محلية
في حديث شفاف .. القيادي الأشتراكي د. محمد المخلافي يضع النقاط على الحروف
ريبون / كريترنت
حرب 94 وموقف المجتمع الدولي والإقليمي منها ؛ وعلى وجه الخصوص موقف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .. واقع اليمن اليوم إلى أين .. الحرب ومآلاتها وكيفية الخروج من الأزمة .. المرجعيات الثلاث واتفاق الرياض وأهميته .. الخارطة السياسية والعسكرية .. أطراف الحرب وعلاقاتها بالاطراف الإقليمية .. تغير قواعد اللعبة السياسية .. دور الأحزاب في الوصل إلى تسوية سياسية وارساء سلام دائم .. اليسار العربي .
كل هذه القضايا وقضايا أخرى واين يقف الحزب الاشتراكي الأشتراكي اليمني منها كانت محور حديث الدكتور محمد المخلافي نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني في الندوة الـ 27 للمنبر التقدمي الديمقراطي.
ركز الدكتور المخلافي في حديثه عن الشأن اليمني وازماته المركبة والصراعات التي شهدها شمالا وجنوبا وأزمة الوحدة والتجاذبات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الاحداث واستطاع في حديثه أن يضع النقاط على الحروف ؛ كما تحدث عن اليسار في اليمن عن القضايا التي يمكن أن يكون فاعلًا فيها.
ونظراً لأهمية القضايا التي تطرق لها الدكتور المخلافي في الندوة التي أدارها الدكتور مضر قسيس ؛ وشارك فيها عدد من قيادات اليسار من دول عربية “كريتر نت” يقوم بنشر ملخص لهذا الحديث .
وفيما يلي نص الحديث :
دولة ما قبل القانون
الحديث حول أوضاع اليمن وأسبابها يستدعي مني أن أتحدث عن نشأه وأسباب وجذور الأزمة اليمنية القائمة إلى اليوم، إذ أن هذه الأزمة ترجع تحديدًا إلى بدأية التسعينات وربما إلى عام 1992م وهو العام الثاني لقيام الجمهورية اليمنية. في تلك الفترة نشب الصراع – وربما الكثير منكم متابع- بين الحزب الاشتراكي اليمني وتحالف القوى التقليدية، طبعًا نحن نستخدم مصطلح القوى التقليدية لتجنب استخدام مصطلح يستدعي العداء المباشر من قبل الأطراف الأخرى.
كان الخلاف في الأساس بين الحزب الاشتراكي اليمني وتحالف القوى التقليدية وربما تعلمون أن القوى التقليدية، كان يمثلها بدرجة أساسية، رئيس الجمهورية، ونظامه حينها، وحزبه، ومعه التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يرأسه شيخ مشايخ اليمن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وهو في الواقع من كان يمثل فعلًا القوى تقليديه ويقودها.
دار الخلاف حول مسألتين رئيسيتين ولكن المسألتين تصبان في أمر واحد وهو بناء الدولة الجديدة .. بناء الدولة الديمقراطية .. بناء دوله المواطنة، ومن هذا المنطلق وقف تحالف القوى المحافظة رافضًا لبناء الدولة طبقًا لدستور الجمهورية اليمنية، وعمل على تجميد الدستور، الأمر الآخر وهو يصب في هذا الإتجاه رفض تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل وهو برنامج وضعته الحكومة وأقرته،
وكان حينها رئيس الحكومة، هو عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني الأستاذ حيدر أبوبكر العطاس وكان حينذاك -واؤكد على هذا حينذاك- كان رجل دولة.
خرج الصراع إلى الشارع بالقيام بتكليف تنظيمات وجماعات إرهابية في اغتيال قيادات الحزب الاشتراكي اليمني وتم اغتيال حينذاك ما يقرب أو ما يزيد عن 150 قيادي من قيادات الاشتراكي، وبالمناسبة كان أول من أغتيل هو شخص ينتمي الى عائله الحوثي، ولكنه اشتراكي لم يكن يدعي أنه يمتلك الحق الإلهي في الحكم، ولم يكن سلاليًا عنصريًا، بل اشتراكيًا يؤمن بالمواطنة والعدالة الاجتماعية.
أنصب هذا الصراع حول تنفيذ الدستور أو تغيير الدستور وأتجه تحالف القوى التقليدية إلى العمل على تغيير الدستور، وكان تغيير الدستور قد طرح بصورة جادة عندما أجريت إنتخابات عام 1993م وحصلت القوى التقليدية على الأغلبية في الإنتخابات، وحصل الحزب الاشتراكي على 25% من مقاعد البرلمان، وهنا بدأ هذا التحالف يعمل على تغيير الدستور، ولم يكن الاشتراكي يعترض على مبدأ التعديل، ولكن بأي اتجاه؟
الإتجاة الأول
هو إلغاء مبدأ المواطنة المنصوص عليه في الدستور، و مبدأ المواطنة تضمن قيمها الأساسية النص على المساواة أمام القانون وحظر التمييز لأي سبب من الأسباب، النقطة الأخرى التي جرى السعي لتغيير الدستور باتجاهها هو تغيير شكل نظام الحكم، وحينذاك كان شكل نظام الحكم هو شبه برلماني كانت رئاسة الدولة هي رئاسة جماعية، مجلس رئاسة، وكانت الحكومة هي من تمتلك كل السلطة التنفيذية، وبالتالي كان المسعى إلى إعادتها إلى شكل الرئاسة الفردية التي كانت ساريه في صنعاء قبل الوحدة، والنقطة الرئيسية الثالثة هو تركيز السلطة في العاصمة وبيد الرئيس.
الإتجاه الثاني
بالمقابل الاشتراكي أيضًا لم يتوقف عند نقطه تنفيذ الدستور كما هو حينذاك وانما أيضًا أنتقل إلى طرح رؤية أخرى لتعديل الدستور، رؤيته تمثلت بـلامركزيه الحكم وهو شيء مضاد لتركيز السلطة وكذا تعزيز الحقوق والحريات وإقامة نظام حكم برلماني وحكم محلي واسع الصلاحيات.
حينها وصل الصراع إلى أن يُدول بمعنى نسبي، فحينها تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلت فرنسا وتدخلت الأردن وتدخلت سلطنة عُمان كوسطاء.
ونتيجة لهذا التدخل جرى إبرام أو وضع اتفاق سمي “وثيقه العهد والاتفاق”، وثيقه العهد والاتفاق جسدت الرؤى التي طرحها الحزب الاشتراكي اليمني وكانت حينذاك معظم القوى السياسية تؤازر ما طرحه الحزب الاشتراكي والمتمثل باللامركزية والحكم المحلى المنتخب والمواطنة المتساوية.
أستضافت الأردن الأطراف السياسية التي وقعت على الاتفاقية وتمثلت بكافة الأحزاب، وصارت هذه الوثيقة واجبة التنفيذ وما كان هناك من طريقة لمنع بناء الدولة الحديثة إلا إشعال الحرب ضد الحزب الاشتراكي اليمني عام 1994م.
يومئذٍ- أنا أتكلم طبعًا عن الحرب برؤوس أقلام، وأصدرت منذ حوالي شهرين كتاب من جزئين يتناول هذه القضايا وهو كتاب يباع بالأنترنت، انا الأن لا استطيع ان أهديه أياكم لأن الناشر لديه حقوق النشر لمدة عام، لكن المهتم باليمن ربما يستطيع ان يشتريه عبر الانترنت.
كان إتجاه الحرب يتجه لتحقيق هدفين الهدف الاول هو القضاء على الحزب الاشتراكي اليمني لأنه بالقضاء على الحزب الاشتراكي اليمني يمكن للقوى التقليدية أن تحقق الهدف الثاني حينئذٍ بأن تشكل الدستور وتشكل الدولة بالطريقة التي تراها وتعود بها إلى دولة ما قبل القانون، هذا الامر أتخذ اتجاهين:
الإتجاه الأول
تمثل بالتمهيد للحرب بالاغتيالات والدعوة للكراهية ورُفعت شعارات الحرب لتكفير الدستور وتكفير الاشتراكي، لأن الدستور نتيجة لعمل الحزب الاشتراكي اليمني، والتركيز على النصوص التي تحقق بناء دولة ديمقراطية حديثه بإتجاه استعادة النظام الذي كان قائمًا في صنعاء ولا يزال قائمًا لأنه تم دمج الدولتين أو بالأصح دمج دولة الجنوب في دولة الشمال و لم يتغير شيء وكان مفترض أن يتغير وفقا للدستور.
الإتجاه الثاني
هو إلغاء مبدأ المواطنة وهذا المبدأ كان يتطلب تغيير الدستور من أوله إلى أخره.
