إقتصاد

مواجهة اقتصادية.. نقل البنوك إلى عدن بين جدية الحكومة ومخاوف مليشيا الحوثي

ريبون نيوز_ متابعات. السبت 20 أبريل 2024

في سياق المواجهة الاقتصادية بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي أصدرت الحكومة قرارا يقضي بضرورة نقل البنوك التجارية مقراتها إلى العاصمة المؤقتة (عدن) خلال ستين يوما.

هذا القرار، الذي يمكن وصفه بالكارثة بالنسبة لمليشيا الحوثي، جاء بعد إصدار الحوثيين عُملة معدنية جديدة بشكل غير قانوني.

بررت الحكومة قرارها بأنه لحماية البنوك من تدخل جماعة على قائمة الإرهاب، وهي التدخلات التي قد تؤثر على علاقة البنوك اليمنية مع البنوك الخارجية، وبالتالي إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد المتدهور أساسا.

مليشيا الحوثي وصفت قرار الحكومة بأنه خطوة تصعيدية وهروب من استحقاقات السلام، مطالبة السعودية بالتدخل لمنع تخريب خارطة السلام التي تسير عليها مليشيا الحوثي والرياض.

– للابتزاز السياسي فقط

يقول الصحفي والباحث الاقتصادي رشيد الحداد إن “قرار نقل البنوك لا يستهدف جماعة الحوثي -كما يتوقع بنك عدن- وليس له علاقة بأي صراعات أخرى”.

وأوضح أن القرار “يستهدف القطاع الخاص اليمني، خاصة وأن هذه البنوك هي قطاع من القطاع الخاص اليمني، الذي يعمل في مختلف المحافظات والذي غطى عجز الحكومة على مدى السنوات الماضية، وكان له دور بارز في تحقيق الاستقرار التمويني في ظل هذه الحرب الشعواء التي لا تزال تداعياتها مستمرة”.
وأضاف: “هذا القرار استند على ما سمي بقرار التصنيف الأمريكي بتصنيف حركة الحوثي ككيان معادٍ للولايات المتحدة الأمريكية، كما نراه نحن”.

وتابع: “حتى الولايات المتحدة الأمريكية عرضت على صنعاء (جماعة الحوثي)، قبل أسابيع، أن تتراجع، بمعنى أن هذا القرار هو قرار للابتزاز السياسي فقط تريد به الولايات المتحدة الأمريكية إخضاع جماعة الحوثي، أو محاولة وقف الهجمات العسكرية ضد السفن البحرية أو السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في إطار معركة إسناد غزة هذا جانب”.

وزاد: “أما الجانب الآخر، ربط هذا القرار بقيام جماعة الحوثي بصك فئة مائة ريال”.

وأوضح أن “صك المائة ريال جاء استجابة للسوق اليمني، نتيجة تراكم وارتفاع معدل التالف من العملة من هذه الفئة الوسيطة التي يتعامل بها معظم اليمنيين بشكل يومي، وكانت تتسبب بمشاكل اجتماعية من جانب، ومن جانب آخر بمشاكل لأصحاب المشاريع الصغيرة والأصغر”، حسب اعتقاده.

وأشار إلى أن “هذا القرار هو الثالث منذ العام 2019 حتى الآن، ولم ينجح على مدى السنوات الماضية في ظروف اقتصادية ربما كانت أفضل من هذه الظروف، أما اليوم فهذا القرار من الجانب الاقتصادي لا وجود لأي عامل موضوعي (له)”.

وقال متسائلا: “إذا كانت هذه البنوك خاصة، وتعمل في إطار أنشطتها الاقتصادية، فما الذي يدفع بنك عدن بعد ثماني سنوات إلى أن يقوم بفرض قرار يحاول من خلاله نقل مراكزها؟”.
وأرجع مسألة انزعاج جماعة الحوثي إلى أن “الحكومة شكلت من قِبل دول التحالف التي شنت حربا عدوانية على الشعب اليمني، وأن هناك تدخلات أمريكية واضحة في القرارات الصادرة عن البنك في عدن”.

وكشف أن “عملية صك عملة فئة مائة ريال من قبل جماعة الحوثي ليست سوى خطوة أولى، وهناك خطوات كبيرة -في حال تعثرت مساعي السلام”.

وقال -معتبرا هذا الكلام صادرا عن مسؤول رسمي: “نحن قادمون خلال الفترة القادمة -في حال تهرب الطرف الآخر من استحقاق السلام- على إيجاد بدائل لكل الفئات النقدية المتواجدة في السوق المحلي”.

وأضاف: “كما قاموا (الشرعية) بطباعة 5.2 تريليون، سنقوم بطباعة عملة قانونية حقيقية موازية للكتلة النقدية المتواجدة في العاصمة صنعاء والمحافظات، التي يعيش فيها 25 مليون نسمة، والسوق المالي يساوي أكثر من 70% وهم يعلمون ذلك”.

