كتابات

مسار الأوضاع المذهبية العقائدية في حضرموت و حقيقة زامل قبيلة العوابثة في عهد الأمارة البريكية في مدينة الشحر(1165هـ -1283هـ – 1751-1866 م )

ريبون / كتابات

سالم فرج مفلح

مثلت جريمة من أطلق عليهم المؤرخ علوي بن طاهر الحداد مصطلح (الأخلاف) (++)  باخفاء و افناء مصادر تاريخ حضرموت الاسلامي كارثة وطنية استراتيجية للشعب و الوطن الحضرمي . فقد ترتب على تلك الجريمة الغياب شبه الكلي للحقيقة و الأصول التاريخية ، و هذا الأمر يعني غياب (الهوية الوطنية) التي يترتب عليها أزمة الانتماء  ، و ترتب على هذه غياب المرجعية الراشدة و الحكيمة (المكتوبة) التي تتناقلها الأجيال و تسترشد بها  في مختلف مساراتها نحو المستقبل ، و ترتب على هذه تخبط و فوضى الخيارات السياسة الوطنية للشعب الحضرمي ، و هو الحال السائد الى اليوم ……………

أزمة الهوية التي تعصف بالمجتمع الحضرمي بمختلف قواه في كل مجالات الحياة الى يومنا هذا ، كان لابد أيضا أن تنسحب في فعلها لتعصف بحقيقة ما تبقى من (النصوص) التراثية بعد أن تمّ بفعلة الأخلاف تلك اعدام (البنية التاريخية) المؤسسة لتلك النصوص ، حيث لم يعد بالامكان تفسيرها أو تأويلها الا حسب واقع اليوم و بنيته السائدة ، والمؤرخرما يضاعف من وطأة أزمة الهوية السائدة . و لهذا ليس هناك من حل لهذه المعضلة الا بالبحث الدؤوب عن الهوية و الأصول بشروطها العلمية التي تفرضها علوم الحداثة و ما بعدها …………………

من تلك النصوص التي تعاني من أزمة الهوية (زامل قبيلة العوابثة) في عهد الامارة البريكية في مدينة الشحر ، و قصته كما يوردها العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف – 1299 – 1375ه ، هي كما يلي :

( في سنة 1227ه توفى ناجي بن على بن بريك ، و كان خادما للدين ، شديد الغيرة على شعائره ، لا يخرج عن رأي الامام الحبيب حسن بن صالح البحرفي ذلك ، حتى لقد أمره أن لا يمكن أحدا من البادية يدخل الشحر ليمتار الا بعد أن يحلف اليمين على أن لا يقصر في الصلاة ، فحصل بذلك نفع عظيم ، و صلاح كبير ، حتى جاء العوابثة في قطار لهم ، فلما أرادوا أن يدخلوا من سدة العيدروس و هي باب الشحر الشمالي ، عرضوهم على العهد ، فأبوا، و صرفوا وجوه ابلهم الى الغيل عند رفاقهم آل عمر باعمر ، فارتجزوا بقول شاعرهم :

قولوا لناجي بن علي …. كلين يوخد له ملاه

ما راس بوعوبث غلب…. ما با يعاهد ع الصلاه

و اختلفوا في تفسير هدا : فقوم يحملونه على العناد و المجاهرة بالفساد ، و آخرون يحملونه على أن الداعي الى الصلاة من الدين ، و السائق لها من الضمير ، فلا تحتاج الى عهد أو يمين . ) – ادام القوت – 174 .

الاختلاف في تفسير المقصود من ذلك (الزامل) يعني غياب هويته كنص ، و غياب الهوية يأتي من غياب البنية التاريخية السياسية و الثقافية التي أنتجته ، فهي وحدها الحاكمة على صحة المقصود منه . هذا اضافة الى أن هذا الخبر كما أورده السقاف لم يحدد نوع الصلاة المعنية في (الزامل) و هل هي صلاة فرض أم سنة ، و هل هي الجمعة أم من الصلوات الخمس ، كما أنه لم يذكر الداعي أو الدواعي التي دعت الحاكم أو غيره الى الشك في عناية العوابثة باحكام الدين ، و لا طبيعة العلاقة التي كانت بين العوابثة و الامارة البريكية ، و هل هي علاقة وئام و اتفاق أم علاقة عداء و تنازع و صراع ، كما أنه لم يتحدث عن طبيعة العلاقة بين الامارة البريكية و محيطها القبلي ، و غير ذلك من حقائق الواقع المنتج للحدث …