وقف مع الحرب ضد الحزب الاشتراكي اليمني قوى كبرى أمريكا وفرنسا ولكن كانت فرنسا حينذاك تحت حكم اليمين وكانت أكثر صلفًا في دعمها للحرب إلى حد أنها كانت ترصد تحركات التنظيمات الإرهابية المشاركة في الحرب لتحدد المكان الذي يتم وصولهم إليه، لكي يأتي الجيش ويدخل هذه المناطق دون حرب، وكان عدد هذه القوات أكثر من 60000 إرهابي من جنسيات مصرية وعراقية و فلسطينية و أردنية وتونسية ومغربية وجزائرية وغيرها من جنسيات الدول العربية علاوة على اشتراك بن لادن حينها مباشرة ووجوده في قيادة الحرب، ومن القوى الإقليمية كانت إيران، ولم يسجل لدولة اقليمية غير إيران هذا الموقف مع الحرب ضد الاشتراكي.
ومن البلدان الشقيقة كانت الأردن وسلطنة عُمان والعراق وليبيا والسودان، و تلاحظون هنا معي أن السودان و إيران في موقف واحد وهما زعيمتان لصراع مذهبي يكفر بعضه، وأن العراق وليبيا التي نحتسبهما من اليسار وهما فعلًا كذلك، على الأقل قوى علمانية، أيضًا العراق ومع خصومتها الشديدة مع إيران وخصومتها مع الأحزاب الدينية والإخوان المسلمين تقف مع السودان ومع إيران في موقف واحد وجميعها يوحدها هدف القضاء على الحزب الاشتراكي اليمني.
والحرب طبعًا تمكنت من هزيمة الحزب الاشتراكي اليمني لأن الحزب الاشتراكي اليمني ولأسباب كثيرة، ومنها عدم استعداده للحرب، والعمل بمبدأ حسن النية دونما إحتراس، وترك القوات المسلحة التي كانت تتبعه، قد وفر إمكانية التغلب عليه.
ونتيجة لهذه الحرب وهزيمة الحزب الاشتراكي اليمني تم إخراج الحزب الاشتراكي من المعادلة العسكرية واضعف دوره كقوة تستطيع الردع، لكنها لم تستطع أن تخرجه من المعادلة السياسية، مع إضعاف بالتأكيد قدرته على الحشد السياسي؛ لأنه عندما كان في السلطة يستطيع أن يحشد ولو من قبيل النفاق الاجتماعي والسياسي لبعض الأحزاب والقوى او الأمل بالمنافع المستقبلية أن هو تغلب وأنتصر. لكن عندما صار خارج السلطة وجرد من امكانياته وممتلكاته وأمواله صارت قدرته على الحشد ليست كبيرة، إلا أنه ظل في نهاية المطاف معادل سياسي قوي.
أغتيال جار الله عمر
أتجهت جهود الحزب الاشتراكي اليمني، منذ أن أرتفع غبار الحرب، نحو التغيير من أجل التحديث والانتقال الديمقراطي وسار بمسارين:
المسار الأول
هو ايقاف حرب 1994 وإزالة آثارها ونتائجها، ولكن القوى التقليدية كابرت ورفضت وكانت الرؤى والتصورات التي يطرحها الحزب تظهر بأن الدولة ستسير إلى الفشل اذا لم تزال نتائج حرب 1994م وستتعرض الدولة والبلد إلى التشظي والإنقسام.
المسار الثاني
عمل الحزب الاشتراكي على إنشاء ائتلاف وطني، في البدء كانت مجموعه من الأحزاب اليسارية، ومع أن الأحزاب اليسارية هي أحزاب صغيرة وضعيفة، لكنها شكلت قوة معنوية للحزب الاشتراكي اليمني، وأستمر في هذا الإتجاه الي أن شكل اللقاء المشترك، وكان من ضمنه أحزاب دينية أو أحزاب ذات مرجعية دينية ومنها التجمع اليمني للإصلاح الذي هو عبارة عن تحالف إخوان مسلمين وقبائل، و حزب الحق الذي هو أيضًا حزب يميل الى المنهج الشيعي، وأحزاب أخرى، إذ كان معنا في هذا التحالف أحزاب اليسار الممثلة في الأحزاب القومية- البعث والناصري، وأيضًا أحزاب يسارية صغيرة تقترب من الإيديولوجيا الأممية، ومنها حزب التجمع الوحدوي، الذي أسسه شخصية مشهورة وكان رئيس إتحاد الأدباء والكتاب في اليمن، و هو الأستاذ عمر الجاوي. هذا التحالف طبعًا دفعنا ثمنه بأن تم إغتيال جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب أمام كاميرا التلفزيون، وفي مؤتمر التجمع اليمني للإصلاح، و من قبل خلية تنتمي إلى التنظيم السروري، الذي هو يجمع بين أعضاء من التجمع اليمني للإصلاح والسلفيين، لكن هذه التضحية لم تذهب بدون ثمن، نحن توصلنا عام 2009 إلى وثيقة إنقاذ، هذه الوثيقة تضمنت تقريبًا 90% من رؤى الحزب الاشتراكي اليمني المتعلقة بالديمقراطية والتحديث والتقدم وحقوق المرأة و حقوق الشباب والمساواة، وأيضًا لامركزية الحكم، بما في ذلك، اللاَّمركزية السياسية والإدارية والاقتصادية، هذه الوثيقة وحدت إلى جانب اللقاء المشترك عدد واسع من القوى الاجتماعية، بما في ذلك، منظمات المجتمع المدني الحقوقية والمهنية والنسائية والشبابية، وشكلت كتلة كبيرة عندما أندلعت ثورة 2011م، وكان هذا التكتل يقود أسبوعيًا مظاهرات تعد بالملايين، وأوقف الإنتخابات التي كانت تكرر نفس نتائجها و تعيد إنتاج سلطة علي عبد الله صالح ونظامه، وتم الاتفاق على تأجيل الإنتخابات حتى تعديل الدستور الذي جري تشويهه بعد حرب 1994م، إذ جرى تغييره بشكل كلي وبما يتوافق مع رؤى القوى التقليدية فقط.
تخاذل رئيس الدولة
أفضت الثورة إلى توافق وطني- نحن سعينا ومعنا حلفائنا إلى أن لا تفضي إلى تغيير يؤدي إنزلاق اليمن إلى حرب أهلية وإنما إلى تغيير سلمي دونما سفك المزيد من الدماء.
ولتجنب الحرب الأهلية قبلنا تقاسم الحكومة مع علي عبد الله صالح وأيضًا انشئ منبرًا حواريًا يضم كل الأطراف وجميع الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية، بما في ذلك، القبائل والمرأة والشباب، ولأول مره يتساوى شيخ القبيلة و المرأة في القاعة و في الصوت. ونتج عن مؤتمر الحوار الوطني وثيقه الحوار التي صدرت في مطلع 2014م، وثيقه الحوار تبنت رؤى بناء الدولة الحديثة، وكان كما قلت في السابق، يفوق مضمونها عن 90% مما كان في وثائق الحزب الاشتراكي اليمني ومطالبه.
وعلى ضوء مخرجات الحوار تم إعداد مسوَّدة الدستور وفي يوم تقديم هذه المسوَّدة الى هيئة متوافق عليها أيضًا أنبثقت عن مؤتمر الحوار لكي تجري مواءمة هذه المسوَّدة مع مخرجات الحوار الوطني وتصويبها حيثما يوجد اختلافًا، جرى الانقلاب على الدستور وجرى اختطاف المسوَّدة وحاملها من قبل مليشيا تحالف (النظام القديم والنظام البائد) وأنا أسميه تحالف (ندم) اختصارًا، تحالف (ندم) كان قد أعد التشكيلات العسكرية وتمكن من ذلك بفضل تخاذل رئيس الدولة وعدم الحسم في هيكلة القوات المسلحة، وكان قد مكن علي عبد الله صالح من أن يقود هذه القوات ويحولها إلى ميليشيات وأن تدخل مع القبائل وإلى جانبها القبائل التي حشدها الحوثي وتستولي على العاصمة.
ما يهمنا ليست هذه التفاصيل، بعض التفاصيل أوردتها في كتاب (اليمن بين الثورة والثورة المضادة) ولكن سوف أشير بعجاله إلى ما ترتب على هذا التحالف من إيقاف العملية السياسية واندلاع الحرب في كل اليمن، وفي هكذا حال يكون من الطبيعي أن تهمش الأحزاب السياسية، ولا أعتقد أن هناك أي بلد يمكن أن توجد فيها حرب وأمراء حرب وتتصدر المشهد الأحزاب السياسية، وبالتالي صار هؤلاء المحاربون لا يخشون اكثر من الحديث عن الأحزاب السياسية وعن وقف الحرب.
السلام ضرورة للحوثي وليس الحرب.
كان إنتصار الثورة المضادة انتصارًا لتحالف انتقامي، هذا التحالف الانتقامي مثله تحالف الحوثي، والذي يتبنى أيديولوجية تستدعي الانتقام لـ 1400سنة وليس الانتقام من ما حدث يوم أمس أو قبل سنتين او ثلاث، ثم علي عبد الله صالح الذي أعتبر أن خروجه من السلطة هو ذنب عظيم على اليمنيين ويجب أن يدفعوا ثمنه.
