كتابات

الحلقة الثالثة : الشهيد الدكتور / عبدالسلام الدميني، محاورا في شرعب العام 1980م

ريبون / كتابات

كتب : حمود محمد المخلافي ( الحبشي)

لما كان الصراع العسكري على أشده في منطقة شرعب بمديريتيه السلام والرونة بعد تجييش السلطة لقوى عسكرية غير عادية في 28/4/1980م وأستمرت لمدة 27 يوم تقريبا تمكنت من إخضاع كل المنطقة لهيمنتها العسكرية ونشدد هنا على العسكرية فقط ماعدا بعض جيوب المقاومة التي أستمرت في الأمجود كمثال .

تم تمركز الحملة بإقامة وبناء المواقع العسكرية في اهم جبال وتباب المنطقة في الشرف والحمصي وبني وهبان وخوالة والمقطار…الخ

وبداية عند تباشير تحرك الحملة العسكرية كان لابد من اتخاذ جملة من التدابير نتيجة عدم تكافؤ القوى ولتجنب الخسائر التي كان يتوقع قادة الحملة إلحاقها بالجبهة وقواعدها..تمثلت تلك التدابير بإعادة التنظيم والتوزع الى مجموعات صغيرة سهلة الحركة والإختفاء وسحب بعض منها الى خلف خطوط المواقع العسكرية المحتملة، الأهم من هذا إقرار عدم المجابهة المباشرة مع قوات النظام والاعتماد على حرب العصابات وبالذات خلف خطوط قوات النظام واستهداف خطوط إمداداته .

في 25/5/1980م تم تنفيذ عملية نوعية خلف خطوط النظام وفي قلب مديرية السلام تم خلالها اسقاط موقع الشرف ذو الاهمية العسكرية والادارية المطل على مقر السلطة المحلية ويقع خلف خطوط قوات النظام، إسقاطه صباحا والانسحاب منه في مساء نفس اليوم .

اسقاط موقع الشرف تزامن مع انتفاضة كل المجاميع التي كانت معدة سلفا في عموم المنطقة في عمليات هجومية ناجحة، تم فيها اسقاط كل المواقع العسكرية واجبار القوات المتمركزة فيها على الإنسحاب، ولم يشرق فجر يوم26/4/1980 م الا على خلو المنطقة من القوى العسكرية للسلطة

اعطت العملية اصداء واسعة ورفعت معنويات الأفراد والمجاميع، وصل صداها الى العاصمة صنعاء حيث بادر الرئيس صالح بإستدعاء الشهيد الدكتور عبدالسلام الدميني قائلا له شوف أصحابك إيش يعملوا مكلفا إياه ضمن لجنة للحوار تضم الى جانبه محافظ إب منصور عبدالجليل حينها ومحافظ تعز محسن اليوسفي ، وذلك بعد يومين فقط من العملية العسكرية المشار اليها
وصلت مذكرة من قيادة منظمة الحزب في تعز بانتداب إثنان للدخول الى المدينة للتشاور
وتنفيذا لذلك .

تم دخولنا تعز انا والأخ قائد سيف..رغم المخاطر أستجبنا لتنفيذ التوجيه، كان بقاؤنا في احد بيوت الطلاب لفترة أسبوع بدون أي اتصال من قيادة المنظمة، أضطرينا عندها إلى تحرير مذكرة لسكرتارية المنظمة توبيخية مضمونها ( وصلنا المدينه بناء
على طلب منكم واستجابه لدعوتكم ونحن مقيمين بمكان انتم تعرفوه وتربطنا بكم خطوط آمنه ولانعرف سبب تاخير اللقاء . ولكن هذا التاخير لايزيدنا الا ثقة بانكم بمستوى المسؤلية لتحمل مسؤلية البلاد) .

