منوعات

جدل قانوني وسياسي حول النشيد الوطني الجديد للعراق

فيما اقترب مجلس النواب العراقي من الموافقة على النشيد الوطني العراقي الجديد، فقد ظهرت اعتراضات قانونية وسياسية على كلماته تؤكد أن المقترح منها لا يصلح لاعتماده ويخالف المعايير الدولية المطلوبة للاناشيد الوطنية للدول.

ومطروح حاليا مقترحان لكلمات النشيد الوطني احدهما للشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري والثاني للشاعر العراقي أسعد الغريري وألحان المغني كاظم الساهر ليحل احدهما محل كلمات النشيد الوطني المعتمد حالياً وهو أغنية “موطني” للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان.

الصدر يدعم “سلام عليك”

ووسط هذا الجدل تم الاعلان عن رغبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بأن تكون قصيدة الغريري “سلام عليك”هي نشيد العراق الوطني ليقوم الساهر بإعادة توزيع وتطوير هذه الانشودة وتأديتها مع مجموعة منشدين وأطفال عراقيين ويهدي النسخة الأولى منها الى الصدر شرط موافقة مجلس النواب العراقي بشكل رسمي على كلمات النشيد الوطني الجديد.

وكان رئيس كتلة الإصلاح والإعمار النيابية صباح الساعدي والقيادية في تحالف سائرون الصدري إنعام الخزاعي قد قدما مؤخرا مقترح قانون النشيد الوطني الجديد وبموافقة سبعين نائبًا من مختلف الكتل السياسية والمكونات الاجتماعية الى رئيس مجلس النواب.

وينص مقترح القانون على جعل قصيدة الشاعر أسعد الغريري التي غناها ولحنها الفنان كاظم الساهر هي النشيد الوطني الجديد للبلاد. والقصيدة مطلعها:

سلام عليك على رافديك عراق القيم
فأنت مزار وحصن ودار لكل الأمم
هنا المجد أمّ وصلى وصام
وحج وطاف بدار السلام

ومن جهته، أحال رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي مقترح القانون إلى لجنتي القانونية والثقافة والإعلام بهدف إكمال تشريعه والمضي في إجراءات اعتماده.

وردا على ذلك قال الساهر إنه يتمنى أن تعتمد أغنيته “سلام عليك على رافديك” نشيدا وطنيا للعراق وعبر عن سعادته لدعم الجمهور العراقي هذا المقترح في استفتاء أجري لهذا الغرض.

العراق اعتمد أناشيد وطنية عدة منذ استقلاله

واعتمد العراق بعد سقوط النظام السابق عام 2003 أنشودة “موطني” نشيدا وطنيا، وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وألحان محمد فليفل ولا يزال هذا النشيد معتمدا من قبل الحكومات العراقية المتلاحقة منذ ذلك التاريخ.

يشار إلى أن أغنية الساهر “سلام عليك، على رافديك، عراق القيم” كان تم تسجيلها وغناؤها عام 2008 أيام الاقتتال الطائفي في العراق ثم طالب العديد من العراقيين بأن يتم اعتمادها نشيدا وطنيا للعراق بدلا من النشيد الحالي الذي تم اعتماده موقتا من قبل البرلمان عام 2005.

خبير قانوني يثير مسألة المعايير الدولية

ووسط هذا الجدل فقد رأى الخبير القانوني العراقي طارق حرب ان قصيدة الجواهري “سلام على هضبات العراق” والثانية لأسعد الغريري “سلام عليك على رافديك” لا يصلحان كنشيد وطني للعراق.

وقال حرب في دراسة مستفيضة على موقعه بشبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وتابعتها “إيلاف” اليوم الجمعة إن القصيدتين “كلاهما تخالفان المعايير الدولية للنشيد الوطني للدول لما فيهما من تعالٍ وكبرياء وفخر وخيلاء يناقض مبدأ المساواة بين الأمم والدول”، في اشارة الى قصيدتي الجواهري والغريري.

وأضاف حرب “نذكر الجميع بما تم نشره بمناسبة دورة لندن الاولمبية عام 2012 حيث تم تحديد الاناشيد الوطنية السيئة التي تخالف المعايير الدولية وكان من بين أسوأ الاناشيد النشيد الحالي للعراق “موطني موطني”، وذلك بعد فحص 205 أناشيد للدول المشاركة”.

الى انه لم يكن هنالك نشيد وطني ببغداد والعراق حتى نهاية الحكم العثماني وظهور الافكار القوميه العربية عند الثورة العربية وثورة العشرين وكان لهذه التطورات أثر في اعتماد نشيد بشكل غير رسمي يتم ترديده في المناسبات وهذا ما حصل عام 1921 عند تتويج الامير فيصل ملكاً للعراق اذ بالرغم من عدم وجود نشيد وطني رسمي ردد الكثير من الحضور قول الشاعر:

بيض صنائعنا سود وقائعنا
خضر روابينا حمر مواضينا

الذي يرمز للتاريخ العربي الاسلامي فاللون الابيض لون الدولة الاموية واللون الاسود لون الدولة العباسية واللون الاخضر لون العلويين واللون الاحمر لون دولة العرب في الاندلس.

