تقارير وتحقيقات

شابٌ يمني من حضرموت استطاع مساعدة المحتاجين بنصف مليار ريال عبر الفيسبوك

ريبون / متابعات / محمد بازهير

“محمد أحمد باحبارة”.. شابٌ يمني من حضرموت (شرق اليمن)، في عقده الثالث، استطاع نيل ثقة المتبرعين من مختلف دول العالم، بمبادرته “سفراء السعادة” ورسم البسمة على محيا الآلاف من المحتاجين، بمبلغ يُقدّر بنحو نصف مليار ريال يمني، بعد أن حركت مشاعره ابتسامة طفلة في شهرها السادس، وكانت وقودًا لبدء عمله التطوعي.

استطاع الشاب “باحبارة”، عبر مبادرته على الفيسبوك، خلال عامي 2018-2019 فقط، تنفيذ 54 مشروعاً خيرياً، استفاد منه 612 ألف شخص محتاج على مستوى محافظة حضرموت، دون القيام بتصوير المحتاجين أو إذلالهم عبر عدسات الكاميرا، وبعيدًا عن ضوضاء الإعلام، حد تعبيره.

يقول مؤسس مبادرة “سفراء السعادة” الشاب باحبارة: “الحكاية بدأت في منتصف عام 2015، عندما كنت أعمل مديراً للبرامج والمشاريع بمؤسسة السرطان (أمل) بمدينة المكلا، قدم إلينا رجل حاملًا تقريرًا صحيًا لعمليةٍ تحتاجها ابنته ذات الستة أشهر، أصيبت بسرطان حميد في الظهر، ولا تستطيع الحركة كونها طريحة الفراش، فاعتذرنا منه لأن المؤسسة تتدخل في الأمراض الخبيثة فقط، فغادرَنا بوجه حزين”.

يضيف باحبارة: “يبدو أننا كُنّا آخر حبلٍ له بعد الله عز وجل، ولعلّ الرجل رسم صورة لابنته كيف ستعيش حياتها طيلة عمرها “مقصوفة الظهر”؟ (كلمة دارجة تعني إنحاء الظهر).

ويتابع: “في تلك اللحظة قذف الله الرحمة في قلوبنا، فتبعته إلى خارج المؤسسة واقترحت عليه فكرة نشر منشور في “السوشال ميديا” مع القيام بتغطية اسم ابنته من التقرير فكان رده صادمًا للغاية!”.

رد عليهم والد الطفلة قائلاً: “انشروا حتى صورتها، المهم تتعالج ابنتي” .. هذه الجملة كانت صادمة للشاب باحبارة، وضاعفت تعاطفه مع والد الطفلة.

ويسترسل باحبارة في حديثه: “قمت بنشر المنشور على صفحتي الشخصية في الفيسبوك، ورغم أن تكاليف العملية ربع مليون ريال يمني، إلا أنه لم يمر سوى نصف اليوم حتى تجاوب معي أحد الوزراء في الحكومة اليمنية حينها، وتبرّع بنصف المبلغ، ولم يكتمل اليوم إلا والمبلغ كان مُكتمّلًا لدينا بفضل الله وتوفيقه”.

يردف الشاب الحضرمي باحبارة ” قمت بدفع المبلغ لمستشفى خاص في المدينة، وعملت الطفلة العملية الجراحية، وعندما زرتها، ورغم أنها ابنة أشهر إلا أنها نظرت صوبي وضحكت، فسرت القشعريرة جسدي.

ويضيف: “لم تفارقني ابتسامتها، التي رسمت أمامنا طريق وهدف، لماذا لا نحافظ على الابتسامة في المجتمع ونرسم البسمة على شفاهم؟ فكانت تحفيزًا لنا للاستمرار وبداية انطلاقتنا”.

