئ حتى توفي في عاصمة الوحدة ، صنعاء التي اجهضت ثلاث ثورات ووحدة ، على حد وصف أحد شعراء ثورة فبراير 2011/م .

التاريخ بشكل عام هو من صنع الانسان لكن التاريخ كصيرورة نحو التقدم وفي سبيل صناعة المستقبل هو من صنع قادة استثنائين لا يتكرر مجيئهم الى عالمنا ولو أعاد التاريخ نفسه الف مره ، كما لو أن مجيئهم يُصبح فلته في حركة الزمن ، والفقيد مقبل هو أحد هؤلاء القادة الاستثنائين الذين لا يتكرر مجيئهم ولو تكررت الظروف .

منذو بواكير العمر بدأ على صالح عباد مقبل مناضل صلب وشجاع في حمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني ، ثم مناضل في سبيل القضاء على السلطنات والمشيخيات التي تتقاسم الشطر الجنوبي من اليمن وتزرع فيه الهويات الجزئية والمناطقية والجهوية ، ثم مناضل في سبيل إعادة صياغة الهوية اليمنية الجامعة حتى تحقيق دولة الوحدة ، ثم نجده بعد ذلك يستأنف النضال بكل شجاعة بعد حرب 94/ في وجه نظام صنعاء المنتصر في الحرب على الجنوب دون خوف من عقاب تحت شعار اصلاح مسار الوحده ، وفي سبيل بناء الدولة اليمنية، كما أن إيمانه بالديمقراطية جعله يقدم نفسه كأول منافس ضد صالح في انتخابات 99/ التي تم اقصائه من خوضها بفعل تحالف كتلة المؤتمر والاصلاح في مجلس النواب ، بعد أن تمكن في أصعب الظروف قتامه من قيادة الحزب الاشتراكي والحفاظ على وحدته ودوره في الحياة السياسية رغم مراهنة النظام في صنعاء وسعيه الحثيث الى تقسيم الحزب .

نعم رحل مقبل بكل عفته وشموخه عن عالمنا لكنه ترك لنا مثالاً للمناضل الصلب الذي لا يساوم على المبادئ والقيم التي يؤمن بها حتى لو كان على فراش المرض ، وآية ذلك إنه من صناع التاريخ في هذا البلد وقد مات فيها لا يملك ثمن العلاج .

إغلاق