كنا مختفيين وكان الخوف رفيقنا الدائم مخافة الاكتشاف لمكان تواجدنا بالإضافة الى قلقنا من الآتي ومايخبئه الزمن

إثر تحريرنا لتلك الرسالة، وصل كل من الشهيد الدكتور عبدالسلام الدميني وبرفقته سكرتير المنظمة الشهيد نصر والدكتور منصور عون كانت تلك المرة الأولى التي نلتقي فيها الشهيد عبدالسلام الذي كان حريصا على اختصار اللقاء، اوضح فيها مهمته المكلف فيها وكانت المفاجأة انه مكلف من الرئيس صالح بضم الرفيق قائد سيف الى قائمة اللجنة وهو مالم يكن في الحسبان وطلب منا الرأي..رغم الخوف والقلق كان رأي قائد سيف واضحا أنه مستعد في حالة ان تكلفه المنظمة بتلك المهمة، وأفترقنا الى لقاء آخر لحسم هذا المقترح .

رغم الرقابة البوليسية الشديدة على الشهيد الدكتور عبدالسلام إلا أنه كان قادراً على التخلص من مراقبيه والتسلل الى المنزل الذي نختفي فيه .
صعب جداً ان يصف احد مزايا الشهيد وسجاياه
كل ما نستطيع تذكره انه كان جاداً في الحوار ، لم يكن يسهب في الحديث كان اشد الناس اختصاراً ولايمكث اكثر من الخمس او العشر الدقايق في لقاءاتنا معه .
نتذكر ميزة ينفرد فيها الشهيد انه يمتلك خطاً جميلاً وعندما يستهل خطاباته كان يبدأه بـ العزيز – فلان .

في أحد اللقاءات مع الشهيد الدميني وبحضور قادة السكرتارية تم إفهامنا ان السكرتارية لم توافق على مشاركة قائد سيف في الحوار ضمن اللجنة لسبب واحد ان النظام لايؤتمن .

كان الشهيد قد حزم أمره في قضية المشاركة ويحمل تصريحا امنيا ً بعشرة مرافقين وحدد خيارات مكان اللقاء بأماكن متعددة ومن ضمن الخيارات التي قدمها الشهيد كجانب أمني ان يتقمص الرفيق قائد سيف شخصية احد المرافقين للشهيد وفي الاجتماع المحدد وفي المكان المحدد يبرز مفاجئا الجميع بوجوده ضمن المرافقين.

كنا طموحين للحوار ومتمسكين فيه باعتباره الخيار الأفضل لتحقيق الأمن والاستقرار ، لكن عدم ثبات النظام في جديته كانت مصدر قلقنا جميعا .

بعد مشاورات عدة تم الوصول الى قرار بتكليف الشهيد قائد قاسم (القردشي) بإعتباره متواجدا في المنطقة بالمهمة والحوار معه.

تحرك الشهيد عبدالسلام الدميني الى الحديدة والتقى قيادتها لتنفيذ المهمة والتواصل مع الشهيد القردشي وتحدد مكان اللقاء في المضروبة منطقة قريبة من مدينة حيس باتجاه جبل راس .

طلب من الشهيد القردشي التحرك الى المكان ولحظة وصوله فوجيء بكمين في الموقع المحدد للقاء واطلاق نيران من كل المواقع ..
حاول الشهيد الدميني الاتصال بالمحافظ المتفق معه مسبقا وبالقيادات العسكرية والرئيس الا ان الوقت انقضى ولم يعد الوضع مطمئنا.. انسحب الشهيد القردشي في صحراء المنطقة وهجير شمسها وسط اطلاق النار وسقوط احد الأفراد بسبب العطش شهيدا هو / محمد حميد عبده هادي .

كشفت هذه الوقائع جميعها ليس عدم جدية النظام وخياناته فحسب وانما قرار تصفية الشهيد الدكتور عبدالسلام الدميني كان قد أتخذ..
فقط كان النظام يبحث عن أكبر وجبة من الضحايا وعندما لم يتحقق له ذلك أقدم على تصفية الدكتور عبدالسلام الدميني مع أخويه في 28 اغسطس العام 1980 م .

رحم الله الشهيد الدكتور عبدالسلام الدميني وأخويه وكل شهداء السلام .

حمود محمد المخلافي ( الحبشي)

27/6/2020م

إغلاق