كتابات

د.عيدروس النقيب : كل الأطراف والتحركات الدولية تأخذ الحرب بمعزل عن أسبابها

رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي في حوار خاص مع صحيفة (4 مايو)

4 مايو / حوار نسمة صلاح

أجرت صحيفة “4 مايو” حوارًا هامًا وصريحًا مع رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي د.عيدروس النقيب تطرق إلى العديد من القضايا والمواضيع الهامة المتعلقة بنشاط دائرة العلاقات الخارجية ودورها في بلورة أفكار وأهداف المجلس الانتقالي وإيصال قضية شعب الجنوب إلى دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة البريطانية ، كما تطرق الحوار إلى ما يدور على الساحة الجنوبية واليمنية وموقف النخب السياسية ووجهة نظرها في أسباب إطالة أمد الحرب التي أشعل فتيلها المتمردون الحوثيون والتي دخلت عامها الرابع دون وجود أي بوادر تلوح في الأفق لإيقافها ومعالجة أسباب اندلاعها وجذور مشكلتها ، هذه وغيرها من القضايا والمواضيع أثرناها مع د.عيدروس النقيب في ثنايا الحوار التالي:

 

-كيف تقيمون تعاطي الدول المؤثرة عالميًا مع القضية الجنوبية خصوصًا والأزمة اليمنية عموما؟

ما يزال المجتمع الدولي، ممثلا بالمنظمة الدولية والدول الكبرى ، ينظر إلى الأزمة اليمنية من خلال ثنائية الحرب والسلام، ويبدو أن الكثيرين في هذه الأطراف المؤثرة تتجاهل ثنائيات أخرى وربما لا تعلم الكثير من تفاصيلها، وأعني هنا ثنائيات “الانقلاب والشرعية”، “الشمال والجنوب”، “الوحدة وحق تقرير المصير”، وللأسف الشديد حتى بعض الأشقاء يقفزون على هذه الثنائيات رغم أن التعاطي معها قد يمثل مدخلا سليماً ومهماً وربما وحيداً للغوص في الجوهر الأساسي لأي محاولة للخروج من دائرة الحرب اللعينة التي أوصلت اليمن (جنوبها وشمالها ) إلى ما وصلت إليه من انهيارات مريعة في جميع جوانب الحياة.

 

-هل استطاعت العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي الجنوبي أن توصل قضية شعب الجنوب لدوائر صنع القرار في العالم؟

إيصال القضية الجنوبية إلى دوائر صنع القرار ؛ عملية طويلة ومتواصلة وهي تستغرق زمنا قد يطول أو يقصر بالاعتماد على الكثير من العوامل والتفاعلات الداخلية أولا والخارجية ثانيًا، لكن لكي لا نخوض في الكثير من التفاصيل دعيني أؤكد أنه ومنذ تأسيس دائرة العلاقات الخارجية، ومن ثم افتتاح مكاتب الدائرة في الكثير من المراكز المؤثرة، وخصوصا مكتب الدائرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة البريطانية  يجري العمل على قدم وساق للوصول إلى دوائر صنع القرار في هذه المراكز، سواءٌ تعلق الأمر بالبرلمانات أو الأحزاب السياسية وكتلها البرلمانية، أو وزارات الخارجية والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها ومبعوثها الدولي إلى اليمن، فضلا عن العمل مع العديد من السفراء والممثلين الدوليين لدى منظمة الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن، وقد تمكنا ، من خلال مكتبنا في الولايات المتحدة، وكذا في بريطانيا وفي دول الاتحاد الأوروبي وممثلينا في بعض البلدان العربية ، من إحداث اختراقات ممتازة أعطت نتائج إيجابية تجسدت في وصول الكثير من دوائر صنع القرار إلى قناعة باستحالة حل الأزمة اليمنية دون التعاطي الجاد مع القضية الجنوبية ومطالب الشعب الجنوبي.

