متابعات
بريطانيا تغيّر إستراتيجيتها في اليمن
ومنذ تنازل الشرعية عن أهم بنود اتفاق السويد، وهو انسحاب الحوثيين من ميناء الحديدة، تواصل جماعة الحوثي تلاعبها وتهربها من تنفيذ عملية إعادة الانتشار بميناءي رأس عيسى والصليف في المرحلة الأولى بموجب الخطة المقدمة من الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، وكبير المراقبين الدوليين.
وفيما دعا اليماني الأمم المتحدة إلى تحديد الطرف المعرقل في بيان رسمي أمس، قال وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت إنه طلب من الحوثيين الإسراع بالانسحاب من موانئ الحديدة أثناء لقائه، أمس الأول، في مسقط المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام.
وكان وزير الخارجية البريطاني بدأ جولة جديدة في المنطقة تشمل: عُمان، والسعودية، والإمارات، في سياق ما وصفته لندن بأن هذه الزيارة للمنطقة بمثابة «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ اتفاق السويد.
وقال جيرمي في تغريدة على «تويتر» عقب لقائه متحدث الحوثيين، ووزير خارجيتها الفعلي محمد عبدالسلام: «التقيت للتو المتحدث باسم الحوثي محمد عبدالسلام في سلطنة عمان، وأرحب بالتقدم المحرز في مناقشات موانئ الحديدة، ولكن يجب أن يحدث انسحاب القوات الحوثية قريباً للحفاظ على الثقة في ستوكهولم، والسماح بفتح قنوات إنسانية حيوية».
ومن المقرر أن يلتقي الوزير البريطاني مسؤولين عمانيين في سياق البحث عن ضغط إقليمي موازٍ على الجماعة الحوثية من أجل تنفيذ اتفاق السويد الخاص بالحديدة، والذي يعد أمراً أساسياً لبناء الثقة نحو خطوات أخرى على طريق السلام الشامل في اليمن.
وأظهر وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، حزماً أكبر حينما طالب الحوثيين الموالين لإيران بالانسحاب من الحديدة، بعد أن استثمروا اللين الذي تبديه لندن تجاههم في ربح الوقت والمناورة، لإفراغ اتفاق السويد بشأن الحديدة من أي التزامات قد تقود إلى الانسحاب من المدينة اليمنية الإستراتيجية.
ويأتي هذا التحول في الإستراتيجية البريطانية تجاه الحوثيين بعد أيام قليلة من تصنيفها حزب الله اللبناني الموالي لإيران منظمة إرهابية، وهو ما قد يكشف عن تغيّر في المزاج البريطاني تجاه إيران وحلفائها في المنطقة.
وتشير أوساط يمنية إلى أن لندن بدأت تشعر بالقلق من أن التهرب الحوثي من السلام قد يفوّت عليها فرصة الإمساك بالملف اليمني، وفرض حل في الحديدة يتماشى وإستراتيجية العودة البريطانية إلى المنطقة من بوابة الميراث الإمبراطوري القديم، الذي تستنجد به لتأسيس مرحلة ما بعد الانفصال عن أوروبا.
ولتبديد الصورة التي ترسم بريطانيا كراعٍ لبقاء المتمردين الموالين لإيران في مواقعهم بالحديدة، تحرك هانت في جولة خليجية تشمل سلطنة عمان والسعودية والإمارات لتأكيد أن بلاده معنية بتسريع الحل في اليمن، وأن ما بدا من «تفهُّم» لمخاوف المتمردين لا يعدو أن يكون من باب توفير أجواء من الهدوء بما يساعد على تنفيذ اتفاق.
وتشير دوائر سياسية غربية إلى أن تغيراً لافتاً طرأ على الموقف البريطاني إزاء الملف اليمني خلال الفترة الأخيرة وبلغ ذروته في اجتماع الرباعية الدولية حول اليمن الذي عقد على هامش مؤتمر وارسو منتصف فبراير الماضي، وهو الاجتماع الذي حضره وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، وأسفر عن بلورة موقف موحد تجاه الأزمة اليمنية.
وتُتهم بريطانيا العضو الفاعل في إدارة الملف اليمني في المحافل الدولية بالتساهل مع الجماعة الحوثية وممارسة ضغط سياسي متصاعد لإنهاء العمليات العسكرية واستئناف المشاورات السياسية للتوصل إلى تسوية شاملة يكون الحوثي طرفاً فيها.
ويعزو مراقبون سياسيون التحول في الرؤية البريطانية إلى عاملين؛ أحدهما تصاعد مخاوف لندن من الدور الذي تلعبه أذرع إيران في المنطقة، وهو ما أدى بها إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، إضافة إلى الشعور المتزايد بأن سياسة التدليل التي تمارس مع الجماعة الحوثية لا يمكن أن تؤدي إلى إنجاح أي تسوية سياسية في اليمن يكون الحوثي جزءاً منها.
وأكد بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية، الخميس الماضي، أن زيارة هانت للمنطقة تأتي «للتباحث حول عملية السلام في اليمن»، وجدد الدعوة إلى ضرورة إبعاد القوات العسكرية عن الموانئ لمنع عودة القتال، والتمهيد لجولة تالية من محادثات السلام، وضمان إمكانية وصول المساعدات الإنسانية.