هذا التحالف الانتقامي جرت ممارسات من قبله ضد كل من لا يوالي هذا التحالف، وبالتالي خلق بيئة تصارعية دينية أدت الى أن تظهر قوى مقابلة ومماثلة لقوى الحوثي الدينية، وهي قوى الإسلام السياسي السني مقابل الإسلام السياسي الشيعي، تمثلت في القوى السلفية التي فعلًا كانت متواجدة في دول الخليج وفي السعودية وتواجدها في اليمن كان ضعيفًا لأنه لم يكن لها دور ملموس والتجمع اليمني للإصلاح، وإلى جانب هؤلاء وأولئك، أوجد حتى أيضًا بيئة ملائمة للتنظيمات الإرهابية التي قاتلت الحزب الاشتراكي اليمني منذ عام 1992 بالاغتيالات ثم الحرب الشاملة، في حرب 1994 كان عددهم يفوق 64 ألفًا، ولكن بعد خروج الأجانب بقى اليمنيون منهم وهؤلاء وجدوا مناخًا ملائمًا فعندما يهاجم الحوثي- وهو يبطش بالقبائل بطشًا شديدًا- يعني إما أن تتحول القبيلة الى قتلة بيده أومرتزقة (وهو يسميهم مرتزقة عندما لا يكونوا معه) أويبطش بهم بطش غير أهل للإنتصار مما جعل بعض القبائل عندما لا تجد مقاومة كافية لديها لصده أن تلجأ لمثل هذه التنظيمات:
القاعدة، داعش، أنصار الشريعة وغيرها من المسميات.
وكانت النتيجة الثالثة للحرب ربط اليمن بالصراع الإقليمي وربما أنكم جميعا لا تجهلون هذا الصراع، وربطه بالملف النووي الايراني، وربطه بإيران، وربطه بالصراع الإيراني الخليجي ولا سيما الايراني السعودي، وتدخل السعودية في حرب اليمن يمثل نوع من أنواع الدفاع عن النفس، وإذا لم تحارب على أرض اليمن سوف تحارب على أرضها.
الواقع اليوم ممكن أن أتناوله من خلال نقطتين، وأحب ان أعلق على ما قاله الدكتور مضر رئيس الجلسة فيما يتعلق بما يراه هو حرب بين الرجعيات، هناك سببان لهذا الأمر:
السبب الأول-
أن دعوات الحوثي الى حرب مذهبيه سلالية أدى إلى دعوات أخرى أيضًا لاستنهاض سلالات ومذاهب أخرى يعني استنهاض المذهب السني والسلالة الحميرية، وبالتالي أصحاب هذه الدعوة هم من يجذبون الناس إلى صفوفهم للقتال لا سيما أنهم يريدون القتال.
السبب الثاني
أنهم أيضًا يتمتعون بثقه الدول الداعمة وهناك دول تدعم بصورة مباشرة وهي المشترك في الحرب بمثل هذه القوى، ودول أخرى تدعم من خارج الحرب أو تدعم الحرب بصورة غير مباشرة.
نتوقف سريعًا عند الخارطة السياسية:
الخارطة السياسية طبعًا نحن لا نستطيع ان نتكلم عن الحوثي كضلع من ضلوع الخارطة السياسية لأنه يعتمد بالكل وبالمطلق على القوى العسكرية وعلى الحرب ويدعي الحق الإلهي في الحكم لأنه ينتمي سلاليًا إلى السامية الإبراهيمية وإلى عائلة ائيل الدينية.
ثمة قوتان أساسيتان هي قوة السلطة الشرعية والأحزاب السياسية التي تدعمها وهي تقريبًا كل الأحزاب السياسية يمينًا ويسارًا ووسطًا تدعم السلطة الشرعية،
السلطة الشرعية تقاد بدون إرادة وعزيمة وبقرارات غير رشيدة وتتجاذبها مصالح صغيرة، وكان بالإمكان أن نتجنب ضعف القوات المسلحة او استيلاء علي عبد الله صالح على القوات المسلحة بإعادة القوات التي سرحت بعد حرب 1994 وهي القوات التي كانت مواليه للحزب الاشتراكي اليمني وهي من الجنوب في معظمها ومن الشمال لكن معظم افرادها وضباطها كانوا من الجنوب وبسبب هذه الصراعات الصغيرة فوتت هذه الفرصة السانحة لمنع حدوث الثورة المضادة، والآن هذه المصالح الصغيرة تعيق عمله باتجاه انهاء الحرب الأهلية وهي لا يمكن أن يتم الانتهاء منها إلا باستعادة الدولة وجعل السلام ضرورة للحوثي وليس الحرب.
الخارطة العسكرية:
الخارطة العسكرية، وهي خارطة اكثر بؤساً إذ أن هناك حرب اهليه يعني هناك حرب اهليه بكل معنى الكلمة هناك حرب الكل ضد الجميع، الحوثي بطبيعة الحال قوى غير قابلة للتعايش بسبب ايديولوجيتها وشعاراتها وتعبئتها لميليشياتها وهي القوه الموحدة حاليا ولا زالت تسيطر على جزء كبير من اليمن وتسعى للسيطرة على اجزاء أخرى.
القوات المناهضة لها قوات حكومية والقوات الحكومية مع الاسف هي اضعف القوات الموجودة، لان الدعم الذي يذهب الى القوات غير النظامية والقوات غير الحكومية هو اكثر من الدعم الذي يذهب للقوات الحكومية
القوات غير الحكومية تتمثل بنوعين من القوي: مقاومه شعبيه وتشكيل شبه عسكري. وهي تشكيلات شبه عسكرية وهذه المقاومة الشعبية عادتا من المدنيين وهؤلاء يتواجدون في مدن رئيسيه ودورهم هو الدفاع عن المدن ولكن في جبهات القتال ليس الدور المؤثر .
قوة الساحل الغربي وهي تضم تقريباً حوالي 11 لواء وكل لواء له قائده وهذه قوات كما هو معروف مدعومة من الخارج ولا تخضع لوزارة الدفاع وهي قوات شبه عسكرية.
قوات المقاومة الجنوبية وهذه الان تشكل قوات صار يطلق عليها القوات الجنوبية هذه القوات ايضا قوات لا تتبع الحكومة ومدعومة ايضاً من الخارج، ووفقاً لإتفاق الرياض، يجب ان تدمج هذه وتلك مع الجيش الوطني هذا الدمج سيخفف من اللوحة المبرقعة للحرب الأهلية وسيجعل على الاقل الفواصل واضحه بين المتحاربين، وسيوفر إمكانية لمفاوضات سلام بعد أن يجد الحوثي نفسه عاجزاً عن الإستمرار في الحرب.
قوات او عناصر من القاعدة وداعش وانصار الشريعة متواجدة في مناطق هذا الطرف او ذاك والاطراف تقريبا كلها تتعاون معها سواء كان الحوثي او السلفيين او الإصلاح .
القوات التابعة للإصلاح :
هناك قوات قبلية ليست مسيسة وهي تدافع عن مناطقها التي يجري مهاجمتها من قبل الحوثي وهذه بدرجة اساسية متواجدة في بعض مناطق تعز وفي مأرب وفي أغلب مناطق شبوة ؛ هذه القوات تقاتل عندما يكون هناك هجوم من قوات الحوثي على مناطقها ثم يعود الناس الى منازلهم بعد إنتهاء المواجهة اما بصد الحوثي او بإستيلاء الحوثي عليها.
الى جانب هذه القوى الاربع هناك قوات اجنبية؛ لدى مليشيا الحوثي، كما هو متداول إعلامياً خبراء إيرانيين وخبراء لبنانيين من حزب الله وخبراء عراقيين من الحشد الشعبي بتنوعاته المختلفة، كما توجد قوات إماراتية في بعض الموانئ وقوات سودانية موجودة أيضاً على الحدود السعودية وقوات يمنية على الحدود السعودية أيضاً تحارب مباشرة مع المملكة العربية السعودية، ولكن عناصرها يمنيون وليسو قوات سعودية وترابط على الحدود السعودية اليمنية الغربية.
والى جانب هذه القوات هناك دول أخرى لا يظهر انها طرف في الحرب، ولكنها تحارب مع كل الأطراف ومنها سلطنة عمان وقطر.
تدعم قوات يمنية في مناطق حدودها مع اليمن قوات يمنية موالية لها وترفع شعاراتها كما ترفع شعارات الإمارات والسعودية قوات أخرى.
هذه الصورة البائسة للخارطتين السياسية والعسكرية طبعاً لا تجعلنا نيأس من أن السلام مطلب حقيقي للغالبية العظمى من اليمنيين.
عندما يطرح السؤال لصالح من السلام؟ نحن في الحقيقة نجيب ببساطة أن السلام لصالح من لا يحمل السلاح، ولكن كيف سيحقق من لا يحمل السلاح هذا السلام؟ نحن على أمل أن إراده الشعوب تنتصر دوماً وإن لم يحملوا السلاح.
