أخبار العالم
لبنان تترقب صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رفيق الحريري
ريبون / وكالات
يترقب اللبنانيون الجلسة المنتظرة الثلاثاء للنطق بالحكم في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وقد تم تأجيل هذه الجلسة من 7 أغسطس/آب إلى 18 منه بسبب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت قبل أسبوعين. وتتهم المحكمة أربعة أشخاص من حزب الله بالوقوف وراء عملية الاغتيال، ولكن المتهمين لم يمثلوا أمامها، ولا يعرف مكانهم، واقتصرت التحقيقات بشكل شبه كامل على تسجيلات من هواتف خليوية، ما يثير شكوكا بشأن مصداقية المحكمة.
بعد أسبوعين على الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت وأحياء كاملة من العاصمة اللبنانية، وبعد أكثر من 15 عاما على وقوع الجريمة، تصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الثلاثاء حكمها بحق المتهمين الأربعة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005.
وعلى إثر الكارثة التي تسببت بسقوط ما لا يقل عن 177 قتيلا وأكثر من 6500 جريح، أعلنت المحكمة، مقرها في لاهاي بهولندا، إرجاء إصدار حكمها المقرر بالأساس في السابع من أغسطس/آب “احتراما للعدد الكبير من الضحايا”.
وبعد نحو 13 عاما على تأسيسها بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة، تنطق المحكمة بحكمها غيابيا بحق المتهمين الأربعة، وهم عناصر في حزب الله، في قضية غيرت وجه لبنان ودفعت إلى خروج القوات السورية منه بعد 30 عاما من الوصاية الأمنية والسياسية التي فرضتها دمشق.
وكان للحريري، الملياردير السني، علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وحلفاء غربيين ودول الخليج العربية وكان يُنظر إليه على أنه يمثل تهديدا للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان.
وسيحضر نجل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري جلسة النطق بالحكم المقرر عقدها في الساعة 11:00 (9:00 ت غ) في لايدشندام غير بعيد من مدينة لاهاي، بحسب ما أفاد فريقه.
وأعرب الحريري في بيان أصدره في أواخر يوليو/تموز عن أمله في أن يكون صدور الحكم “يوما للحقيقة والعدالة من أجل لبنان”.
تُعد هذه المحكمة التي من المفترض أن تطبق القانون الجنائي اللبناني بحسب موقعها الإلكتروني، “الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها”.
وقد كلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءا منها.
وبعد كل هذه السنوات، تدور شكوك حول مصداقية المحكمة مع رفض حزب الله تسليم المتهمين ونتيجة اعتمادها بشكل شبه تام على تسجيلات هواتف خليوية.
ولطالما نفى حزب الله الاتهامات مؤكدا عدم اعترافه بالمحكمة التي يعتبرها “مسيّسة”.
وجراء وباء كوفيد-19، أعلنت المحكمة أن الحكم “سيتلى من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت”.
الحق في إعادة المحاكمة
في 14 فبراير/شباط العام 2005، قتل الحريري مع 21 شخصا وأصيب 226 بجروح في انفجار استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق في وسط بيروت.
باستثناء مصطفى بدر الدين، القائد العسكري السابق لحزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين وفق ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيء عن مكان وجودهم.
ونُسبت إلى المتهمين الأربعة سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا اتهامات عدة أبرزها “المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمدا، ومحاولة القتل عمدا”.
كان بدر الدين المتهم الرئيسي في القضية وكان يعتبر “العقل المدبر” للاغتيال، لكن المحكمة توقفت عن ملاحقته بعد تأكد مقتله.
وتتهم المحكمة عياش (56 عاما) الذي قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله بقيادة الفريق المُنفّذ للعملية.
ويحاكم كل من عنيسي (46 عاما) وصبرا (43 عاما) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدعي المسؤولية نيابة عن جماعة وهمية. ووُجهت لمرعي (54 عاما) اتهامات بالتورط في العملية.
ويقول ممثلو الادعاء إن المتهمين ربما كان دافعهم الرغبة في التخلص من الحريري.
لكن محامين عينتهم المحكمة نفوا وجود دليل مادي يربط المتهمين بالجريمة وطالبوا بتبرئتهم.
ويواجه المتهمون، في حال تمت إدانتهم، احتمال السجن المؤبد. ويُتلى حكم العقوبة في جلسة علنية منفصلة عن جلسة النطق بالحكم.
وأوضح متحدث باسم المحكمة أنه “إذا كان الشخص المدان طليقا وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة، تصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف بحقه”.
ويحق للادعاء والمدان استئناف الحكم أو العقوبة، وفي حال توقيف أحد المتهمين يجوز له أن يطلب إعادة محاكمته.
ولا يعني النطق بالحكم أو العقوبة انتهاء عمل المحكمة، كونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.
“زلزال حقيقي”
وجاء اغتيال الحريري، الذي استقال من منصبه في 2004، في فترة بالغة الحساسية وفي خضم توتر مع دمشق، التي كانت قواتها منتشرة في لبنان وتتحكم بمفاصل الحياة السياسية. وشكل اغتياله علامة فارقة في تاريخ البلاد، بعدما دفعت النقمة الشعبية وتحالف “14 آذار” السياسي الواسع الذي أفرزه، إلى انسحاب السوريين.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في باريس وبيروت كريم بيطار لوكالة الأنباء الفرنسية قبل أيام من انفجار مرفأ بيروت “حتى وإن كان للبنان تاريخ طويل من الاغتيالات السياسية، إلا أن هذا الاغتيال شكل زلزالا حقيقيا”.
وخلال المحاكمة، قال الادعاء إنه جرى اغتيال الحريري كونه كان يُشكل “تهديداً خطيرا” للنفوذ السوري في لبنان، الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية وترتبط قواه السياسية بدول خارجية.
ويقر المدعون بأن القضية تعتمد على أدلة “ظرفية” لكنهم يجدونها مقنعة، وتعتمد أساسا على تسجيلات هواتف خلوية قالوا إنها تبين مراقبة المتهمين للحريري منذ استقالته وحتى الدقائق الأخيرة قبل التفجير.
وورد في القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة أنه يقوم على أدلة “ظرفية تقوم على الاستنتاج والاستدلال المنطقيين”، بحسب نص القرار بالعربية، وأبرزها “التلازم المكاني” لسلسلة طويلة من الاتصالات الهاتفية التي أجراها المتهمون من هواتف محمولة عدة.
وقال سعد الحريري “لم نقطع الأمل يوما بالعدالة الدولية وكشف الحقيقة”، داعيا أنصاره إلى التحلي بالصبر و”تجنب الخوض بالأحكام والمبارزات الكلامية على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلا وانقساما في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من حلفاء حزب الله شككوا في مصداقيتها.
ويقول بيطار أنه وبرغم مرور الكثير الوقت ودخول الحريري الابن في تسويات سياسية مع حزب الله فإن “أكثر ما يثير القلق… أن الاستقطاب لا يزال بالغا، ومن الممكن أن تشتعل الانتماءات المذهبية مجددا وبسرعة كبيرة”.
والأسوأ أن صدور الحكم يأتي في ظروف بالغة الصعوبة بعد انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية الذي أدى إلى استقالة الحكومة، وصعد التحركات الاحتجاجية ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والإهمال، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان. وقد يؤدي الحكم في لاهاي إلى تعقيد الوضع المضطرب بالفعل.
فرانس24/ أ ف ب/ رويترز