أخبار العالم

التونسيون يرفعون “وشاح” عاملات الحقول احتجاجا على وفاة “شهيدات الخبزة”

بعد مأساة وفاة 14 رضيعا في مارس/آذار في مستشفى عمومي بتونس العاصمة، هزت فاجعة جديدة الرأي العام بعد أن قضى 12 شخصا على الأقل السبت في حادث مرور بمدينة السبالة (سيدي بوزيد) وسط تونس، وأغلبهم نساء يعملن في الحقول. وأثار الحادث موجة انتقادات استهدفت الحكومة وأعادت إلى الواجهة الجدل بشأن ظروف عمل الريفيات.

غزت صورة وشاح أخضر فاقع تزينه أزهار وردية كبيرة مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، واستخدمه العديد كصورة رئيسية لحساباتهم الشخصية. وتحول هذا الوشاح (“المحرمة” بالعامية التونسية) الذي يميز عاملات المجال الزراعي إلى رمز “شهيدات الخبزة” كما لقبن. وتمت مشاركة هذه الصورة بكثافة بعد أن لقي 12 شخصا على الأقل حتفهم في حادث سير، من بينهم سبعة نساء كن في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة في طريقها إلى الحقول.

وقبل أن يلاقي هذا الوشاح الذي كانت ترتديه بعض العاملات اللائي قضين نحبهن رواجا على فيس بوك وتويتر، رفعت “المحرمة” الخضراء على المنازل في ولاية سيدي بوزيد كما تؤكد شاهدة من مدينة المغيلة في فيديو أشارت فيه أمام تجمع إلى أن الوشاح “يرفع عادة فوق منازل المغيلة احتفالا بزفاف أو ختان أو عودة من الحج”. وتابعت “هذه المحرمة رمز الفرحة رفعت أمس في العديد من البيوت” ودعت “أحرار الوطن في كل ربوعه” إلى رفعها تضامنا “مع هذه القضية” ومن “أجل أن ترفرف عاليا أصوات النساء اللاتي لا تسمع أصواتهن”.

 

“صغارك في كرتونة وكبارك في كميونة (شاحنة)”

هكذا عبر عدد كبير من التونسيين عن احتجاجهم على الظروف التي تخضع لها العاملات في المجال الزراعي خلال نقلهن إلى مواقع عملهن، إذ يتم تكديسهن في شاحنات صغيرة “مثل الماشية”، حسب ما كتبت ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.

واتهمت الناشطة مكونات المجتمع المدني ومنظمات وطنية” الحكومة بالتملص من مسؤولياتها وباستهتارها في التعامل مع مواطنيها،  ولا سيما الفئات الضعيفة وذوي الدخل المحدود. فقد أعادت “فاجعة السبالة” إلى الواجهة مأساة وفاة 14 رضيعا في مارس/آذار في مستشفى عمومي بتونس العاصمة، ما زاد من حدة الاحتقان ضد الحكومة التي يتهمها العديد بالتقصير.

وقدم وزير الصحة السابق عبد الرؤوف الشريف استقالته إثر حادثة الرضع التي هزت الرأي العام التونسي، وسرعان ما قبلها رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الذي وعد “بمحاسبة كل تقصير إن ثبت”.

وقال رئيس لجنة التحقيق محمد الدوعاجي في مؤتمر صحافي الخميس أن سبب وفاة الرضع هو تعفن جرثومي، وأكد الدوعاجي ثبوت “وجود إخلالات متعددة تمت في قاعة تحضير الأكياس (المستحضرات الغذائية)”، بالإضافة إلى “مشاكل متعددة تخص الصيانة وغياب المراقبة…وعدم احترام قواعد التعقيم”.

ولم يتردد العديد في الربط بين الحادثتين وكتب بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي تحسرا على أوضاع المواطنين “يا ناري عليك يا تونس، صغارك في كرتونة وكبارك في كميونة (شاحنة)”. وكان قد صدم العديد بتسليم جثث الرضع لأهاليهم في علب كرتونية.

