كتابات
بين محسن وعيدروس
ريبون / كتابات
كتب/ د. أحمد باحارثة
صناعة الأبطال سياسة قديمة لجأت إليها بعض الجهات الدولية والإقليمية النافذة؛ لأغراض تخدم مصالحها في بلدان تتغيا منها أن تبقى تحت نفوذها، وأن تظل مسيطرة على حركة التحولات في أنظمتها السياسية، وإذا حاولنا تلمس هذه السياسة في الحالة اليمنية من جانب الجيران الأثرياء لربما نصل لشيء من ذلك قد يصح وقد لا يصح بحسب تقدير قارئ السطور.
أما البطلان المصطنعان اللذان سنقف عندهما فهما كما نظن أشهر رجلين عسكريين يعتمد عليهما التحالف السعوراتي في حربه الضروس، التي ما زالت كابسة على النفوس، منذ ما يزيد على أربع سنوات عجاف خلت، ساءت أحوال البلاد خلالها وتخلخلت.
هذا البطلان هما الجنرال العجوز علي محسن الأحمر، والجنرال المكتهل عيدروس الزبيدي، وربما كان فارق السن هو الفارق الأبرز بين هذين الرجلين اللذين يهيمنان على الأحداث، ولاسيما في الأحداث الأخيرة في جنوب اليمن وشرقه، لكنهما بعد ذلك يكادان يتنافسان في التماثل بينهما أو بين وضعيهما.
فالرجل الأول وهو محسن يمثل حصان طروادة للعربية السعودية، وهو رجلها في اليمن، يستند في ذلك على قوة جبارة تتمركز في مأرب، يتكون معظمها من العناصر الشمالية، ويحتفظ بطائفة منها في الجنوب بأجزاء من محافظتين شرقيتين هما حضرموت وشبوة، ويستمد شرعيته على الأرض من حضور شعبي يتمتع به عند طائفة كبيرة من الشماليين، وهو يستمدها من إيهام أنصاره بالعمل على تحرير المحافظات الشمالية من الجماعة الطائفية الموالية لإيران.
ويمثل عيدروس حصان طروادة لدولة الإمارات المتحدة، فهو رجلها في اليمن، وأسندته بقوة ضاربة تتمركز في عدن، يتكون معظمها من العناصر الجنوبية، ويحتفظ بجانب منها في الشمال بأجزاء من محافظتين غربيتين هما الحديدة وتعز، ويستمد شرعيته على الأرض من حضور شعبي يتمتع به عند طائفة كبيرة من الجنوبيين، ويخاطبهم بتحرير محافظاتهم الجنوبية من الشماليين، ويخاطب داعمه بتحريرها من الجماعات الإرهابية والإخوانية الموالية لقطر.
وحيث إن كلا الرجلين يدينان بالولاء للتحالف ولشرعية هادي فإن الوضع القانوني الرسمي الذي يتمتع به محسن كنائب للرئيس وفي اختيار بعض المؤثرين من الوزراء في الحكومة التي تدير ما يسمى بالمحافظات المحررة، ينبغي أن يحصل عليه عيدروس الذي صار لاعبًا ندًا أريد للأحداث الأخيرة أن تعلن عنه، وبذلك ربما تسفر لاحقًا عن دور سياسي متقدم له ولمجلسه الانتقالي في تلك المحافظات، أي يصبح شريكًا في الحكومة.
وهذه الخطوة مقصودة من التحالف السعوراتي لإعطاء غطاء لحكومته الموالية لتصبح مرضيًا عنها شعبيًا من كلا الاتجاهين الشمالي والجنوبي، مما يكسبها قوة واستقرارًا، وذلك بعد تعالي الصوت الجنوبي بأن الحكومات المتتالية بعد الحرب لا تمثلهم، باعتبار أن الوزراء الجنوبيين إنما هم موالون لجهة غير مرحب بها، ومختارون من جانبها، أي جهة الشمال الذي يمثله محسن، أما المتوقع الآن فأن يأتي وزراء في ذات الحكومة لكن تحت تعميد البطل الجنوبي ومجلسه.
وبهذا يصل التحالف السعوراتي، أو يحاول أن يصل، من جانب إلى إحداث تآلف بين الطرفين الفاعلين في مناطق اليمن الموالية، يضمن لمشهدها السياسي نوعًا من الاستقرار، ولو إلى حين، ومن جانب آخر إلى إحداث توازن بين من يحقق مصالح طرفي التحالف التي تبدو في الصحاري والبراري عند السعودية، وفي السواحل والجزر عند الإمارات، وكل بطل ميسر لما صنع له.