وتساءل: “من منح حكومة الطرف الآخر (الشرعية) أن تقوم بطباعة 5.2 تريليون ريال”.

– تأخّر كثيرا

بدوره، يقول الباحث الاقتصادي، حسام السعيدي: “هذا القرار تأخّر كثيرا؛ لأن بقاء سيطرة الحوثيين على القطاع البنكي أعاق عمل البنك المركزي في عدن، وأعطى للحوثيين أولوية في المجال الاقتصادي، أو في السيطرة على القطاع الاقتصادي بشكل كبير”.

وأضاف: “لماذا الآن؟ لأن القرار كان واضحا، هذه القرارات جاءت ضمن سلسلة من قرارات أخرى كثيرة، بعضها تم تأجيلها لأسباب مختلفة، سواء مراعاة للوضع الاقتصادي للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين، أو بسبب عدم وجود بيئة آمنة كانت في عدن، أو وجود تدخلات إقليمية تحاول -إلى حد ما- تدليل الحوثيين (حسب وصف محافظ البنك)”.

وتابع: “ولذلك حاليا أصبح الوضع مختلفا، البنك المركزي يمارس صلاحياته بشكل جيّد، المشاكل التي تتعرّض لها البنوك في صنعاء كثيرة، بعض البنوك تم التهجم عليهاوتم السيطرة على أموال من حسابات شخصية لدى البنوك، ومصادرة كثير من أموال المودعين لدى هذه البنوك وبشكل فج”.

وأشار إلى أن “الحوثيين استمروا في شن حرب اقتصادية رغم وجود هدنة عسكرية، ومحادثات للسلام”.

واستطرد: “لا يذكر الحوثيون محادثات السلام إلا حين تكون هناك إجراءات مضادة ضدهم، لكن حينما تغض الشرعية الطرف عن الإجراءات الحوثية يستمرون في عمل هجمات جديدة، إجراءات اقتصادية جديدة”.

وأعطى السعيدي مثالا ب”قرار الشبكة الموحّدة الذي صدر في ديسمبر عام 2022، وحينها أصدر الحوثيون قرارا على الضد منه”.

وقال إنه “نظرا لضغوطات دولية مختلفة، ورغبة في عدم الإضرار بالوضع الاقتصادي، تم التراجع عن هذا القرار، وتم استغلال هذه النقطة (من قبل الحوثيين) بأن هناك ضعفا من قِبل الشرعية، وأنها غير قادرة على اتخاذ قراراتها، فجاء هذا القرار الذي يتعلق بوقف البنوك التي خضعت لشروط الحوثيين”.

وأضاف أن “الشرعية أثبتت، من خلال هذا القرار (نقل مقرات البنوك إلى عدن)، أنها قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة جدا إذا أرادت ذلك”.

وبيّن أن “الحوثيين خضعوا في النهاية للقرار (الأول)، وسمحوا بوجود الشبكة الموحّدة هذا من جانب”.

واستطرد: “من جهة أخرى، بادر الحوثيون إلى تعميد الانقسام الاقتصادي، وحاولوا طبع العملة النقدية، وهذا يعني أنهم إذا منحت لهم هذه الفرصة هذا يعني الموافقة على فصل الاقتصاد بشكل كامل، ومنحهم واحدا من أهم عوامل السيادة التي هي بيد الحكومة الشرعية حصرا، ولذلك كان لا بد من وقف هذه الأمور”.

وعن الخيارات الأخرى لمسألة نقل البنوك إلى عدن، يقول السعيدي: “بالطبع يوجد خيارات أفضل، وهي أن تلتزم هذه البنوك بمعايير الشفافية، ومعايير المساءلة، وأن تكون خاضعة بكل عملياتها، وأن ترفع التقارير إلى البنك المركزي في عدن، وتتم عملياتها وتحويلاتها تحت إشراف البنك المركزي في عدن بوصفه بنك البنوك والبنك الشرعي”.
وأضاف مستدركا: “هل يسمح الحوثيون للبنوك بذلك؟ بالطبع لا يسمحون بذلك، بالعكس هددوا البنوك ورفضوا أن ترفع التقارير من قبل”

وأوضح أن “الحكومة حاولت أن تحل هذه الإشكالات -من قبل- بالتدريج، في البداية طلبت رفع تقارير العمليات المالية، لكن بنك صنعاء رفض وهدد وأرعد وأزبد، وأوقف بعض البنوك، وتم الهجوم على بنوك أخرى”.

وأكد أن “حالة الإفقار ومهاجمة القطاع المالي وتخريب الاقتصاد قادمة من الحوثيين بدرجة أساسية، وحين يتم اتخاذ إجراءات يتم العويل والصراخ”.

وهل ستنجح الحكومة في قرارها، يقول السعيدي إن “الأمر لديه تعقيدات سياسية، وتعقيدات متعلقة بالبنوك نفسها”.

إغلاق