السلام ليس لصالح القوات والميليشيات المتعددة سواء كانت الحوثية أو الميليشيات الاخرى لأن هذه القوات تحصل على دعم خارجي سخي من دول متعددة ومختلفة وأحياناً تظهر بأنها ضد بعضها ولكنها تدعم من الأطراف نفسها.
امراء هذه القوات وتجارها صاروا امراء حرب وتجار حرب، وبالتالي صار اقتصاد الحرب، هو الاقتصاد الاساسي في اليمن في كل المناطق ولاسيما في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، لا تدخل حتى السلع التجارية الى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثي الا عبر السوق السوداء وتجارة السوق السوداء بما في ذلك الإغاثة والمساعدات.
المناطق الاخرى أيضاً يتواجد فيها اقتصاد الحرب على قدم وساق وهناك تجار معروفين وليسو طرف في الحرب ولكنهم يمارسون اقتصاد الحرب وبعضهم أيضاً من المناصرين لشرعية الدولة.
هناك أمر مهم وهو ربط الملف اليمني بالصراع الإقليمي.
ثمة ثلاثة مشاريع متنافسة على العالم العربي وانتم ربما تعلمونها أكثر مني وربما البعض لديهم مسلمات بأن بعض الدول ليست ضمن هذا التنافس و لكني أنا حسب قناعتي وبحكم عملي كباحث أرى أن هذه المشاريع الثلاثة هي مشاريع ليست متصارعة، وإنما هي متنافسة للسيطرة على العالم العربي بعربه و امازيغيه وكرده، أي بأممه الثلاث، هذه القوى الإقليمية تسعى الى إستعادة امبراطوريات مندثرة ومن ذلك الإمبراطورية الفارسية العقائدية لأن ايران الآن شعوب متعددة ولم تعد هناك دولة فارسية، ولكن عقائدياً يجري دعوة الناس لإحياء هذه الإمبراطورية – إمبراطورية فارس.
اردوغان أيضاً ونظامه في تركيا يسعون لإحياء العثمانية العقائدية وهذا الأمر أعتقد أنه واضح مما يجري في سوريا وليبيا، فتركيا تستضيف المعارضين المتساقطين جميعهم وبتمويل قطري، وبالتأكيد هؤلاء ينتمون الى الجماعات الإسلامية في الغالب وجميعهم هناك يمتلكون محطات تلفزة ويمتلكون المستشفيات والمدارس والمعاهد هؤلاء جميعاً متواجدون هناك.
والى جانب أن هذه القوات والتشكيلات الغير خاضعة لوزارة الدفاع الشرعية، لكن هذه التشكيلات المتعددة تسيطر على الأرض ومن ثم تسيطر على الثروة ولهذا تتمسك وبشده بالسيطرة على ماتحت يدها من أراض، وللحقيقة ليس ثم جهداً ملموساً من السلطة الشرعية لإنهاء هذا الشتات، وهي الجهة الشرعية التي يفترض بها النهوض بهذه المهمة.
هذه العوامل الى جانب عوامل أخرى، هي معوقات للسلام وأنا اوردها ليس من قبيل إستبعاد السلام ولكن من قبيل المعرفة بالصعوبات والمعوقات.
معوقات تحقيق السلام
هناك من وجهه نظري ثلاثة معوقات رئيسية لتحقيق السلام على المدى القصير:
المعوق الأول
معوق إيديولوجي يتمثل بإيديولوجية الحوثي القائمة على التمييز وإدعاء الحق الإلهي في الحكم هذا الحق الإلهي في الحكم يتكئ على السامية – الإبراهيمية العقائدية بإعتبارهم من ذرية إبراهيم وأنهم مصطفون من الله لإن الله أصطفى إبراهيم وذريته، ويدّعون الإنتماء الى العائلة الدينية لـ إيل بإعتبارهم كما يدعون من بني إسماعيل وهذا إدعاء يماثل إدعاء بني إسرائيل، والمنطق البسيط يقودنا إلى أن إدعاء السيطرة على العالم يتكئ على نفس القواعد وعلى نفس الإيديولوجيا – السامية – الإبراهيمية العقائدية، وهذا الأمر يجعل إختيار السلام أمر صعب حتى على قيادات هذه الحركة وهذه الجماعة، بسبب أنها تجند عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف وقد قُتل عشرات الآلاف منهم في سبيل هذه الإيديولوجيا وهذه الخرافة والحق الإلهي في التفرد في الحكم بسبب النسب وبسبب السامية العقائدية.
المعوق الثاني – ويتمثل بإقتصاد الحرب وسبق أن أوضحت هذه النقطة.
المعوق الثالث – ويتمثل بتعدد القوى العسكرية و حرب الكل ضد الجميع وأيضاً سبق وأن أوضحت هذه النقطة.
هذه العوامل تتشابك مع العامل المركب والمعقد والمتمثل بالحروب الإقليمية في اليمن وهي حرب متعددة تشارك فيها دول الجوار إلى جانب إيران وتركيا وإسرائيل.
ولعل الدور التركي كما هو الدور الإسرائيلي ليس ظاهر للعيان حتى الآن ولكنه دور موجود بالتأكيد دور خجول ولكنه سيبرز كلما إستمرت الحرب، لإن المشروع الإسرائيلي هو المشروع الأصيل المنافس الأول للسيطرة على العالم العربي بالأيديولوجية السامية العقائدية و بدأت تبرز ملامحه بإقام علاقات جديدة مع بعض الدول العربية ومنها دول في الخليج العربي وهذا سيجعل إسرائيل أيضاً ذات تأثير لا يقل عن تأثير إيران في اليمن.
تأثير تركيا الى الأن هو لايزال يمارس بصورة غير مباشرة وذلك عبر دولة قطر وعبر الموالين لها المتواجدين في تركيا.
في نهاية هذه الفقرة أود الوقوف على توضيح لازم، فيما يتعلق بمقولة التناقض الرئيسي والتناقض الفرعي أو العدو الأول ( فمقولة التناقض الجوهري أو الرئيسي هي من حيث المبدأ مقولة صحيحة ولكن بمضمون نسبي متغير بتغير الظروف والأحوال وليست ثابتة المضمون على مر الدهور والعصور، فالخصم أو العدو الأول في السبعينيات والثمانينيات ليس بالضرورة أن يكون هو العدو اليوم، والصديق والحليف حينذاك ليس بالضرورة أن يكون هو العدو اليوم، وهذا ماينطبق على إيران والمميلكة العربية السعودية اليوم، والتناقض الجوهري اليوم بين مصالح شعوب العالم العربي ليس مع مصالح إسرائيل فحسب، وإنما مع مصالح إسرائيل وإيران وتركيا بمستوى واحد، لأن للدول الثلاث ثلاثة مشاريع متنافسة وصراعها محكوم، بالدرجة الأولى بهذا التنافس، وماتفعله السياسة الإيرانية والتركية بشعوب العالم العربي لا يقل عدوانية عمّا تقوم به إسرائيل، بل إن إستخدام إيران وتركيا الإسلام والمذهبية والسلالية ونشر الخرافة يجعل قدرتهما أكبر في تأثير على أبناء الأمة العربية وتمزيق العالم العربي على أيدي أبناءه وإنزلاقه إلى حروب أهلية طائفية – مذهبية وسلالية، كما هو حاصل في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وليبيا، ونفس التمزيق طال فلسطين والقضية الفلسطينية وسلطته بين غزة والضفة ويمثل هذا الإنقسام على وجه التحديد ثمرة من ثمار تعاون الدول الثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا.
وإذا أخذ مفهوم الرجعية والتقدمية ينطبق عليها مبدأ النسبية أيضاً والتغير بتغير الزمان، فلو أخذنا المملكة العربية السعودية نجدها اليوم تختلف جوهرياً فيما يتعلق بمسألة التقدم الاجتماعي فيما إذا ماقارنا فيما كانت عليه في القرن الماضي واليوم، فالمسألة الاجتماعية تشهد تقدماً ملموساً وتغيراً جذرياً ولم يعد من المنطق أن يطلق على الدولة السعودية بالمفهوم الاجتماعي الدولة الرجعية، وأعتقد أن إلصاق هذا الوصف بالدولة السعودية بمطلقه يعبر عن المشاعر المكتسبة من الماضي وليس عن الواقع وهذا لا يتفق مع المنهج المادي الدياليكتيكي الذي نعتمده معاً، وهو مشترك بيننا، بينما الدولة الإيرانية تمارس اليوم رجعية كاملة فيما يتعلق بالمسألة الاجتماعية، فكيف تكون إيران تقدمية بالمطلق في نظر بعض اليسار والسعودية رجعية بالمطلق أيضاً ).