 

-من وجهة نظركم ؛ كيف ترون التحرك البريطاني الأخير ممثلا في زيارة وزير الخارجية السيد “جيريمي هانت” للسعودية والإمارات والتصريحات الأمريكية الأخيرة بخصوص وقف الحرب في اليمن؟ وهل التحرك البريطاني منسجم مع المبادرة الأمريكية التي أعلن عنها وزير الدفاع “ماتيس”؟ وما موقع الجنوب من الجهود والتحركات الغربية الأخيرة؟

لا علم لديّ عن مدى الانسجام أو التنسيق أو عدم التنسيق بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن اليمن والأزمة اليمنية، لكن ما يمكن تأكيده هنا هو أن كل الأطراف والتحركات الدولية بشأن الأزمة في اليمن، بكل أسف، تأخذ الحرب بمعزل عن أسباب الحرب ، وهو ما يجعل الأزمة وما ترتب عليها من كوارث معلقة وقابلة للتصاعد في أي لحظة من اللحظات، بل أن بعض المحللين ينظرون إلى المبادرة البريطانية وبعض ما تبين من مضامين التحركات الأمريكية تأتي بمثابة إنقاذ للحركة الانقلابية، فوقف الحرب دون شروط يعني إعطاء مهلة للانقلابيين لإعادة ترتيب أوضاعهم وتموضع قواتهم, وفي هذا الإطار يتم تجاهل الأبعاد والتعقيدات السياسية، بما في ذلك القضية الجنوبية ومضمونها الوطني والسياسي بالرغم من التلميحات هنا وهناك إلى أهمية أخذ قضية الجنوب (كما يسمونها أحيانا) على محمل الجد.

وعموما نؤكد هنا أن على الأطراف الدولية والإقليمية أن تستلهم من كل التجارب السابقة أسباب الفشل الذي تعرضت له جميع المحاولات الهادفة إلى حل الأزمة والمتمثلة في تجاهل وإهمال القضية الجنوبية، والبحث في تفاصيل النزاع بين المليشيات والأطراف المعتمدة على وسائل الحرب والقوة.

 

-ما مدى حجم التنسيق بين دائرة العلاقات الخارجية والجاليات الجنوبية في الخارج؟

نحن كدائرة علاقات خارجية ؛ نعمل مع المغتربين الجنوبيين من خلال عمل مكاتبنا في البلدان المختلفة حيثما توجد تلك المكاتب، وهذه المكاتب هي من تشرف على الجاليات الجنوبية الموجودة في مختلف المدن والدول، كما توجد تنسيقيات للمجلس في عدد من البلدان تلعب دور الجاليات في مدن وبلدان وجودها، ونشعر بأن هذا الشكل من التنسيق يمكننا من تحقيق غايتين: الأولى تمتين الروابط مع المغتربين الجنوبيين، والثانية استلهام همومهم وآرائهم فيما يتعلق بالأوضاع في الداخل والمجريات السياسية على الساحة الجنوبية عموما، وتقوم بعض التنسيقيات بتنظيم الفعالية الوطنية التي من شأنها تمتين الروابط مع المواطنين الجنوبيين، وكذا العمل مع الجهات الحكومية والمدنية في ساحات تواجدها وإيصال قضية الشعب الجنوبي وتطلعاته إلى السلطات المحلية والنواب البرلمانيين في أماكن نشاطها.

 

-ما هي أهم المعوقات التي تواجه عملكم؟

نعم .. لقد بدأنا العمل من الصفر، في ظل غياب الكثير من مقومات العمل وضرورياته، لكننا والحمد لله وبعد ما يقارب العام والنصف من إعلان الدائرة استطعنا إنجاز الكثير من المهمات، وأهمها إيصال الصوت الجنوبي إلى الكثير من دوائر صنع القرار في البلدان الشقيقة والصديقة، والمنظمات الإقليمية والدولية. ومع ذلك هناك الكثير من المعوقات والتعقيدات التي تعترض أنشطتنا وتحول دون بلوغ الأهداف التي نرسمها ونسعى لتحقيقها، أهمها ما يتعلق ببعض النواقص اللوجستية والمادية، والبشرية، وفي الجانب الآخر أننا نتعامل في بلدان معظمها مفتوحة لكل أنواع النشاط السياسي، ونحن لسنا وحدنا في هذه الساحة، وللأسف خصوم القضية الجنوبية وخصوم الجنوب لديهم إمكانيات وخبرات دول، وينتشرون ويعملون بطاقة أكبر من طاقتنا وإمكانيات أكبر من إمكانياتنا، وخبرة ربما أكثر من خبرتنا، وهو ما يتطلب منا مضاعفة ما نبذله من جهود وما نقدمه من طاقات مادية ولوجستية للتغلب على ما يقوم به خصومنا.

