كتابات
هوية الجنوب وثنائية حضرموت والجنوب العربي
ريبون / كتابات
بقلم الأستاذ / عباس باوزير
للهوية مفهوم غامض مثلها في ذلك مثل الثقافة , فلا يمكن إن تكون الهوية الثقافية لشعب ما واحدة أو نقية تماماً, إلا في جانب منها, سلفي ومريض بالعصاب . ولا يمكن إن تكون خالية من كل الثوابت الحاكمة إلا في جانب آخر مقابل , وهو الجانب المستلب الذي يعجز عن رؤية أي طريق سوى طريق الآخر,على نحو يحولها إلى محض مستهلك لعالم كائن دون إن يفكر في المحتمل وما يمكن إن يكون .
فالهوية حين تطرح نفسها بوصفها ثقافة لا حضارة تصبح مصنوعة حيث يعاد تشكيلها داخل الممارسات والعلاقات والرموز القائمة والأفكار المتداولة , وان التطور وحركة الزمن يجبران أي هوية ترغب في البقاء على السيرورة الدائمة حيث إن حراك الهوية المتصل يصعب اختزاله في منطوق ضيق يتوخى تثبيته بما يجافي طبيعته لأنه بناء نظري متحرك لا يعرف الثبات ذو مفاهيم تتنازعها مباحث معرفية متعددة ومناهج مختلفة وتناولات تتراوح بين التوصيف العلمي لسياق وجود (المفهوم) التاريخي والنسبي والتوظيف السياسي الموجه للمفهوم بوصفها أداة في يد (الدولة)أو (الجماعة) تضفي عليه صفة الثبات عبر عملية مستمرة من التطبيع الاجتماعي, مختزلة إياه إلى عناصر توظفها من اجل أهداف أيدلوجية.
ولكن الهوية دائماً ما تكون قابلة للتشكيل والتحول التدريجيين, فليس من المستغرب إن تتجاور أكثر من انتماء مختلف للهوية الوطنية الجامعة , ومن خلال هذا التجاور تظهر في المجتمع هوية ذات انتماء مستلب أو ضعيف إلى جوار هوية أو هويات ذوات انتماءات قوية أو طاغية في المكان والزمان انفسهما ,باعتبار إن كل حامل هوية إنما يحوز رأسمالاً رمزياً خاصاً يمنحه قدرة تمكنه من الاعتراف والرفض التي تمثل في حقيقتها بعداً محورياً للحياة الاجتماعية داخل هذا المجتمع .
من هذا نستطيع إن نقول إن دعاة (حضرمة الجنوب) مثلاً إنما ينطلقون من تلك النظرة بتسيَد الهوية الحضرمية (بأبعادها التاريخية والجغرافية والثقافية) على كل المشهد الجنوبي, بينما يكتفي آخرون يشاركونهم نفس ذات الهم (الحضرمي)بالانكفاء ضمن أطار العام ((1967م)) الذي هو الآخر يحمل في ثناياه تساؤلات تكاد تعصف بكامل هيكل بنيانه ,إذ تشكل الهويات الداخلية صراعاً وتساؤلات تعيدنا للمربع الأول إن لم تعمم الإجابة عن كافة التساؤلات التي تطرح بين \\ عمومية وخصوصية\\ الهوية الحضرمية وحدودها الجغرافية!! .
ولأن صحوة (الهوية)ظهرت تحت سياط الاحتلال وتعدياته, فقد عدَها الكثير مجرد رد فعل للمعاناة ونكاية بالأخر (الاحتلالي),الأمر الذي تغيب عنده المعايير الحقيقة والمقاييس التي يمكن لها إن تحدد دقة التوصيف من جهة وحدود (القواسم) من جهة أخرى, وبغياب هذه المعايير تصبح هكذا دعوات إلى هوية ما ضرباً من العنصرية أو الجهوية في أضيق صورها , سيما وان ضيق الأفق وضربات الحاجة للخلاص تسَرع من انتهاج مثل هذه الدعوات , بينما يمكن لها\\ إن اختلفت الظروف المصاحبة \\ إن تجد لها فرصاً من الحوارات والنقاشات (الهادئة ) قد يفضي بها إلى اتفاق هنا أو قبول هناك.
وحتى لا نثقل على المتابعين ——- نرى إن ينظر لمثل هذه الدعوات بعين تلك المبررات والأعذار التي أوردتها بأعلاه في انتظار إن طاولة حوار ونقاشات مجتمعية داخلية (جادة) ستوصلنا بالضرورة إلى نقطة نلتقي (نحن الجنوبيون)عندها .