كتابات

عاصفة حزم البطون

ريبون / كتابات

كتب / د. أحمد باحارثة

 

تتوالى الشعوق على دولتي التحالف سواء في داخل اليمن أو في جوارها المائي، ويتوالى النفس الحانق الغاضب على ذاك الثنائي الأعرابي، وتضيق باطراد عليه المخانق بعد أن تعددت المزالق، خاصة من الشعب المخنوق في المحافظات المحرحرة من عدن حتى المهرة.

 

ولعل بعض المطلعين على صفحتي في الفيس بوك يتذكر أنني درجت في كتاباتي المنشورة على وصف ما عرف بعاصفة الحزم بصفة عاصفة الهدم، ليقيني حينها أن مآل تلك الحرب التي شنتها على اليمن بالاشتراك مع دولة الإمارات هو هدم البلاد على الجميع في الجنوب والشمال سواء بسواء، وقد نالني جراء ذلك غير قليل من الشتائم والتهم من متابعي صفحتي من الذين كانوا يظنون حينها أنهم سيكونون بمنأى عن الآثار الكارثية لعاصفة الرياض، ثم رضوا أن يكونوا بعض وقودها المجاني.

 

فمع الدمار الهائل الذي مس مدينة عدن بعد أن صارت شوارعها ساحات لمعارك الأشهر الأولى للحرب، ومع انهيار المؤسسات بالمكلا إثر تسليمها لجماعات مسلحة لعام كامل، وهاتان كبرى مدن الحنوب، يأتي الضرر العام الذي مس لقمة عيش كل فرد في البلاد، فإذا كان المواطن في الشمال قد افتقد راتبه الشهري بصورة مباشرة، شعر المواطن في الجنوب بأنه قد سلب راتبه فعليًا بالانخفاض المضاعف للقوة الشرائية للعملة التي يستلم مرتبه بها، أي الريال اليمني الذي تحولت مبالغه المسطورة على أوراقه النقدية إلى مجرد أرقام مماثلة لأرقام الرياضيات التجريدية لا قيمة لها.

 

لقد أصبح راتبه في صحراء حياته كسراب يظنه الموظف مالاً، حتى إذا جاءه واستلمه لم يجده شيئًا ووجد وبالاُ، فهو لا يغني من جوع، ولا يكفي أكثر من أسبوع، بينما يرى عملة دولة العواصف وحليفها الأمريكي في تصاعد مطرد لا يفرق بين محافظات محررة أو غير محررة، وكل ذلك كان له أثره السيئ في كل بيت من بيوت من ظنوا أنفسهم يومًا شركاء في تحقيق النصر والتحرير، فإذا بالشريك المفترض يتعامل معهم بطريقة من لا شريك له بعد أن ساوى في سلاحه الاقتصادي بين الجميع وسلطه على كل الجيوب في الشمال وفي الجنوب.

 

وهنا صحا ابن الشارع من غفلته وأفاق من سكرته، وصار يتعلق بالمظاهرات والاعتصامات والوقفات، لكن لمن يوجه اللوم، لمن وثق في خصمه التاريخي وأسلمه العنان للتدخل والضرب في المليان، دون أي حسبان للمآلات بعد أن اتخذ من أبناء الجنوب آلات لتنفيذ مآربه، وانقادوا لقادة العاصفة وهم يعلمون أنها تهب باتجاه سفينة مشتركة بينهم وبين من شنت ظاهريًا عليهم ممن يسكنون طرفًا منها، فلما انكسر الصاري واقتربت السفينة من الغرق بخل عليهم التحالف بأدوات النجاة فلا نفعت وديعة العاهل ولا مساعدات الهلال وانفلت العِقال وحار العُقال.

 

بل لربما أيقن ابن الجنوب أن حياته في عهد التحالف صارت أسوأ وأضنى، فهو إذ غضب في عهد النظام السابق لافتقاده لأنواع من الحقوق والعدالة الاجتماعية يطالب بها، لكن الدولة حينها كانت قائمة بجميع ومؤسساتها وحقوقه العامة كمواطن موفورة ومصونة، أما في حياته الحالية إبان تهافت التحالف فإنه رأى أن مطالبه التي تحرك لأجلها أصالة لم تحقق، وفوق ذلك افتقد حضور الدولة وحنوها، فكل المؤسسات التي كانت تضمن مستحقاته ولاسيما المالية كالمعاشات والعلاوات والتسويات كانت قائمة لم تمس، أما اليوم فصارت تلك الاستحقاقات أشبه ما تكون بالحسابات المجمدة دون بديل، بل بديل ماحق متمثل في التلاعب المطرد في أسعار الصرف التي صرفت عنه مرتبه إلى جيوب المضاربين بالعملة.

 

وبحسبة سياسية بسيطة سيدرك الناس في الجنوب أنهم قد تركوا نصائح العقال وانساقوا لآل بو عقال، ومن هؤلاء العقال عقلاء الحراك  الذين برز من بينهم من نزه نفسه وتاريخه من الولوج في المراهنة بعاصفة قد يعرف زمن هبوبها لكن لا نعرف زمن سكونها، عاصفة غير محسوبة النتائج السياسة لا لخصوص الجنوب ولا لليمن ككل، وأثبت أن الحراك غير العراك، وأن الحراك يعرف أهدافه وهو من يحدد أدواته، ولا يسمح لنفسه أن يكون ضمن أهداف الغير أو أداة لتحقيق مصالحه، أو يكون سلاحًا يوجه بالطريقة الخطأ والمكان الخطأ، ومن ثم توارى إلى الظل تاركًا الساحة للأغرار حتى تضع العاصفة أوزارها وينجلي غبارها عن مأساة وطن ما كان لساسة الحراك الحقيقي أن يتورطوا في وقوعها، وهو ما أدركه المواطن العادي اليوم بعد أن مسه وأهله الضر، وشعر أنه في أرضه غير حر، وعرف أن الحزم في عاصفة الأعراب المقصود به حزم البطون، لينطلق في عاصفة شعبية هو صانعها.

 

لكن إلى أين ستمضي هذه الاحتجاجات أو عاصفة حزم البطون الخاوية، وماذا ستكون آثارها في هذا التوقيت مع بدء انطلاق الصواريخ المعيّرة والطائرات المسيّرة، وبدء تهلهل شرعية الدرعية، وهل سيستفيد منها أو يركبها ذلك المكون السياسي الذي ادعى يومًا ما أنه الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجنوب، وهو مرتهن علنًا لأحد أقطاب التحالف المغضوب عليه من ذلك الشعب المغلوب على أمره، تساؤلات نضعها على عتبات مرحلة جديدة ينعطف إليها الوطن المنكوب بأهله، وكل منهم قد أسهم في نكبته بطمعه أو بجهله.

إغلاق