كتابات

بين حقوق المعلم وحقوق الطالب: معادلة مفقودة في التعليم اليمني

ريبون نيوز ـ كتابات

كتبه : عزيزة سالم

 

لا يختلف اثنان على أن المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية، وأن له حقوقًا أساسية لا غنى عنها؛ من راتب عادل، وضمان صحي، واستقرار وظيفي يضمن له العيش بكرامة. لذلك فإن إضرابات المعلمين في اليمن للسنة الثالثة على التوالي تأتي كصرخة مشروعة في وجه تهميش حقوقهم.

 

لكن في خضم هذه المطالب، يتبادر سؤال ملح: أين حقوق الطالب؟

كيف يُعقل أن ينحصر الخطاب النقابي في الدفاع عن حقوق المعلم وحده، بينما الطالب – وهو محور التعليم – يُترك لمصيره في قاعات مكتظة، ومناهج مثقلة، وامتحانات تعجيزية، بل وحتى في ظل انقطاع الكهرباء أثناء أداء الاختبارات النهائية والمصيرية؟

 

ولا يمكن تجاهل أن الإضراب بحد ذاته يضر الطالب بشكل مباشر. فكل يوم دراسي يضيع يعني فجوة أكبر في التحصيل العلمي، وارتباك في الخطة التعليمية، وضغط نفسي على الطالب الذي يعيش بين خوف الامتحانات وغموض المستقبل. الأسوأ من ذلك أن هذه الحقيقة تم تجاهلها من الطرفين؛ فالمعلم يطالب بحقوقه دون أن يلتفت إلى خسائر طلابه، والسلطة تتعامل ببرود وكأن مصير جيل كامل ليس ضمن أولوياتها وهو كذلك بالفعل والواقع، وهكذا يجد الطالب نفسه الخاسر الأكبر في معركة لم يختر خوضها أصلًا.

 

وفوق كل ذلك، تأتي المفارقات المؤلمة في طريقة تنظيم الامتحانات نفسها وسير العملية التعليمية؛ حيث يتحول يوم السبت – وهو إجازة رسمية طوال العام – إلى يوم دراسي فجأة فقط لأن الطالب أمام اختبار فصلي، أي منطق هذا الذي يجعل الراحة تُسلب من الطالب في أكثر الأوقات التي يحتاج فيها للتركيز؟! والأسوأ أن الامتحانات تُجرى بشكل يومي متواصل، دون وجود فاصل زمني كافٍ بين مادتين حتى في الثانوية العامة، وهو ما يحرم الطالب من فرصة المراجعة والاستعداد النفسي والمعرفي. يُضاف إلى ذلك الأسئلة التعجيزية في الاختبارات الوزارية للثانوية العامة، والانقطاع الطويل للكهرباء في فترة الامتحانات، مما يجعل المذاكرة في البيوت شبه مستحيلة، ويضاعف من الضغط النفسي على الطلاب وأسرهم. هذه الممارسات ليست مجرد تفاصيل إدارية، بل هي شكل من أشكال الضغط النفسي والتعجيز المتعمد، الذي يُضاف إلى قائمة طويلة من التحديات التي يواجهها الطالب اليمني.

 

من المؤسف أن حقوق الطالب لم تحظَ بنفس الزخم الذي تحظى به حقوق المعلم. لم نسمع عن وقفات احتجاجية تطالب ببيئة تعليمية لائقة، أو مناهج عصرية، أو امتحانات عادلة، أو ضمان ألا تُقطع الكهرباء أثناء الاختبارات الفصلية. بل تضيع سنوات الطالب الدراسية بفعل الإضرابات المستمرة. الطالب هو الخاسر الأكبر، إذ يضيع مستقبله بين مطرقة السياسات الحكومية وسندان الإضرابات.

 

إن دعمنا لمطالب المعلمين لا يعني القبول بأن يكون الطالب ضحية ثانوية. بل على العكس، يجب أن تكون أي حركة مطلبية متوازنة، تضع حقوق المعلم والطالب معًا في صدارة الأولويات. فالمعلم إنما يطالب بحقوقه ليستطيع أن يؤدي رسالته، لكن ما قيمة هذه الرسالة إن كان الطالب هو آخر من يُفكر فيه؟

 

نحن مع المعلم في نضاله العادل، لكننا نؤمن أن معركة الحقوق لا تكتمل إلا إذا كانت شاملة. فكما للمعلم حق في راتب وحياة كريمة، للطالب حق في تعليم عادل وبيئة دراسية تحفظ كرامته ومستقبله. المعادلة الحقيقية تبدأ حين يرفع المعلم صوته من أجل نفسه ثانيًا ومن أجل طلابه أولًا.

إغلاق