ووفقاً لما نقلته جريدة «العرب اللندنية» عن مصادر دبلوماسية، فإن «لندن منزعجة من التصلب الحوثي الذي يحول دون استكمال الرؤية التي تسوقها الدبلوماسية البريطانية والقائمة على مبدأ تحويل اتفاق السويد الخاص بالحديدة إلى حجر زاوية في التسوية الشاملة في اليمن، حيث تعتزم بريطانيا الدعوة إلى عقد جولة مشاورات جديدة تتطرق إلى الحل الشامل في اليمن، وهو ما ترفض الحكومة اليمنية مناقشته قبل تنفيذ اتفاقات ستوكهولم التي تعثرت بسبب التعنت الحوثي».
وتزامنت التحركات البريطانية مع مغادرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس إلى صنعاء عقب فشله في انتزاع أي موافقة حوثية على تنفيذ اتفاقات السويد وبدء الانسحاب من موانئ الحديدة.
وطالب وزير الخارجية اليمني ورئيس وفد الحكومة لمشاورات السلام في السويد، خالد اليماني، الجنرال مايكل لوليسغارد والمبعوث الأممي مارتن جريفيثس باتخاذ موقف حازم تجاه سلوك المماطلة والتعنت للجماعة الحوثية، لإيقاف تلاعبها المكشوف على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وقال في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ: «على الأمم المتحدة أن ترفع صوتها وتحدد بصورة عاجلة الطرف الذي يرفض ويمنع تنفيذ الاتفاق».
وأضاف: «انتهى يوم الخميس الموافق 28 فبراير الموعد المفترض لإتمام المرحلة الأولى من خطة إعادة الانتشار، وما زالت الميليشيات الحوثية ترفض الانسحاب من ميناءي الصليف ورأس عيسى دون إبداء الأسباب».
وكشف اليماني عن أن وفدي الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية قد اتفقوا، برعاية الجنرال مايكل لوليسغارد رئيس لجنة إعادة الانتشار، على «انسحاب الميليشيات من ميناءي الصليف ورأس عيسى لخمسة كيلومترات مقابل انسحاب قوات الجيش لكيلومتر واحد، مع إزالة الميليشيات لجميع الألغام التي زرعتها الميليشيات في المنطقة، كمرحلة أولى باتجاه التنفيذ الكامل لاتفاق السويد، على أن يتم تنفيذ ذلك خلال أربعة أيام تبدأ بيوم 25 فبراير، وتنتهي الخميس الـ 28 من فبراير 2019».
وقال: «على الرغم من أن الميليشيات الانقلابية، وبموجب المرحلة الأولى من الخطة، كانت ستعيد انتشارها في مناطق خاضعة لسيطرتها بينما ستعيد القوات الحكومية الانتشار من مناطق مهمة وإستراتيجية للغاية، تستمر هذه الميليشيات في المماطلة والتهرب من تنفيذ الاتفاق».
وتابع: «وأمام هذا الفصل الجديد من تعنت الميليشيات الحوثية، يتضح للعالم أجمع حجم تلاعب ومماطلة الميليشيات الحوثية، ومزايداتها الإعلامية، حيث سبق لقيادات الميليشيات التصريح بأنهم فقط بانتظار إشارة البدء لتنفيذ الاتفاق».
وحمل وزير الخارجية اليمني الميليشيات الانقلابية مسؤولية فشل الاتفاق والانتكاسة الجديدة، وقال: «نحمل الميليشيات الانقلابية مسؤولية فشل الاتفاق والانتكاسة الجديدة، خاصة في الملف الإنساني، حيث كان من المفترض أن يضمن تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة فتح وتأمين الطريق إلى مطاحن البحر الأحمر، ولكن ترفض الميليشيات الحوثية الالتزام بالاتفاق سعياً في الاستمرار في استثمار المأساة الإنسانية في اليمن».
وبيّن أن الميليشيات الحوثية امتنعت حتى الآن عن تسليم خرائط الألغام التي زرعتها في المنطقة، وتُصر على عدم إزالة الألغام من مناطق إعادة انتشارها، في حين أن تسليم خرائط الألغام وإزالتها أمر جوهري لتنفيذ الاتفاق.
وتريد الجماعة الحوثية – بحسب المراقبين- تنفيذ اتفاق السويد وفق فهمها الخاص، بما في ذلك عمليات الانسحاب لمسلحيها، التي تصر على أن تكون عملية شكلية تبقي على وجودها العسكري في الحديدة وموانئها ورفض التسليم للحكومة الشرعية.
وتقول حكومة الشرعية: «إن اتفاق السويد واضح وينص على تنفيذه بموجب القانون اليمني، وهو ما يعني أن تتولى الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية والسلطة المحلية التي كانت قائمة قبل 2014 عمليات الإدارة والأمن في مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة (الحديدة، والصليف، ورأس عيسى)».
وفي مقابل التصلب الحوثي، تقول الحكومة اليمنية إنها قدمت عدداً من التنازلات التي ساهمت في إحراج الأمم المتحدة والحوثيين على حدٍ سواء، حيث شرعت الحكومة في صرف رواتب الموظفين في محافظة الحديدة. كما فتحت الطريق أمام الأمم المتحدة من طرف واحد للوصول إلى مطاحن البحر الأحمر بعد رفض الحوثيين نزع الألغام، والسماح بفتح ممر إنساني آمن لإيصال المساعدات.
واتهمت مصادر سياسية يمنية الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، رئيس بعثة المراقبين الدوليين، بلعب دور غير مهني في مهمته، من خلال التماهي مع المواقف الحوثية المراوغة ومحاولة انتزاع تنازلات إضافية من ممثلي الحكومة في اللجنة.