اليسار بين التشريد والتدجين
سوف أنتقل في الحدث إلى أزمة اليسار وفي هذا الجانب أنا لا أعطي لنفسي مهمة سبر غورهذا الجانب ومن يستمع الي هو أجدر أن يتحدث عنه، ولكني سأدلي بدلوي وبصورة سريعة وقصيرة والمتمثلة بأزمة اليسار العربي أسباب ومآلات وكيفية الخروج من الأزمة:
حول الأسباب الخارجية استمعنا في جلسة الحوار الماضية ماطرحه الأستاذ فهمي شاهين عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وأنا أتفق مع الأستاذ فهمي جملة أما التفاصيل قد نختلف حول بعضها.
وسأتناول هنا إضافة إلى ماطرحه الأستاذ فهمي نقطتين:
النقطة الأولى
هي عدم تصور اليسار العربي لإمكانيه سقوط الإتحاد السوفيتي، هذا تصور جعل سقوط الإتحاد السوفيتي خضة كبيرة وصدمة جماعية لليسار العربي وربما جعل البعض من القيادات تتراجع الى الخلف وعدم التصدي لمهام القيادة التي يتطلبها التغيير وفقاً لما أحدثه سقوط الإتحاد السوفييتي من تغييرات على الصعيد النظري والعملي، وهذا الأمر بالتأكيد كان له كبير الأثر على تشجيع القوى الأخرى للنهوض وهي قوى الإسلام السياسي، وأتذكر اني دُعيت في العام 83م و قُبيل حرب اليمن الى السودان من قبل الدكتور حسن الترابي وكانت تشارك في الندوة كل مراكز الأبحاث التابعة للإخوان المسلمين في أوروبا وكانوا يهللون ويكبرون لسقوط الإتحاد السوفيتي وكان عددهم يفوق 400 مشارك وكان بينهم شخصان هما سفير أردني سابق لدى الإتحاد السوفيتي وأنا، من كان لنا رأي آخر ومن قلنا لهم أنكم سوف تدفعون ثمن إختلال هذا التوازن العالمي كما ستدفعه أمتنا العربية.
على اي حال أنا أعتقد ان لسقوط الإتحاد السوفيتي تأثيراً كبيراً على تراجع دور اليسار في عالمنا العربي.
النقطة الثانية
الثأر ضد اليسار العربي من القوى التي عاداها اليسار العربي لصالح خصمها وهو الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا والغرب إجمالاً، هذه الدول كما نعلم أنتقمت أشد إنتقام من اليسار.
بدأ هذا الإنتقام بالحزب الإشتراكي اليمني ثم العراق ثم ليبيا، وربما كان اليسار كل ما يضرب جزءاً (انا سأوضح السبب انني اتكلم عن ليبيا والعراق كيسار فيما بعد) من اليسار يسر به الجزء الآخر ولاسيما ممن كانوا قد عانوا من دكتاتورية صدام حسين والبعث في العراق ومن دكتاتورية القذافي، لكنهم لم يحسبوا حساب بأن هذا خسران على اليسار وليس إضافة اليه.
وسأتحدث هنا عن العوامل الداخلية التي لم يتحدث عنها الأستاذ فهمي وسأوجز وبشدة.
أنا أتحدث هنا عن اليسار العربي بمعنى واسع اقصد به الأحزاب الاشتراكية الأممية سواء سميت أحزاب شيوعية أو أحزاب اشتراكية والأحزاب الاشتراكية القومية سواء سميت بعثية أو ناصرية اوغيرها من المسميات والجماعات العلمانية أياً كانت مسمياتها.
أعتقد بأن هذه القوى هي القوى المنوط بها النهوض بعالمنا العربي وتحديثه وتحقيق العدالة لشعوبه وإنهاء دولة ما قبل القانون واللامواطنة، وإقامه دولة المواطنة والعدل والمساواة والشراكة.
و برأيي أن من أهم أسباب أزمة اليسار العربي إنقضاض الأحزاب الحاكمة على الأحزاب المعارضة أي إنقضاض اليسار على اليسار وهذا كما تعلمون أكثر مني حدث في مصر و حدث في الاردن و حدث في سوريا وحدث في كثير من البلدان وبعضه حدث مباشرة بضرب هذه الأحزاب وبالذات الأحزاب الشيوعية وإعتقال أعضاءها وإيداعهم السجون والمعتقلات وتشريدهم، واتذكر عندما كنت طالباً في موسكو كان معظم مدرسي جامعة عدن هم من الأساتذة العرب من الشيوعيين العرب من العراق ومصر وفلسطين والاردن والجزائر وغيرها، وكان زملاءنا من هذه البلدان عندما يحصلون على شهادة الدكتوراة تكون وجهتهم التلقائية عدن للعمل في الجامعة.
وبمعنى آخر إن اليسار شُرد ويسار آخر لم يُشرد ولكنه دجن وأعتقد أن هذا ينطبق على النموذج السوري وهو كان اسوأ من الإعتقال والتشريد.
هذا الأمر صب في مصلحة تعزيز الأحزاب الدينية أو الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي صعدت وفي بلدان مهمة مثل مصر والعراق واليمن والجزائر ولبنان وفلسطين وانا أقول انه ربما بعض من يستمع الي لن يتقبل مني المساس بالثوابت وهي ليست ثوابت وبالأصل فأن الثابت الوحيد هو المتغير، لقد كان ضرب اليسار من قبل اليسار بعالمنا العربي يصب جملة وتفصيل لصالح الأحزاب الدينية ولصالح تدخل الدول الأجنبية ومنها إيران وتركيا وهو التدخل الذي قسم فلسطين إلى غزة وضفة وقسم العراق وسوريا واليمن إلى سنة وشيعة.
الأمر الثاني وتمثل بتفكك الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والقومية ولاسيما في سوريا ولبنان والمغرب وتونس وفلسطين وصارت بعض هذه الأحزاب أحزاب مجهرية.
اليسار العربي ترفع عن قضايا تتعلق بالناس، مثل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن الغرب يتبناها ولو دققنا في الأمر سنجد أن الغرب تبني جزءً من حقوق الإنسان، تبنى الحقوق المدنية والسياسية فقط ولم يتبن كل حقوق الإنسان أي لم يتبن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الا في نطاق ضيق ومحدود، ولو رجعنا الى بيان الحزب الشيوعي سنجد أن ماركس وانجلز قد اوردا نصاً على رفض كل أنواع الإستغلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي بمعنى أن أحزاب اليسار أولى أن تدافع عن حقوق الإنسان كافة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ولا نترفع عنها من منظور إيديولوجي بحجة أن الإمبريالية العالمية تروج لحقوق الإنسان والديمقراطية.
هذا الأمر ربما جعل الشعارات بعيدة عن المصالح المباشرة للإنسان وربما جعل جزء مهم وهو الجزء النشط من أحزاب اليسار يذهب للعمل في مؤسسات المجتمع المدني غير السياسية التي تعمل في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان والإبتعاد عن أحزابهم، بل ومعاداة البعض في أحزابهم لهم من قبيل الحسد الشخصي على مايحققه من نجاح بدل من الإستفادة من نجاحاتهم.
ثمة أيضاً عامل آخر ويتمثل بتداخل العوامل والأسباب الداخلية والخارجية وهنا سأتحدث عن مثال اليمن لكي اذا قلت شيء مغضب لا يتعداني و زملائي اليمنيين.
في اليمن جرى إضعاف اليسار بتحالف داخلي ودولي بالحرب كما أشرت في السابق وكان هذا التحالف ضد الحزب الاشتراكي اليمني وهناك أحزاب من اليسار ربما كانت تستطيب ذلك لأنها تعتقد أن إزاحه الاشتراكي ستخلي لها ساحة اليسار وإعتقد كل حزب أنه سيصير الحزب اليساري الأول، ولكن لم يصل أي من هذه الأحزاب الى الصدارة وظل الحزب اليساري الأول على الرغم من ضعفه هو الحزب الاشتراكي.
العراق وليبيا وحزب البعث في اليمن وقفوا الى جانب الحرب ضد الحزب الاشتراكي اليمني وهذا ايضاً يُظهر بأن اليسار العلماني، اليسار المادي، بما في ذلك، حزب البعث الذي سنجد في ادبياته كثيراً من المداخل العلمية لدراسة الظواهر نجده لم يدرك بأن مصيره هو مصير اليسار لأنه ايضاً مطلوب رأسه للثأر منه بإعتباره كان خصماً للغرب المنتصر وصديقاً لخصمه المهزوم الإتحاد السوفيتي.
بيد أن كلامي هذا لايعني أنني بدون أمل للإنتصار، لا، فأنا لدي الأمل بعودة زخم اليسار، إذ أن اليسار في العالم يتقدم ويتولى الحكم في أكثر من بلد في أمريكا اللاتينية، وآخر انتخابات في المانيا فاز فيها بالأكثرية الحزب الاجتماعي (الاشتراكي) الألماني، ومُنع الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية من الحصول على الأغلبية بتدابير إستثنائية إتخذتها السلطة الحاكمة، وهو مؤهلاً للفوز وإحتلال المركز الأول في أي انتخابات قادمة لا تُتخذ فيها إجراءات إستثنائية لمنعه أو فشل الإجراءات الإستثنائية للحيلولة دون فوزه، غير أن إستعادة اليسار العربي لدوره ولاسيما اليسار الاشتراكي يتطلب التخلي عن الترفع عن إحتياجات شعوب العالم العربي إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والجمع بين الإيديولوجية الاشتراكية والديمقراطية، وتحديد أولوياته بعيداً عن المشاعر الغاضبة وعن مسلمات لم يعد لها ما يدعمها في الواقع.