 *سرقة وتخوين

وحول تقبّل المجتمع لأعمال المبادرة، يتحدّث مؤسس مبادرة “سفراء السعادة” الشاب باحبارة: “البداية كانت صعبة جدًا، والمجتمع لم يتقبل ذلك، ورغم ذلك قمنا بالتسويق، بدءًا بالعمليات الجراحية ومرورًا بالعلاجات أو كفالة أيتام، ووصولًا إلى السلل الغذائية، وختامًا بمشاريع خيرية، مثل بناء المساجد وماء السبيل”.

يقول باحبارة: كُلّما ننشر منشور يأتي فاعل خير يتكفل بالاحتياجات، وفي المقابل تظهر لنا 5 أُسر محتاجة، ليتضح لنا أن المنشور لم يشاهده فاعلي الخير فقط بل حتى الأسر المحتاجة التي تواصلت معنا بشكل كبير”.

يضيف باحبارة في سياق حديثه: “على ضوء ذلك لم نسلم من الاتهامات التي لاحقتنا، فالبعض اتهمنا بالسرقة والتخوين، على غرار الذين اتهمونا بأخذ نُسب من الأموال، نعم حزّ ذلك في قلوبنا، إلا أننا استمرينا بوتيرة عالية لتحفيز الخيرين ودعمهم المعنوي لنا، فمبادرتنا شبابية تطوعية بجهود ذاتية بمجموعةٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة”.

 *ثقة المتبرعين

يشرح “محمد باحبارة” – الذي رزقه الله بطفلين ويسكن مع والديه في المنزل – كيف استطاعت مبادرته كسب ثقة المتبرعين، قائلًا: “لأننا لسنا جمعية أو مؤسسة خيرية، ونعمل بدون أي ميزانية، ونضطر أحيانًا أن ندفع من جيوبنا، وتأتي أوقات وبيوتنا خالية من السلل الغدائية، وتتراكم علينا الديون، ولكننا لا نمد أيدينا على ريال واحد من أموال المتبرعين”.

يتحدث “باحبارة” بنبرة حزينة: “لعل أبرز المشاكل التي نعاني منها أن معظم المتطوعين حالتهم تعبانة، ولسنا قادرين أن نوفر لهم مبالغ رمزية، ومع ذلك والله العظيم منذ 2015 إلى اليوم لم يستلموا سوى سلة غذائية واحدة فقط، ولك أن تتخيل المعاناة”.

 *نطاق عالمي

يقول مؤسس مبادرة “سفراء السعادة” بمدينة المكلا: “عندما يتواصل معنا فاعل خير بعد نشرنا لأي مناشدة، نخبره أننا لا نريده أن يقوم بتسليمنا المبلغ المالي، ولو يريد ذلك فنعطيه وعد بعدم أخد ريال واحد في جيوبنا الشخصية، ونحن محاسبين بذلك أمام الله يوم القيامة، ونقترح عليه أيضًا أن لا يقوم بتسليم المبلغ كاملاً للأسرة مباشرة كي يضمن أن ماله يذهب للغرض الذي كتبنا لأجله المنشور”.

يضيف “باحبارة”: “نقترح لفاعل الخير أنه بإمكانه تسليم المبلغ للمستشفى مباشرة إذا كان التبرع لأجل عملية جراحية، ولو كانت لسللٍ غذائية أن يقوم بشرائها وسندله على بيوت المحتاجين، فبدأت الثقة تتولد فيما بيننا، وبعد انتهاء الغرض نقوم بتصوير الفاتورة والشيء الذي نقوم بشرائه وننشره على السوشال ميديا وإرساله للجهات المتبرعة ليعرفوا مصير صدقاتهم أين تذهبي”.

ويؤكد الشاب “باحبارة” أن “هناك جهات ومتبرعين يأتون إلينا عندما يشاهدون نتائج العمل، ويسألون هل مازالت لدينا أسر أو أيتام أو مشاريع خيرية وغيرها من الأمور، وبتوفيق الله استطعنا كسب ثقة المتبرعين من الامارات السعودية والكويت وقطر وإنجلترا والمانيا وبريطانيا ومن دول مختلفة في العالم”.

