صحة
كرات الماء القابلة للأكل… بين ابتكار صديق للبيئة ومخاوف صحية

ريبون نيوز _ اندبندنت عربية
في ظل تنامي القلق العالمي من التلوث البيئي الذي تخلفه النفايات البلاستيكية، تتجه الأنظار إلى حلول مبتكرة تسعى إلى الحد من الاستخدام الواسع للمواد غير القابلة للتحلل، وعلى رأسها قوارير المياه البلاستيكية التي تُستهلك بمعدلات ضخمة يومياً في المدن الكبرى والتجمعات البشرية الضخمة مثل الفعاليات الرياضية أو مواسم الحج والعمرة.
هذا القلق البيئي المتزايد لم يعد يقتصر على التحذيرات النظرية أو حملات التوعية، بل تحوّل إلى حراك علمي وتقني تقوده شركات ناشئة ومؤسسات أكاديمية، تهدف إلى إنتاج بدائل عملية ومستدامة، تجمع بين الكفاءة البيئية وسهولة الاستخدام.
ومن بين هذه الابتكارات، برزت تقنية جديدة لإنتاج “كرات ماء” هلامية قابلة للأكل، تمثل نموذجاً مختلفاً كلياً في طريقة تقديم المياه الصالحة للشرب، وتفتح المجال أمام نقاش واسع بين من يرون فيها ثورة صديقة للبيئة، ومن يطرحون تساؤلات حول فاعليتها ومأمونيتها الصحية في المدى الطويل.
فقاعات ماء قابلة للأكل
ضمن هذه الجهود، طوّرت شركة “Notpla” البريطانية عبوات مائية صغيرة على صورة فقاعات هلامية، تُغني عن استخدام القوارير البلاستيكية التقليدية.
هذه الكرات، المصممة لتكون قابلة للأكل والابتلاع بالكامل، لا تحتاج إلى غطاء، ولا تتطلب التخلص منها في سلة المهملات، مما يجعلها خياراً صديقاً للبيئة بصورة لافتة.
الابتكار الذي تعود جذوره إلى عام 2013، هو ثمرة تعاون بين الباحثين رودريغو غارسيا وبيير باسالييه في “إمبريال كوليدج” بلندن، ويقوم على تغليف الماء في طبقة هلامية شفافة مصنوعة من مستخلصات نباتية وطحالب بحرية، ويمكن استهلاك الفقاعة كما هي، أو ثقبها وشرب الماء منها دون الحاجة إلى ابتلاع الغشاء، الذي يتحلل حيوياً خلال فترة تراوح ما بين أربعة إلى ستة أسابيع، دون أن يترك أي أثر ضار على البيئة.
وأكدت شركة “Notpla” أن منتج “Ooho” مصنوع من مكونات طبيعية 100 في المئة دون أي تعديل كيماوي، مشيرة إلى أنها تتماشى مع توجيهات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وأضافت أن تغليفاتها معتمدة وفق معيار EN13430، مما يجعلها قابلة لإعادة التدوير ضمن النفايات الورقية.
آراء الدراسات
أشارت دراسة نُشرت عام 2020 في مجلة “ACS Central Science” إلى أن التغليف القابل للأكل المصنوع من الأعشاب البحرية يُعد خياراً واعداً لتقليل النفايات البلاستيكية، خصوصاً في الفعاليات الرياضية، لما يوفره من بديل مبتكر وصديق للبيئة. إلا أن الدراسة حذّرت من تحديات مرتبطة بالنظافة والتخزين والنقل، إذ يمكن أن تؤثر الرطوبة والحرارة في سلامة الأغلفة القابلة للأكل، وتؤدي إلى تحللها قبل الاستخدام.
وفي السياق نفسه، أكدت دراسة أخرى نُشرت عام 2024 في مجلة “Environmental Science and Pollution Research”، تحت عنوان “Edible packaging as sustainable alternative to synthetic plastic: a comprehensive review”، أن هذا النوع من التغليف يمثل بديلاً مستداماً للتغليف البلاستيكي، مشددة على أهمية التوعية والتثقيف المجتمعي لتسريع تقبّل المستهلكين له، إلى جانب ضرورة دعم الأطر التنظيمية والتقنية لتسهيل تبنّيه على نطاق أوسع.
بين الترحيب والتحفظ
وقد لاقى هذا الابتكار اهتماماً عالمياً بوصفه خطوة واعدة نحو تقليل البصمة الكربونية المرتبطة بصناعة وتوزيع البلاستيك، لا سيما في ظل التوجه العالمي للبحث عن حلول بيئية عملية لمشكلة النفايات البلاستيكية.
لكن، على الجانب الآخر، ظهرت تحفظات من بعض الأوساط الصحية والغذائية، إذ لم تُعرف بعد التأثيرات المحتملة لاستهلاك هذا النوع من التغليف على المدى الطويل، وبخاصة في حال تم تداوله على نطاق واسع، كما تُطرح تساؤلات حول مدى قبول المستهلكين لمفهوم “أكل الماء”، والتحديات المتعلقة بالنظافة والتخزين والنقل في المناخات الحارة.