كما أن هناك معوقات تتصل بالعمل في بعض البلدان العربية والإسلامية، فالعمل في هذه البلدان يواجه صعوبات كبيرة ؛ حيث العمل السياسي يكاد يكون شبه محظور، ومع ذلك أحيي الجهود التي يبذلها ممثلونا وقيادات الجاليات الجنوبية في البلدان العربية الشقيقة ، وأحيي التسهيلات التي يلاقيها أهلنا في تلك البلدان.

 

-كيف تقيمون الأداء السياسي للمجلس الانتقالي بصفة عامة؟ وهل أنتم راضون عن ما تم إنجازه إلى الآن؟

المجلس الانتقالي نشأ في ظروف استثنائية ليتولى قضية استثنائية عمرها أكثر من ربع قرن، وعندما جاء إعلانه في مايو من العام (2017م)، توقع كثير من الناس أنه سيكون مجرد مكون هامشي سيضمحل خلال أيام وعلى الأكثر أسابيع، لكن المجلس نجح في شق طريقه وبناء مؤسساته والانتشار في عموم الوطن ووصوله إلى المدن والأرياف والأحياء والقرى، كما أوصل نشاطه إلى الخارج بوضوح وقوة وفاعلية مرضية، واستطاع استقطاب مئات الآلاف من المناصرين والأعضاء والنشطاء. وبالمقارنة مع الفترة القصيرة منذ ميلاد المجلس لا بد من القول بإنصاف أنه نجح في تمتين مداميك بنيانه وشق طريقه وسط مسالك وعرة وفي بيئة شديدة التعقيد، لكنه نجح في تجاوز العزلة وفتح النوافذ مشرعةً للتواصل مع العالم ووصل إلى الكثير من المنابر الإقليمية والدولية.

لكن كل هذا لا يعفينا من الإقرار بأن التحديات كبيرة والتعقيدات شديدة والمهمات جسيمة وهو ما يتطلب تشخيص بعض الأدواء التي لحسن الحظ كلها قابلة للعلاج بوسائل ليست صعبة المنال. فالمجلس الانتقالي بحاجة إلى الاهتمام بالأمور التالية:

أولا على الصعيد السياسي: في الوقت الذي حقق المجلس توسعاً طيباً في بناء مؤسساته فإنه بحاجة إلى مزيد من الانفتاح على جميع النشطاء السياسيين الجنوبيين وجميع منظمات المجتمع المدني الجنوبية، لتصبح جزءًا من المشروع الوطني الذي يتبناه المجلس الانتقالي.

ثانيا: فتح أبواب الحوار مع كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي، من الشخصيات السياسية التاريخية، وقادة مكونات الثورة المساهمة في ثورة الحراك السلمية الجنوبية، وضحايا الاعتقال السياسي من قبل نظام “علي عبد الله صالح”.

ثالثا : توسيع المشاركة الجماهيرية والسياسية في أنشطة المجلس حتى لو اقتضى الأمر توسيع عضوية الهيئات بدءًا بهيئة الرئاسة والجمعية الوطنية حتى الهيئات في المحافظات والمديريات.

أما على الصعيد الإعلامي يحتاج المجلس إلى توسيع نشاطه الإعلامي وابتكار أساليب ووسائل قادرة على مواجهة عشرات المنابر الإعلامية التي لا شغل لها سوى التشويش على عمل المجلس وتزوير الحقائق المتصلة بعمله والتضليل على جماهيره وعلى الملايين من الأبرياء.