و رغم كل ذلك الغياب للبنية المنتجة للحدث ، الا أن المؤرخ السقاف اعتمد البنية العقائدية السنية – الصوفية كما هي سائدة اليوم  ، و يلزم من هذا سنية العقلية القبلية عند قبائل حضرموت حينها ، و على ذلك الأساس تم محاكمة النص باعتبار تمرده على الأحكام الاسلامية ،  و هو بالتأكيد معذور في ذلك ، لأنه لم يجد أمامه ما يحدد حقيقة الواقع حين الحدث  ، أي بمعنى آخراعتمد  سيادة الاعتقاد السني الصوفي في عهد الامارة البريكية التي قامت سنة 1165ه و انتهت سنة 1283ه . و في هذه الحالة فان رفض العوابثة يعني أحد التفسيرين التي ذكرها أو كليهما بما يحملانه من نظرة تبخيسية للقبيلة الحضرمية بصفة عامة . غير أن كلا التفسيرين غير مقبولين نظرا لانهما يحكمان بفساد التزام القبيلة بأحكام الاسلام و فساد اعتقادها ، و هذا يتعارض كليا مع التاريخ العقائدي الاسلامي للقبيلة الحضرمية بشكل عام  ، كما أنه يتعارض كليا أيضا مع السلوك القبلي السائد اليوم تجاه الاحكام الاسلامية . و في كل الأحوال ، فانه يلزم الشك في القول بسيادة الاعتقاد السني – الصوفي في منتصف القرن الثاني عشر الهجري عند قيام الامارة البريكية ، و بالتالي تصحيح البنية التار يخية التي أنتجت ذلك النص حتى يمكن انتاج  فهم و تفسير آخر يمتلك حيثياته و شروطه . أي بمعنى آخر لابد من تغيير مجرى الفكر التفسيري من خلال اعتماد آليات جديدة قادرة على تفكيك النصوص و المسارات التي تعتمد عليها الرؤية السائدة  .

…………………………

افتتح السلطان بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري الملقب ب ( أبي طويرق) عهده في القرن القرن العاشر الهجري بالتحالف مع الأتراك السنة الاعتقاد ضد مذاهب حضرموت العريقة المتمثلة بالأباضية و الاعتزال الزيدي من أجل فرض الاعتقاد السني على العباد و البلاد بالقوة و الجبروت التركي ، فكان الصدام عنيفا و شاملا للبلاد من أقصاها الى أقصاها ، و عمت البلاد فوضى القتال و الاحتراب في حالة لم تشهدها حضرموت من قبل ، سفكت خلالها دماء غزيرة و كلفت أموالا طائلة و أوضاع اجتماعية غاية في السوء و البؤس و الشقاء . و لقد استمر هذا المشروع الانقلابي العقائدي السني قيد التنفيد  في عهود اولاد بدر و أحفاده الذين ظلوا على تحالفهم مع الأتراك ضد مذاهب حضرموت العريقة . – لمعرفة المزيد حول عهد السلطان بدر أبي طويرق : أنظر كتابنا : حضرموت بين القرنين ..- 344 و ما بعدها .

في منتصف القرن الثاني عشر الهجري عند قيام الامارة البريكية في الشحر كان المجتمع  الحضرمي قد انقسم على نفسه بين مؤيد لمذهبي الاسلاف الاباضي و المعتزلي الزيدي و بين مؤيد للمذهب العقائدي السني و التصوف الذي تدعمه بعض القيادات الحاكمة الكثيرية ، و يصف المؤرخ ابن هاشم تلك الأوضاع بقوله  : ( كانت الدهماء في ذلك العصر المؤسف منقسمة سياسيا ومذهبيا ، فمن الناس من يجنح إلى الزيدية ، وهم اتباع السلطان ( علي بن عبد الله الكثيري ) الذين يفضلون سلطة الأئمة ( في صنعاء ) على سلطة يافع الشوافع التي يعضدها ( السلطان ) بدر بن محمد (الكثيري) وتعضده .) – تاريخ الدولة الكثيرية – 116 .