وخرج بعض أهالي سيدي بوزيد عفويا إلى الشوارع للتعبير عن سخطهم على هذه الحوادث التي غالبا ما تذهب ضحيتها “كادحات تونس” وتهز المنطقة بانتظام، ودعت جمعيات حقوقية إلى الانضمام إلى وقفة احتجاجية ستنظم الثلاثاء أمام وزارة المرأة، وذلك للمطالبة بتوفير ظروف عمل ونقل لائقة للعاملات والعاملين في القطاع الزراعي. وحث ناشطون على حمل “المحرمة” خلال التظاهرة فشددوا “ما تنساش المحرمة”.

جدل حول ظروف النساء الريفيات

وكانت تصريحات أولية لوزيرة المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي قد أثارت موجة سخط واستياء كبيرين، إذ أكدت السبت لإذاعة “جوهرة إف إم” أن “مسؤولية حادث مرور عمال الفلاحة الذي جد اليوم بسيدي بوزيد، مسؤولية مشتركة يتحملها أيضا وبنسبة كبيرة سائق الشاحنة الذي نقل العَمَلة بطريقة غير قانونية”، مشيرة إلى أن الحكومة وضعت خطة بمبلغ 54 مليار دينار لفائدة نحو نصف مليون امرأة من الوسط الريفي وتشمل تأمين نقلهن إلى مراكز عملهن.

وتتراوح أعمار القتلى الاثني عشر بين 18 و30 عاما وبينهم سائقا الشاحنتين، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، وخلف الحادث نحو عشرين جريحا.

وتقوم نساء في تونس بالكثير من الأعمال اليدوية في الحقول الزراعية، خصوصا لأنهن يقبلن بأجور متدنية.

وأوضحت نزيهة العبيدي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء الأحد أنه تم بمقتضى بروتكول تم توقيعه في 2016 بين كل من وزارة المرأة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، جرى الاتفاق على إعداد “كراس شروط” يضمن الآليات الكفيلة بتوفير الحلول لنقل العمال، وخاصة العاملات، في ظروف لائقة وفي سيارات مهيئة.

وذكرت أن “وزارتها قامت في بداية 2017 بمراسلة وزارة النقل آنذاك لطلب تنفيذ بنود كراسة الشروط إلا أن الوزارة المعنية أكدت عدم إمكانية تطبيق ما جاء في كراس الشروط ما لم ينقح القانون عدد 33 من سنة 2004 الذي يهدف إلى تنظيم النقل البري للأشخاص والبضائع ويحدد قواعد وشروط ممارسة النشاط في هذا المجال”.

وأشارت إلى أنه أمام “استحالة تنفيذ كراس الشروط تولت وزارة المرأة إعداد تساخير وإرسالها إلى الولاة من أجل مد خطوط النقل الريفي لتأمين نقل آمن للعاملات في القطاع الفلاحي، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من الولاة استجابوا وطبقوا هذه التساخير”.

من جهته أدان الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) في بيان “استمرار تجاهل نقل العمال الفلاحين في ظروف غير إنسانية وغير آمنة أمام صمت السلطة وعجزها”. منددا بالفشل في التوصل إلى تنفيذ ما جاء في اتفاقية 2016.

ضغوط على الشاهد

وأعلن حزب حركة “تحيا تونس” المقرب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد أنه قرر إرجاء حفل اختتام مؤتمره التأسيسي الذي كان مقررا الأحد. وقام الشاهد بزيارة عاجلة للمنطقة، حيث قدم التعازي لعائلات الضحايا، وتعهد بالتكفل بعائلاتهم ورعاية المصابين. وبررت حركة “تحيا تونس” الإرجاء بـ “حالة الحزن العميق التي تسود كامل تراب الوطن ونظرا للمتابعة الشخصية من قبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد لآثار هذه الفاجعة على عائلات الضحايا وبطلب منه”.

فاستغلت المعارضة التونسية الحادثة للضغط على الحكومة لتفعيل التزاماتها المتعلقة بتحسين ظروف العاملات اللواتي يركبن “شاحنات الموت”، كما نادى البعض بإقالة وزيرة المرأة.

إغلاق