كتابات
لا تتركوا وحدين وحده
ريبون / كتابات
كتب / د. أحمد باحارثة
قبل أيام قليلة همس أحد ممثلي الأمم المتحدة في أذن أحدهم بقول لو صرح به فليس فيه بالملام، قال: لم نجد سياسيًا في قادة مكونات الحراك الجنوبي التي نتخاطب معها، ونتواصل بها، فهم ما بين عسكريين ومراهقين، ومن ثم فليس في الجنوب سياسيون يحسنون عرض قضيته، أو أن من كان سياسيًا منهم ليس في دائرة التأثير والتمثيل”، هذا مضمون ما قاله ذلك الممثل الأممي، وهو برأيي صحيح إلى حد كبير.
فالجنوب قد أفرغ قديمًا من سياسييه بالتصفيات المبكرة المعروفة أيام دولته الآفلة، حتى بقي في صدارتها عسكر وأغرار تفانوا إلى أن سلم آخرهم البلد إلى وحدة جائرة، وصفقة بائرة، ومع ذلك بقي بعض الساسة في الظل لا يسمع لقولهم ولا ينظر في رأيهم، إلا في وقت متأخر بعد أن ينقضي وقت نفعه كما قال أمير الشعراء:
الرأي ليس نافعًا إذا أوانه مضى
ومن هؤلاء الساسة، ساسة الظل في الجنوب اليوم السياسي الحضرمي المخضرم عبد المجيد وحدين (أبو عصمت)، وقد عرفه الناس بمواقفه وآرائه السياسية التي يجهر أو يجأر بها، رغم درايته بأنها مخالفة للتيار الوقتي الذي يسلط عليه الضوء، ويتم التسويق والترويج له بين الناس، سواء على مستوى حضرموت أو مستوى الجنوب ككل، وهي مواقف وآراء ما زال رنينها قائما، وما زال الشارع يرى جناية عدم الاستماع لها ماثلة، ولسان حالهم يقول قد قالها بو عصمت حين الكل صمت.
وإذا كانت الأحداث قد تعطيك يوما فرصة للالتقاط الأنفاس، وتتدارك ما فاتك وتجبر غلطاتك، فإن قاصمة قد تأتيك إن لم تحذر منها أو تهيئ نفسك لها قصمت ظهرك، أو أضعفتك وجرفتك إلى حيث لا تريد ولا ترجو، وهذه القاصمة يشمها السياسي المحنك قبل أن تحل وتصبح واقعًا، وهذا ما يفعله اليوم وحدين بإلقائه لتصريحه الأخير، بل هو أشبه بالإنذار النهائي حول ما يجري:
“استمرار الحرب مع عدم إرادة الحسم يعد عبثًا وتدميرا ذاتيًا”.
فهذه الحرب بدأت والجنوب ساحتها، وها هي الآن تعود ليكون الجنوب هو ساحتها مجددًا، وبين مبتدئها وحالها اليوم اكتسب الوضع في الجنوب مكاسب ظاهرة للعيان، هيأ لاكتسابها تدخل طرف خارجي في الحرب من جانب، وانقسام الخصم الداخلي من جانب آخر، ثم بدا أن الطرف الخارجي قد أعطى للجنوب أقصى ما يمكن له إعطاؤه، كما بدا أيضًا أن الخصم الداخلي صار عازفًا عن الحرب، ومتذمرا من سلوك الطرف الخارجي في الجنوب، وفي الوقت نفسه لم يعد خافيًا أن هذا الخصم قد بدأ يستشعر إنهاك الحرب لمجاله الجغرافي والاجتماعي، ولا يريد مزيدًا من الآثار السلبية لها في صفوفه، إن لم نقل إن شعور الإحساس بالذنب بدأ يقض مضاجع كثير منهم.
ومن ثم فإن سكون الجبهات المتجهة شمالا بشكل أو بآخر، وبعذر أو بآخر، فهذا يعني اتجاهها جنوبًا حيث صار الطرف الخارجي عدوًا مشتركًا للمعادي له وللمتذمر منه على السواء، وحيث المكتسبات الجنوبية التي يتوجس منها الخصم خيفة، أي الخصم الشمالي بشقيه على السواء أيضًا، ومن ثم فإن انطلاق الحرب كان مصلحة جنوبية وشكل تدميرًا (مشروعًا) لتدمير الشمال الخصم، و أصبح استمرار الحرب اليوم مطلبًا للجهة المعاكسة تسهل له انقضاضًا (مشروعًا) على المكتسب الجنوبي.
ومن هذا المنطلق البصير، وعلى هذا الأساس الخطير يأتي قول وحدين: “استنفذ وقت الحرب، وحان وقت السلام”. قاله وحدين اليوم بعين السياسي الحصيف؛ لأنه يعلم أن غدا لن يكون هناك مجال للقول، فهل نسمع له اليوم، وتضم سائر المكونات صوتهم إلى قوله، أو نستسلم كما قال: (للعبث والتدمير الذاتي) لكل المكتسبات.
فلا تتركوا وحدين وحده، ولا تسقطوا الغصن من يده، قبل أن يهيج مصفرا ويصبح الوطن حطاما.