و لم تسلم من ذلك الانقسام مدينة تريم نفسها التي شهدت معركة (التابوت) في ذلك العهد  التي حدثت سنة 1161ه في مدينة تريم  ، و التي تدل دلالة واضحة على ذلك الانقسام المذهبي و السياسي ، فقد كانت الفتنة تدور حول مدى (شرعية ) وضع التوابيت على القبور، و ما صاحب تلك الفتنة من استخدام الرصاص المؤدي الى القتل .- الكندي : العدة المفيدة -1ج -301-

و يعلق المؤرخ ابن هاشم على تلك الحادثة التي وقعت سنة 1161 ه  بقوله : ( الذي يظهر ان نفسيات السراة والزعما ء من السادة وغيرهم من أهل ذلك القرن قاسية متصلبة لا تعرف المرونة ، ولا تجنح إلى المجاملة ، وربما تغلب على القوم التعسف الأناني والتعصب الأعمى الذي تنكره العقول وتمجه الأذواق ، وتقف الطباع السليمة حسرى دون شأوه …. ، وقضية التابوت يستنتج منها ما ذكرناه ، ويعلم منها أيضاً مبلغ التخبط السياسي الذي تعانيه حضرموت في ذلك العهد .) – ابن حميد الكندي : العدة المفيدة ج1 – 301 .

أما في ما يخص الموقف من التصوف فكرا و سلوكا  في عهد الامارة البريكية في القرن الثالث عشر الهجري  ، فانه ظل موقفا غير محسوم  حتى لدى البعض من أل باعلوي  . فعندما جاء الوهابية الى حضرموت ( كانوا ينشرون دعوتهم فيستجيب لهم الناس ، فكان ممن استجاب لهم آل علي جابر (من قبائل يافع) بخشامر غربي شبام ، و بعض السادة (آل باعلوي) ، و بعض آل كثير ، و عبدالله بن غرامة (من حكام يافع في تريم ) ، فتمكنوا بذلك من هدم القباب و تسوية القبور .)- السقاف : ادام القوت – 984 .

و حين جاء الوهابية الى مدينة الشحر سنة 1224ه على متن خمس و عشرين سفينة و مكثوا بها أربعين يوما و اقتصرت أعمالهم على هدم القباب و استبعاد التوابيت من قبور الأولياء . و لم يعترض الأمير ناجي بن علي على نزول الوهابية في الشحر ..- الجوهي – نفسه – 62 .

و في وقت مبكر من  عهد الامارة البريكية في سنة 1168ه : سار (غادر) السلطان محمد بن جعفر الكثيري الى مسقط عاصمة دولة اليعاربة الاباضية ، قاصدا واليها طالبا المساعدة بالمال و الرجال ، كما سار السلطانان عيسى بن بدر الكثيري و المردوف الى صنعاء .- الكندي : العدة المفيدة – ج1-302-303- . و من هذا الخبر ندرك أن القوى المذهبية الحضرمية العريقة الوجود و هما الأباضية و المعتزلية الزيدية لازالت حية محتفظة بحيويتها و نشاطها وعلاقاتها الخارجية المذهبية في مقاومة المشروع الانقلابي العقائدي السني الذي دشنه السلطان أبو طويرق في القرن العاشر الهجري .

في بداية أربعينيات القرن الثالث عشر الهجري في سنة 1243ه ، اتفق ناجي بن علي بن بريك وعلي و عبدالرب بن صلاح الكسادي على تحكيم سلطان عمان الاباضي سعيد بن سلطان في ما بينهما من تنازع و خصومة و وضع حد للاقتتال بينهما .0-خالد حسن الجوهي : امارة آل بريك في الشحر -70- . هذا الخبر يعني أنه حتى ذلك العهد لم تمارس الامارتان البريكية في الشحر و الكسادية في المكلا و وادي دوعن أي نشاط عدائي تجاه المذهب الأباضي ، و كان ذلك الموقف تجاة أباضية حضرموت هو أساس الثقة المتبادلة بين السلطة الاباضية في عمان و السلطتين الكسادي و البريكية في حضرموت . كل ذلك يعني بقاء الأوضاع المذهبية التي كانت سائدة في منتصف القرن الثاني عشر الهجري على حالها حتى منتصف القرن الذي يليه على الأقل ، و هو القرن الذي شهد نهاية الامارتين البريكية و الكسادية و ( الظهور) السياسي للدولة القعيطية و الدولة الكثيرية برعاية استعمارية بريطانية ……………….