وعلى الصعيد الفني يحتاج المجلس إلى التركيز على عدد من القضايا منها: البناء المؤسسي، ونقصد هنا ليس فقط إقامة المؤسسات التي لحسن الحظ كثير منها قائمة، لكنني أقصد التقيد بالنظام المؤسسي وصياغة منظومة العلاقات بين المؤسسات الدنيا والعليا، وبين الهيئات المتوازية لتسهيل عمل هيئات المجلس ، وكذا تحديد التراتبية التي وفقها يمكن للمجلس أن يسرع من عملية تنفيذ خططه وقراراته، والاستفادة من الثورة الرقمية في تفعيل عملية التواصل لضمان وصول المعلومات والوثائق والقرارات من الأعلى إلى الأدنى في أقصر الأوقات، إلى جانب التركيز على الكوادر النوعية في الجهاز التنفيذي للمجلس، وأقصد بالنوعية، هو أن تكون تلك الكوادر تمتلك مؤهلات وخبرات جيدة في مجال عملها، وأن تكون من العناصر المؤمنة بالقضية التي تعمل في إطارها.

وكما تلاحظين معظم هذه القضايا هي قضايا فنية، لكنها مهمة وحاسمة في عمل أي مؤسسة، فما بالنا بهيئة نضالية تحررية تمثل شعب قوامه فوق الستة ملايين نسمة، وتحمل قضية سامية ونبيلة بسمو ونبل القضية الجنوبية؟.

 

-ما هي أولويات عملكم للمرحلة القادمة في دائرة العلاقات الخارجية؟

يحتل تحسين شروط مشاركة المجلس الانتقالي في أي تشاورات قادمة بشأن الأزمة اليمنية ؛ أولوية كبيرة في عملنا مثلما في عمل كل هيئات المجلس، إذ لا بد من وضع القضية الجنوبية في مكانها الطبيعي في إطار أية مشاورات قادمة، ومراعاة واحترام نضالات وتضحيات شعبنا من أجل تحقيق تطلعاته المشروعة.

ومن أهم الأولويات تأتي مواصلة العمل مع المراكز الأساسية في صناعة القرار الدولي والإقليمي، وذلك من خلال تكثيف العمل مع صناع القرار، وقد اكتشفنا أنه كلما تكثف التواصل مع الشخصيات الفاعلة في البرلمانات والأحزاب السياسية والمنظمات الدولية والدبلوماسية كلما تضاعف التفاعل مع قضيتنا، لكن العملية لا بد أن تتواصل ولا يكفي اللقاء الواحد أو اللقاءين ، بل لا بد من استمرار وتنويع هذا التواصل.

ومن أهم الأولويات العمل مع وسائل الإعلام العالمية المؤثرة في صناعة الرأي السياسي وهذا ما نسعى له في القريب العاجل.

 

-كلمة أخيرة تود قولها؟

كلمتي الأخيرة تتضمن رسالتين ؛ الأولى إلى جماهير شعبنا الجنوبي: أقول لجماهيرنا التي سطرت البطولات النادرة خلال معركة التحرير “إن المستقبل يحمل لكم الآمال والتطلعات التي طالما حلمتم بها، وأن معركة استعادة وبناء الدولة وتطبيع الأوضاع قد تكون أعقد وأصعب من معركة التحرير، لكن ذلك سيتحقق بالإخلاص للقضية الوطنية والوفاء لأرواح وتضحيات الشهداء والجرحى والمخطوفين واليقظة العالية وفضح وتعرية العابثين والمتلاعبين وعصابات الإجرام والفاسدين، وليس بالغضب واليأس والإحباط أو الاستعجال والتسرع” .

الرسالة الثانية ؛ هي تحية أوجهها إلى أسرة تحرير صحيفة (4مايو) التي استطاعت خلال فترة قياسية أن تتبوأ موقعًا مهمًا بين الصحف الجديدة التي تبحث عن الحقيقة وتحترم عقل القارئ وتبتعد عن (مناجمات) الصبية التي تملأ صفحات الكثير من الصحف التي تزعم أنها جديدة.

الوسوم
إغلاق