ولعدم وجود نشيد وطني في العهد الملكي أعلنت الحكومة عام 1924 عن مسابقة وخصصت جائزة نقدية لمن يفوز واشترك كثير من الموسيقيين وبنتيجة هذه المسابقة فاز السلام الملكي الذي أعده الانكليزي الميجور جي آر موري أحد الضباط الانكليز الموسيقيين، وقد عزف هذا النشيد الوطني للمرة الاولى في مجلس الامة أي البرلمان الملكي والبلاط الملكي وفي وزارة الدفاع وكان يقتصر النشيد على الموسيقى بلا كلمات، نظم أحد شعراء بغداد بشكل غير رسمي كلمات غالبا ما كان يرددها الكثيرون وهي:

دم يا شريف الحسب يا مريم النسب
يا خير ملك بالوجود فيصل فيصل

أول نشيد في العهد الجمهوري سجله جوق نمساوي

واضاف حرب انه بعد قيام الجمهورية عام 1958 وانتهاء العهد الملكي تولى الموسيقي البغدادي لويس زنبقة من خريجي معهد الفنون الجميلة ببغداد الذي كان يدرس في فيينا وضع السلام الجمهوري ودونه موزعاً على جميع آلات الجوق الموسيقي الهوائية وجرى تسجيله من جوق موسيقي نمساوي وارسله مرفقاً برسالة الى الزعيم العراقي انذاك عبد الكريم قاسم ضمنها الافكار التي اعتمدها في وضع اللحن، وهو بشكل مارش المسير الموسيقي، حيث استمر اعتماده طيلة الجمهورية الاولى.

وبعد قيام الجمهورية الثانية عام 1963 تم اعتماد أغنية “والله زمن يا سلاحي” الذي كان نشيداً للجمهورية العربية المتحدة ومصر وهو من كلمات الشاعر المصري صلاح جاهين وتلحين الموسيقي المصري كمال الطويل.

وفي عام 1981تقرر اقامة مسابقة لتلحين النشيد الوطني الجديد الذي كتبه وزير الشباب في عهد الرئيس السابق صدام حسن وهو القيادي العثي شفيق الكمالي وهو “وطن مد على الافق جناحه”، حيث تولى الموسيقي اللبناني وليد غلميه حيث كان متعاقداً مع حكومة العراق لتأليف أعمال موسيقية وتم تسجيل هذا النشيد من قبل أوركسترا يونانية وتم اعتماده بداية السنة المذكورة وكان بالصيغة المعتمدة للأناشيد المدرسية، وبعد فترة تم تسجيله من قبل جوق موسيقي بريطاني.

وبعد اسقاط النظام السابق تم اعتزال النشيد السابق وتم اعتماد نشيد “موطني موطني” الذي كتبه سابقاً الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان ولحنه الموسيقي اللبناني محمد فليفل، وتم اعداده لدولة فلسطين التي رفضته وقصة اعتماده تتمثل انه في شهر يوليو عام 2003 أي بعد ثلاثة أشهر من السقوط حضر الحاكم المدني الاميركي بول برايمر الى قاعة الرباط في بغداد حيث عزفت الفرقة الموسيقية هذا النشيد ووقف برايمر والحضور وتولت الفرقة الموسيقية عزف هذا النشيد دون غيره حيث استمر استخدام هذا النشيد دون سند قانوني او دستوري.

وفي عام 2012 واثناء اشتراك العراق في دورة لندن الاولمبية الرياضية تم تشكيل لجنة لفحص الاناشيد الوطنية وتحديد الاناشيد الوطنية وتم تحديد الاناشيد السيئة من بين 205 أناشيد للدول المشاركة حيث كان نشيد موطني الذي تم عزفه باعتباره النشيد الوطني العراقي نصيبه مع الاناشيد السيئة التي ترفض المساواة بين الناس والدول والامم، لأن فيه تكبرا وكبرياء وتعاليا وخيلاء.

ضرورة اعتماد المعايير الدولية

وشدد الخبير القانوني حرب على ضرورة اعتماد المعايير الدولية التي ترفض بعض الاناشيد واعتماد الحكم الدستوري.. منوها الى انه يجب أن يحتوي على ما يرمز الى مكونات الشعب العراقي وهذين الحكمين غير موجودين في جميع الاناشيد المقدمة سواء شعر الجواهري الذي يؤيده اتحاد الادباء:

سلام على هضبات العراق

وكذلك فان هذين الشرطين غير متوفرين في شعر أسعد الغريري الذي يؤيده كاظم الساهر ونقابة الفنانين وهو:

سلام عليك عراق القيم

كذلك هذين الحكمين غير متوفرين في قصيدة الشاعر السياب:

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام

وغير متوفرة في قصيدة الشاعر محمد مهدي البصير:

وطني والحق يؤيده أصفيه وأحب أعضده

وشدد الخبير القانوني طارق حرب في الختام على انه لا بد من البحث عن كلمات جديدة للنشيد الوطني يستلهم الحكمين السابقين أي المكونات والمساواة.

إغلاق