حين قامت الامارة البريكية اليافعية في الشحرفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري ، كانت تحيط بها قوى قبلية حضرمية معادية ليس فقط للوجود البريكي في المدينة ، بل معادية للوجود اليافعي عامة في حضرموت ، أما أن يكون ذلك الوجود البريكي في مدينة الشحر ، فتلك كارثة ما بعدها كارثة ، اذ أن الشحر هي سوق تاريخية للقبائل المحيطة بها ، كما أنها شريان الحياة بالنسبة لحضرموت عامة ساحلا و واديا بادية و حضرا  . و معنى سيطرة القبائل اليافعية عليها هو أن الجميع أصبح تحت رحمة القبائل اليافعية الوافدة ، و هذا الوضع لابد أنه كان يحز في نفوس القبائل الحضرمية عامة و ينغص كبرياءها و كرامتها ، حتى عندما سعت الامارة البريكية في عهد علي بن ناجي سنة1211ه ، أي بعد ما يقرب من نصف قرن من قيام الامارة ،  الى توقيع اتفاقية مع الحموم ، فان تلك الاتفاقية أخذت عنوان (صلح بين الحموم و يافع الرتب ) ، وهو الأمر الذي يعني حالة العداء ليس فقط بين الامارة و محيطها القبلي ، بل مع  كل يافع (الرتب) في المدينة ، اضافة الى أن الحموم في اتفاقية الصلح هذه تمتعوا بصلاحيات (دولة موازية ) ، حيث ( ضمن الحموم في هذه الاتفاقية أحقيتهم بالخفارة  البحرية و البرية و جبايتهم للضرائب على المزروعات و الأسماك و حماية من يلوذ بهم  و اعفائهم من الضرائب  و بالمقابل يعترف الحموم بالوجود اليافعي في أراضيهم .) – الجوهي – نفسه – 56 .

خاصة أذا علمنا أنه في الفترة التي قامت فيها الامارات اليافعية البريكية في الشحر و الكسادية في المكلا و دوعن و القعيطية في مدينة القطن ، كان الوجود السلطوي القبلي الحضرمي الحاكم قد انتهى بسقوط الدولة الكثيرية الاولي في حدود سنة 1130ه على يد القبائل اليافعية التي أحكمت قبضتها على المدن المهمة و اسست نظام دويلات المدن التي كان منها تلك الامارات الثلاث . حتى اذا قامت الدولة الكثيرية الثانية في مدينتي سيئون و تريم في عمق وادي حضرموت في مطلع النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ، تشكل ضدها حلف امارات يافع الثلاث ، فقد ( اجتمعت المصالح اليافعية في فرض الحصار عليها ) – الجوهي : نفسه – 77 .

في الاتجاه المضاد تشكل حلف  قبلي حضرمي واسع ضد الوجود اليافعي ، حيث عقدت الدولة الكثيرية الناشئة تحالفات مع عموم قبائل حضرموت ، و من ضمنها قبيلة العوابثة لمقاومة الوجود اليافعي في البلاد – أنظر وثائق تلك التحالفات في : الجوهي : نفسه – الملحق .

في تلك الأجواء القبيلية الحضرمية المعادية للوجود البريكي في الشحر ، و في ظل استمرار بادية و قبائل حضرموت بتمسكها بعقيدتها المذهبية الأساسية و التأسيسية المتمثلة بالمذهب الاباضي الذي خاضت معارك كبيرة و بذلت دماء غزيرة في الدفاع عنه و التمسك به ، في تلك الأجواء كانت حادثة (زامل قبيلة العوابثة ) .