فعل القوة زمنه ومداه محدودان
وأقول بالنسبة لليمن الى اين؟
اقول هناك رؤية متكاملة لحل الأزمة اليمنية والعودة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة الدولة الاتحادية وهي رؤية متجسدة في وثائق أساسية ومتوافق عليها بين كل القوى الأساسية، بما في ذلك القوى المتحاربة اليوم.
أما فعل القوة، فالتاريخ يعلمنا أن زمنه ومداه محدودان ولا يمكن أن يستمر الى مالا نهاية، هذه الرؤية والوثائق تمثل عقد اجتماعي جديد لليمنيين وأهمها وثائق أربع:
المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها:
المبادرة الخليجية هي الوثيقة الأولى التي تقدمها دول مجلس تعاون دول الخليج العربية وهذه الدول قدمت المبادرة ووضعت الحل وهو العملية الديمقراطية وعبر الإنتخابات التنافسية التعددية و تسليم الحكم لمن يفوز في صندوق الإقتراع وهذا ربما كان يمثل أحد نجاحاتنا على صعيد الجزيرة العربية ونجاحنا في الدعوة للديمقراطية والتداول السلمي السلطة.
مخرجات الحوار الوطني
مخرجات الحوار الوطني فصلت كل ما يجب أن تكون عليه الدولة والمجتمع في المستقبل وكل ما يجب أن يكون عليه الفكر والثقافة المجتمعية في المستقبل أيضا.
قرارات مجلس الأمن
وهي القرارات المجمع عليها حتى اليوم، على الرغم من التعارضات بين الصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من ناحية أخرى الا أن مجلس الأمن مازال مجمع عليها، واذا وصلت الدول المتنافسة الى أن إستمرار الحرب في اليمن غير مجد لها في النهاية يمكنها حينئذ المساعدة على العودة الى طاولة الحوار وحل النزاع.
اتفاق الرياض
لدينا إتفاق جزئي ولكنه غاية في الأهمية وهو إتفاق الرياض.
اتفاق الرياض يمنع الحروب المتعددة ويمنع الحروب في مناطق الجنوب والمناطق الوسطى من اليمن وهذا الاتفاق حقق الجزء الاول منه بتشكيل حكومة إئتلافية من الأحزاب السياسية الموالية وغير الموالية للرئاسة، و لكن الجزء الأهم منه هو تطبيع الأوضاع الأمنية والمتمثل بدمج القوات المتعددة الموجودة في تلك المناطق، سواء في الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الوسط في ضمن قوة السلطة الشرعية وتكون تابعة لنظام وزارة الدفاع والحكومة الشرعية.
شروط السلام
نسيت أن أذكر بأن أهم من المبادرة الخليجية هي آلية تنفيذ العملية الإنتقالية، إذ رسمت التفاصيل الكاملة لعملية الإنتقال الديمقراطي حتى إجراء الانتخابات وإقامة الدولة الإتحادية.
أتت مخرجات الحوار لتفصل المفصل ولا تترك شاردة ولا واردة الا ونصت عليهاونحن كحزب اشتراكي يمني لدينا أيضاً رؤية إجرائية عملية حول توفير شروط السلام واطار عام لمفاوضات السلام وللإتفاق الشامل للسلام بما يجعل لكل الأطراف مصلحة في السلام وهذه الرؤية مع الأسف كنا سعينا الى أن تتحول الى رؤية للتحالف الذي ننتمي اليه وهو التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية اليمنية، ولكن القوى المرتبطة بالرئاسة وبفعلها وجوداً وعدماً منعت الاتفاق على هذه الوثيقة واشترطت أن تشارك فيها الرئاسة والحكومة فأُعيق مناقشة الوثيقة والتوقيع عليها من قبل أحزاب التحالف، وأقرت فقط من قبل الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري ولازلنا مستمرين بمطالبة الأحزاب الأخرى بمناقشتها والإتفاق عليها معهم.
في الأخير وفي عبارة أخرى أقول أن الشرط الأساس للسلام هو أن يجد الحوثي وأن تجد إيران نفسيهما أصحاب مصلحة في السلام وليس في الحرب وأن السلام صار ضرورة لهما وليس الحرب.
وعند ردوده على الأسئلة الموجهة إليه من قبل بعض المشاركين عن النقابات ومؤسسات المجتمع المدني ؛ والمرأة ودورها في الحياة السياسية ؛ ومشاركة الاشتراكي في الحكومة وعلاقته بالمملكة العربية السعودية ؛ وعلاقة الحزب بالانتقالي كان القيادي الأشتراكي محمد المخلافي حصيفا ومرنا وأكثر واقعية.
وفيما يلي خلاصة ردوده :
فيما يتعلق بالنقابات الواقع أن النقابات والمرأة والشباب هذه ثلاثة قطاعات كان لها دوراً مهماً في مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته ووثيقته النهائية، وكان لهذه القطاعات تأثيراً مباشراً وربما كانوا النصير الأول لرؤى الاشتراكي اليمني، ولهذا إنتصرت رؤى الاشتراكي اليمني مع أننا كنا نمثل 8% من عدد المؤتمرين و كان عددهم يفوق الخمسمائة وبفضل موقف المرأة والشباب ومنظمات المجتمع اليمني غير السياسية تجسدت الرؤية التقدمية للحزب الاشتراكي اليمني وتغلبت على الرؤى غير التقدمية.
حالياً في الواقع منظمات المجتمع المدني غير السياسية يكاد يكون انتهى دورها المستقل والفاعل بفعل الحرب والعنف.
إتحاد العمال هو ليس مع الإنقلاب ولكن ليس له مواقف مشهودة بإتخاذ مواقف عدا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي عندما يكون هناك اجراء في صنعاء أو في عدن يعترض عليه (إجراء يعتبر بأنه ضار بالقوى العاملة، أو بالمجتمع أو بالتجار) وما عدا ذلك لا نسمع له رأي.
المرأة لعبت دور مهم جداً في مؤتمر الحوار لأن لها كان دور رئيس في الثورة السلمية، وكانت تتقدم الشباب الذين كانوا يقتلون، وكان الشباب يقتلون من الخلف والنساء في الأمام، وتواجدن لما يقرب من سنة في الساحات العامة.
تعاني النساء الآن في صنعاء معاناة شديدة جداً، لأنه شُكل جهاز خاص لقمع النساء وسمي بـ «الزينبيات» و هناك تقرير دولي بإمكانكم الرجوع اليه، يظهر أن العنف ضد المرأة وصل إلى إعتقالهن من أجل التربح بتيسير إغتصابهن أو من أجل الحصول على أموال مقابل الإفراج عنهن، وبالتالي فأن الناشطات في صنعاء لا يجرؤن على الحديث أو الظهور بمظهر معارض، لكن خارج صنعاء هناك عدد كبير من الناشطات ومنهن يعملن في الهيئة الاستشارية لمكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن وضمن مخرجات الحوار الوطني إلتزمت القوى السياسية والاجتماعية بأن تشغل المرأة كحد أدنى 30% من كل هيئة من هيئات الدولة سواء كانت الهيئات المعينة أو المنتخبة وسواء كانت الهيئات الدنيا أو الهيئات العليا.
لسنا مع إغتصاب السلطة
انا لن ارد على وجهات النظر فصاحب وجهة النظر له وجهة نظره لا يقنعني ولا اذهب انا لأقناعه (هذه مسألة اعتقد مسلم بها).
انا سأقوم ببعض التوضيحات وابدأ من السؤال الاخير مغريات الوزارة:
بالمناسبة عندما قام الإنقلاب وتم الإستيلاء على جزء من اليمن والعاصمة نحن كنا في الحكومة وأعتبرنا هذا الإنقلاب إنقلاب على مشروعنا مشروع التغيير وإقامة الدولة الإتحادية الديمقراطية دوله المواطنة، وكنت شخصياً في الحكومة وغادرتها بعد الإنقلاب بأربعة أشهر، فإذا كنتم تعتقدون أننا نلهث وراء حكومة وأن الحكومة تزيدنا شيء لكنت باق اليوم في الحكومة .
أولاً نحن نتمسك بمشروع الدولة وأي إعتداء على مشروع الدولة وتبقى كل الإعتداءات الأخرى بسبب هذا الإعتداء، أي أن العدوان الداخلي على اليمن كان سبباً في التدخل الخارجي، والحوثي اعتدى على مشروع الدولة، وبالتالي أتت التدخلات الخارجية والإعتداءات الخارجية نتيجة هذا الباب الذي فتحه الحوثي دون مواربة.