كانت عادة قبائل قبائل حضرموت – و حتى عهد قريب – تدخل المدن بقطار من الجمال محملا بالبضائع عصر أو مساء الخميس ، و تحط رحالها في مكان مخصص لذلك يطلق عليه (المحط ) يكون على محيط تلك المدن المسورة غالبا كما هو الحال بالنسبة لمدينة الشحر في عهد الامارة البريكية ، حيث تكون بوابات المدن مغلقة من مغرب الشمس حتى صباح الجمعة لدواعي أمنية ، حتى اذا أصبحت الجمعة فتحت البوابات و دخلوا الى  للبيع و الشراء . و تشهد اسواق (الجمعة ) نشاطا اضافيا في حركة البيع و الشراء .

و في هذه الحالة سوف يأتي وقت صلاة الجمعة و أهل البادية و القبائل في المدينة كما هو حال قبيلة العوابثة ، فما هو موقف المذهب الآباضي الحضرمي الذي تدين به بادية و قبائل حضرموت حتى ذلك العهد و بعده من مسألة صلاة الجمعة في مدينة يحكمها غريب باغي معتدي أخد الولاية بالقتال و العنف رغما عن أهلها .؟. الحقيقة أن أباضية حضرموت (كانت لهم آراء فقهية مختلفة عما في عمان حول هذه القضية خاصة وقت الحرب و تولي سلطان بغي ، فيكتفون بصلاة الظهر بدلا عن الجمعة .) – عبدالكريم محروس ميزان : أباضية حضرموت و علاقتهم بعمان – 297 . و يبدو أن أباضية حضرموت يرون أن صلاة الجمعة في دار بغي تعتبر عهد موالاة لهذا الباغي الحاكم و اعترافا بصحة امامته ، فكان زامل العوابثة يحمل هذا المعنى ، فحين أشترط حاكم الشحر ناجي بن على بن بريك على العوابثة أن يصلوا الجمعة في المدينة مقابل السماح لهم بالدخول ، انما كان في حقيقة الأمر لا يقصد مجرد صلاتهم ، و لكنه قصد أخد العهد و الاعتراف منهم بصحة ولايته و حكمه حسب مذهب أباضية حضرموت ، و هو الأمر الذي رفضه العوابثة و صاغوا ذلك الرفض في ذلك الزامل الذي يحمل كل معاني الاستهزاء بطلب  ناجي بن علي و بكبرياء معهودة للقبيلة الحضرمية ………..

و هكذا ، نصل الى أن اعتماد الرؤية السائدة القائلة بالتحول العقائدي السني المبكر في حضرموت ، قد أنتجت تفسيرا دينيا طقوسيا  خالصا لهذا النص التراثي ، اضافة الى المنتج التبخيسي لكل ما هو حضرمي الذي يلزم عن تلك الرؤية ، بينما أعطى له اعتماد المسار التاريخي العقائدي تفسيرا و فهما سياسيا يتأسس على اعتقاد مذهبي راسخ في الضمير و الوجدان ، يمتلك شروطه و حيثياته و لا مجال فيه للتبخيس و التحقير و الازدراء ، و ليس مجاهرة بالفساد و عنادا كما ذهبت الرؤية السائدة  ، و يجيب على الأسئلة التي تجاهلها التفسير الديني الطقوسي الخالص . و يترتب على كل ذلك أن الاعتماد على الرؤية السائدة في الكتابة التاريخية الحضرمية ،  الثقافية منها و الأكاديمية ليس أكثر من خداع للذات و للشعب و الوطن الحضرمي  ، و ليس الا اهدارا للوقت و المال و الجهد ، اذ أنه  يضيف أعباء جديدة – موثقة و مكتوبة- على الهوية الوطنية الحضرمية التي تعاني أصلا من فقدان أصولها و مرجعياتها التاريخية بفعل جريمة ( الأخلاف) ، كما تزحمها بمزيد من التبخيس و التحقير و الازدراء بفعل (الطاقة الاستلابية ) الهائلة للرؤية السائدة التي تتأسس عليها هويتنا اليوم ، و هو الأمر الذي يزيدها ضعفا و هشاشة …..

…………………………………………………………………………………………………………………

(+) نشر هذا المبحث في صحيفة 30 نوفمبر العدد 191 الصادرة في المكلاا في 11 مارس 2019م

إغلاق