نحن مع الدولة ومع الإنتقال السلمي للسلطة ولسنا مع إغتصاب السلطة من أي طرف كان، نحن مع المساواة ولا يمكن ان نكون مع اي طرف يدعو للتمييز العنصري مهما كان له من محبين في اليمن او غير اليمن وحتى في فلسطين اوغيرها نحن نرى أن هذا المشروع عنصري ولا يمكن أن نجاريه أو أن نقبل به.
كل واحد منكم يتحدث وربما أنه لا يتصور المشكلات التي يمكن أن يواجهها هذا الموقف أو ذاك في الحزب الإشتراكي اليمني؛ في حالة الدعوة للقبول بالإنقلاب أو الطائفية أو التمييز العنصري أو التحيز لإيران: (بعض مما سمعت يقوم على الظن والتخمين وعلى إفتراضات غير حقيقية؛ مثل: أن إيران دولة تقدمية وأن الحوثي تقدمي ولايزال فقيراً كما كان حال وأحوال أتباعه قبل الإستيلاء على العاصمة وأن الحزب الاشتراكي حزب صغير لا يؤثر على الأحداث ولا يتأثر بها ومرد هذه الإفتراضات هو القصور أو الإفتقار الى معلومات ومعطيات حقيقة.
أعضاء ومنظمات الحزب الاشتراكي موجودون في كل محافظات اليمن في كل مدينة وقرية التي تحكمها السلطة الشرعية أو تحت سيطرة الحوثي وبالتالي لا يمكن للحزب الحياد أو الوقوف بعيداً كالمتفرجين، هذا يعني اننا لا نتخلى عن الدفاع عن أعضاءنا حيثما نستطيع ونحن لا نستطيع أن ندافع عن حزبنا وأعضاءه إلا سياسياً، لأننا لا نحمل السلاح، كنا نحمل السلاح ولكن تخلينا عنه في الوقت ربما الخطأ هذا هو الحاصل، وبالتالي اشتراكنا في الحكومة كان الهدف الأساسي منه العمل على إستعادة السياسة والعمل السياسي ودور الأحزاب السياسية كنا نعلم أن هذه الحكومة أول ما ستواجه من مشاكل او إعاقات ستواجهها من اطراف الإئتلاف الحكومي نفسه، وأكرر أن الرغبة الأولى لمشاركتنا في الحكومة هي أن نتمكن من العمل على تشكيل حكومة مدنية لا تخضع للرغبات وتعود لتعمل في العاصمة المؤقتة عدن و تستطيع أن تواجه مشكلات الناس الحياتية اليومية التي تؤدي ليس الى المعاناة فحسب، بل وتؤدي الى الموت وهذه غايتنا، وغايتنا الثانية أن نكون في مكان نستطيع أن نؤثر فيه على القرار.
نحن حزب سياسي متواجد في كل البلاد وعدم قدرتنا على أي تأثير في القرار يجعلنا حزب ليس فاعلاً حتى على الأقل من منظور أعضائه ومحبيه.
ولقد قلت في بداية حديثي أنه في ظل الحرب تهمش السياسة وربما أن بعض الرفاق قد إستفزته اطروحاتي ومساسي بالمسلمات ولم يسمع ما أقوله، وأنا قلت منذ البداية ليس السياسون هم من يقررون اليوم، من يحمل السلاح هم من يقررون وبالتالي السياسة مهمشة وكلما استطعنا أن نخطو خطوة واحدة لإستعادة السياسة نكون نجحنا خطو نحو تطبيع الحياة والعودة الى طريق السلام.
السلام الذي نسعى اليه هو السلام الذي يحقق المشروع المستقبلي وانا تحدثت ربما بوضوح لدينا مشروع مستقبلي شامل وجامع، وهي وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل التي وافقت عليها كل الأطراف بما في ذلك الأطراف المحاربة والتي فجرت الحرب.
أعتقد أنني قلت هذا بوضوح وهذا هو مشروعنا وهو مشروع تبنى اكثر من 80% مما كنا نطرحه، قبل وأثناء المؤتمر وضمن ذلك في وثائقنا الرسمية وليس قول مرسل للإعلام أو أنه كلام في الإعلام، ووثائقنا موجودة وهذا ما نتبناه سواء في ما يتعلق بالدولة الإتحادية أو في ما يتعلق برئاسة الدولة وتداول السلطة او في ما يتعلق بالمواطنة أو في العدالة الاجتماعية وغيرها من الأمور.
وبإمكان من يطلع على وثيقة الحوار، وهي موجودة على الإنترنت وبالإمكان إخراجها وقراءتها وسيجد فيها المعلومات التي توجد التصور الحقيقي حول الصراع الدائر في اليمن أما إذا كان المراد أن يكون المدخل هو الحديث عن الصراع الطبقي ربما لن يجد هذا الأمر فيه.
هذه الوثيقة، لأنها وثيقة توافقية وتجسد مشروع المستقبل لجميع اليمنيين، وبكل وضوح نحن نعتبرها مشروعنا والإعتداء عليها نعتبره إعتداء علينا ونحن نتمسك بالدولة أياً كان الأمر، والدولة خيراً من المليشيات سواء كان ذلك في اليمن أو العراق، ولا أعتقد أن الدولة في العراق لا تستحق أن يكون لها أولوية عند الشيوعيين وأن يدعموا تواجد الدولة بدلاً من المليشيات المتعددة في العراق ونفس الشيء أيضاً بالنسبة لنا في اليمن، وهو مانفعله في اليمن ويفعله الحزب الشيوعي العراقي في العراق، ولا أدري ماهو المستغرب لدى رفيقنا ممثل الحزب الشيوعي العراقي.
فيما يتعلق بـ أخطاء الحزب الاشتراكي اليمني، حسب اطلاعي لا يوجد إلا إعتذار واحد من الأحزاب الشيوعية العربية وهو إعتذار صدر عن الحزب الشيوعي اللبناني في عشرينات القرن الماضي ولا أذكر عن ماذا إعتذر ولكنه أعتذر عن خطأ إرتكبه حينها، نحن في الحزب الاشتراكي اليمني إعتذرنا غير مرة وجلدنا أنفسنا أشد الجلد على ما حدث من صراعات فيما بيننا واضرينا أنفسنا والمجتمع، وأكثر من ذلك النقد لن يؤدي إلا الى فقدان الغيرة على ذاتنا الشخصي والحزبي.
في ما يتعلق بالسعودية: الحزب الاشتراكي اليمني هو حزب اشتراكي ديمقراطي، أي يجمع بين الاشتراكية والديمقراطية، والان هناك أحزاب شيوعية عريقة صارت تجمع بين هذا ولو اطلعتم على البرنامج الإنتخابي الأخير للحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية ستجدون هذا الجمع واضح تمام الوضوح في برنامج الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية.
وطالما نحن كذلك نحن نعطي للسياسة أولوية وليس مجرد نضال في الفراغ، والنضال الذي نستطيع أن نصل به خطوة للتأثير على الواقع يجب ان لا نتخلى عنه، حتى ولو كان ذلك مع خصومنا، واليسار عمل مع الأحزاب الدينية، من قال إنه لم يعمل مع الأحزاب الدينية، في أمريكا اللاتينية عمل لمدة سنوات مع الكنسية.
الجزء الاقوى في الجنوب
فيما يتعلق بالمجلس الإنتقالي الذي أعلن عن تأييده للإمارات في ما يتعلق بالإعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها، هذه قوى أخرى وليست جزء من الحزب الاشتراكي، وهو جزء من القوات الجنوبية وهو جزء عسكري بدرجة اساسية، ولكنه الجزء الاقوى لسبب بسيط ان لديه تشكيلات مسلحة، ونحن نسعى الى ان هذه القوى ترشّد مواقفها وان تصير قوى نظامية .
ونحن ليس مطلوب منا تأييد سياساته ومواقفه أو معاداته وسنسعى للحوار معه إن أستطعنا الحوار معه وان استطعنا ان نثنيه عن بعض مواقفه سنبذل جهدنا ونرجو أن يتحول للعمل في حقل السياسة وأن يُعلن كحزب سياسي.
أكرر أن الحزب الاشتراكي اليمني حزب سياسي طموح وطموحنا مشروع، أن نصل بالسياسة الى ما نطمح اليه.
الملاحظة الأخيرة فيما يتعلق بالسعودية: نحن نسعى أن نمارس سياسة واقعية ومبدأية ما امكننا ذلك، ليس لكي نكون فاعلين فحسب، ولكن لكي نجنب اليمن الإنزلاق الى الحرب أو الإستمرار فيها كما هو الحال اليوم.
وانا قلت في البداية ان السعودية لعبت دوراً محورياً في تجنيب اليمن الإنزلاق الى الحرب عام 2011م وهذا أمر يحسب لها، والسعودية عام 1994م وعلى الرغم من خصومتها مع اليسار ومع الحزب الاشتراكي اليمني حينئذ على وجه الخصوص، لكنها تعاملت كدولة كبيرة لم تكن طرف في الحرب ولم تدعم الحرب لا مادياً ولا معنوياً ضد الحزب الاشتراكي اليمني، وقبل هذا وبعده نحن عبرنا عن رؤيتنا وأعلناها صريحة للجميع بأننا لنا خياراتنا ويجب أن تُحترم هذه الخيارات سواء كانت خياراتنا الحزبية او الوطنية، ونحن نحترم أيضاً خيارات الآخرين وبالتحديد قلنا بإننا نحن والمملكة العربية السعودية وعمان وبقيه دول الخليج نقع في مكان جغرافي واحد لم نختاره وإنما قدر لنا ان نكون فيه معاً، وبالتالي لا يمكن أن نكون أعداء الى مالا نهاية، فإذا كان هناك نظرة عدائية للسعودية نحن لا نشاركها ولكننا نتعامل معها حسب الموقف، الموقف الذي لا يتناسب معنا أو ضد مشروعنا نقول له لا، والموقف الذي يكون بالإتجاه الذي نسير فيه لماذا نقول له لا؟! ونحن على الرغم من أننا في التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية ولكننا نحن والتنظيم الوحدوي الناصري، في المواقف المتعلقة بالشرعية (السلطة الشرعية أما الشرعية فكلنا شرعية، كلنا في حكومة واحدة بموجب إتفاق سياسي يضم الجميع لكن أنا أقصد السلطة الشرعية)، أو تصرفات من الإمارات أو تصرفات من السعودية، نحن نصدر بيانات مستقلة اما بمفردنا كحزب اشتراكي او بالشراكة مع التنظيم الوحدوي الناصري: (لقد أكد الحزبان وبغير مناسبة الدعوة لحلفاء اليمن وأصدقاءها وأشقاءها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الى إحترام إستقلال اليمن وعدم المساس بسيادته وسلامة أراضيه وأن يكون التحالف في إطار المصالح المشتركة والعلاقات المتكافئة بغض النظر عن الفوارق في الإمكانات.
الحرب بالوكالة
صحيح أن لدول عربية خليجية مثل الإمارات وسلطنة عمان وقطر والسعودية أذرع مسلحة في اليمن تحارب في كثير من الأوقات بالوكالة عنها ولا تعمل دائماً وفق أجندة يمنية ولم ننجح في إقناع هذه الدول حتى الأن بالتخلي عن إيجاد قوى مسلحة منافسة للسلطة الشرعية لكن هذا لا يعني أنه ينبغي اننا نعلن حربنا ضد الآخرين ونحن بالأصل لسنا مؤهلين لمثل هذه الحرب، هؤلاء محاربون على الأرض بالسلاح وبرجال دين ونحن نحارب بالسياسة وبالكلمة وبحدود ما نستطيع ولكن في كل الحالات ليس لدينا موقف عدائي مطلق من السعودية أو غيرها من دول الخليج العربية وما تعمله خطأً نقول له خطأ وما تعمله صحيحاً نقول صحيح، أما مايقال في هذا اللقاء من زملائي المشاركين في هذا الحوار حول السعودية ودول الخليج الأخرى هي رؤاهم ومن حقهم الإحتفاظ بها وبالتصورات التي يرونها وانا احترمهم واقدرهم عليها على الرغم من إختلافي معهم، لكني ارجو أن لا يعتبرون ذلك الإقرار بحقهم نقيصة في حقنا طالما نحن لا نلتقي معهم، ولا نرى مايرون وليفترضوا أن مايرونه ليس قائماً على معرفة أو دراسة لما أفترضوه وإنما هي مجرد مشاعر للتعبير عن موقف ثوري يحترمون عليه.
اكرر هذا الرجاء لرفاقي الذين تحدثوا بحدة، وكأنني خصم لهم، وهذه الحدة سببها وجود مقولات جاهزة يعتبرون أن هذه المقولات اذا لم تتبعها فأنت خارج عن المسار.
نحن حزب اشتراكي ديمقراطي وسنظل كذلك ونحن رفاق لكم وكنا كذلك منذ ان اُنشئنا ومنذ أن كنا حكاماً أو معارضون منذ وليس من اليوم.
لا نستطيع أن نكون حزبا تبشيريا
فيما يتعلق بـ الإستراتيجية إستراتيجيتنا غاية في البساطة من الوضوح نحن لدينا رؤية وطنية شاملة نعتبرها هي مشروع الحزب الاشتراكي اليمني التي ناضلنا من أجلها منذ عام 1992م هذا المشروع تمثل في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ونحن عندما أقمنا تحالف لم نقم تحالف ديني نحن أقمنا تحالف بين أحزاب سياسية بغض النظر عن وجود أحزاب لها مرجعية دينية أو أنها أيضاً تستخدم الشعارات الطائفية والتحريض الطائفي.
نحن وضعنا برنامج سياسي تنفيذي في القضايا الراهنة والحالية وهي قضايا محددة بكيفية إمكانية العودة الى العملية السياسية وإستعادة الدولة و تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل وصولاً الى الإنتخابات العامة والتي بموجبها تقام الدولة الديمقراطية الإتحادية.
هذه الإستراتيجية لا أعتقد أن فيها غموض وأنا أقول لكم من جديد هذه الوثيقة منشورة وربما الكثير منكم ستقدم له الكثير من الأشياء المفيدة في حالة الإطلاع عليها وأدعوكم للإطلاع عليها؛ وهي ليست كلام مرسل وإنما هي مهام ورؤى وتصورات محددة، وهي وضعت بمشاركة قوى متعددة ومختلفة وأيضاً حتى بمشاركات خبرات دولية.
موضوع الطائفية:
نحن حزب يدعو الى المواطنة والمساواة هل يمكن أن نكون مع الطائفية؟!
لا أدري من أين أستنتج هذا هل يتصور أحد منكم أنني ادعو الى المواطنة والمساواة وعدم التمييز ثم آتي وادعو الى الطائفية؟! هذا أمر غير معقول.
وأيضاً المشروع الطائفي هو مشاريع وليس مشروع واحد ولا يظهر نفسه علناً بإستمرار خاصة بالنسبة للقوى المناهضة للحوثي؛ هي تظهر عبر الإعلام عبر ذبابها الإلكتروني لكنها لا تمارسه مباشرة كونها أحزاب سياسية ومسجلة بموجب القانون لإن القانون يحظر عليها هذا الأمر.
وعلى أي حال نحن نجتهد فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر، في كل الحالات نحن نجتهد حسب ما هو متاح أمامنا ونحن لا نستطيع أن نبقى مجرد حزب تبشيري كما هو حال بعض أحزاب اليسار، نحن حزب منذ وجد حكم ؛ ومنذ أن وجد كان مؤثر ومنذ أن عارض كان مؤثر، فلا نستطيع أن نكون حزب تبشيري فقط نقول رأينا ونمضي.
وبالمناسبة ومنذ أن اندلعت الحرب هيئات الحزب لا تجتمع لإن لجنته المركزية موجودة في كل محافظات اليمن ومن غير الممكن جمعها في مثل هذه الظروف ومكتبه السياسي موجود في كل اليمن و أمانته العامة جزء موجود في صنعاء وجزء في عدن و جزء في الخارج واليوم مات أحد أبرزهم وهو الأستاذ أبوبكر باذيب.
نحن عندما فقط نصدر بيان يجب أن نحسب حساب أن نحرض على منهم في صنعاء ويذهب الحوثي لإعتقالهم أو قتلهم ويجب أن نحرض على منهم في عدن لكي لا يذهب المتنفذون هناك الى اعتقالهم أو قتلهم من حملة السلاح ولكي نحرض على منهم في تعز والساحل الغربي لكي لا يذهب المتربصين بحزبنا الى مثل هذا الفعل ولكي لا يذهب الأخوان في مأرب والجوف وهكذا نحن نعمل في ظروف غاية في الصعوبة لو ارتكبنا حماقة او رعونة بسيطة يمكن ان نعرض أنفسنا للتفكك ويجب ان يفهم هذا من قبلكم إن أردتم طبعاً.
وفي ظروف المجاعة في اليمن الطبقة الوسطى التي ربما هي قوامنا هم من الموظفين ومنذ سنتين كانت الحكومة الشرعية تدفع لهم رواتب في كل اليمن وتوقفت رواتبهم في كل اليمن.
نحن نبحث عن حكومة تستطيع أن تدفع لهم رواتب من أجل ان يبقوا على قيد الحياة
فليس من السهولة أن أتخذ أي موقف.
بالمناسبة أنا نائب أمين عام ولكن لست سياسي محترف أنا محامي وأنا أستاذ جامعي أعمل وأعيش من دخلي وبالتالي اتكلم في السياسة من منظور المصلحة العامة وليس من منظور مصلحتي الشخصية يجب ان لا اقول لما يضر باليمن او ما يضر بالحزب الاشتراكي او ما يضر بأعضائه.