“ولا يخفى عليكم أن معظم التبرعات التي جُمعت من المبادرة من خلال الأسهم، (يقوم بتقسيم المبلغ المطلوب لأجزاء لإتاحة الفرصة للجميع بالتبرع) فقد تطلب عمل ذلك لوجود بعض الحملات التي تحتاج مبالغ كبيرة، والمثير في الأمر أن بعض أصحاب الدخل المحدود، تواصلوا معنا لمنحهم فرصة للتبرع”، فقلنا لهم: “أنتم محتاجين أيضًا”، فكان ردهم: “الصدقة لابد أن يقوم بها الكل”، ومن هنا أتحنا المجال للجميع للتبرع عبر الأسهم.

 *مواقف لا تنسى

روى الشاب “باحبارة” عددًا من المواقف التي لن تُمحى من ذاكرته، حد وصفه، قائلًا:” تكفل فاعل خير بعلاج رجل أشيب مريض لعدة أشهر، بمبلغ 10 ألف ريال يمني شهريًا، وعندما قدمنا ذات يوم لتسليمه مبلغ العلاج، كان يجلس بجواره طفلين، وعندما سلمناه المبلغ ابتسم للطفلين وبادلوه الابتسامة، فاستنكرنا ذلك، وبعد مغادرتنا قمنا بالتواصل معه لمعرفة السبب ولكنه لم يفصح عن شيء”.

يتحدث باحبارة: “عدنا لنفس المكان فوجدنا الطفلين، وبعد التحقق اتضح أنهم أيتام، والمفاجئة أن الرجل الكبير في السن، تبرع بمبلغ علاجه لأسرة الطفلين، كونهم أحق وأشد فقرًا منه، فقمنا بكتابة المنشور على صفحتنا في الفيسبوك، ولاقت رواجًا كبير، فتكفل فاعل خير بعلاج الرجل الأشيب مدى الحياة”.

ومن المواقف التي حفرتها قوة العبارات كما يقول “باحبارة” عندما كانوا ينفذون مشروع “الخبز والغذاء” وهو مشروع يستفيد منه عدد 763 شخص، بتكلفة تبلغ 6 ملايين و318 ألف ريال يمني، بإجمالي 23 ألف حبة خبز، منذ العام 2017 ويستمر المشروع حتى اليوم، بعد أن تم اختيار الأسر بعناية فائقة، والاتفاق مع أصحاب البقالات في عدد من الأحياء.

يحكي “باحبارة” الموقف، قائلا: “التقينا برجل كبير في السن يُعيل 7 أولاد لابنته المطلقة، ولما حدّثه أحد المتطوعين حول المبادرة، قام طواعيةً باحتضان المتطوع، وتقبيل رأسه، ناطقًا “أخيرا سأنام وأنا ضامن قوت العيال انهم سيأكلون وجبة العشاء”.

 *تفاقم الأزمة.* 

وعن الحرب التي تدور رحاها في اليمن، يتحدّث “باحبارة”: “أن الحرب ألقت بضلالها على أسر كثيرة في المجتمع الحضرمي، والمؤسف عندما نرى البعض يتحدّث أن حضرموت غنية ومرتاحة، وهم يجهلون أن 70% من الشعب الحضرمي تحت مستوى الفقر”.

يختتم مؤسس مبادرة سفراء السعادة الشاب أحمد باحبارة حديثه: “صحيح أن نطاق عمل مبادرتنا على مستوى حضرموت، وشملت جميع الأشخاص المحتاجين الذين يسكنون فيها، ومع ذلك فإن الحالات مكدسة ومتراكمة، ولكن ذلك لم يمنعنا من تقديم مشاريع لأخوتنا اللاجئين من السوريين، وكذلك ضيوف حضرموت النازحين الذين قدموا إلى المحافظة بعد حرب 2015.

*الأزمة الأسوأ في العالم

وأصدرت الأمم المتحدة وشركائها تصريحا في 14فبراير 2019، استعرض فيه الاحتياجات الإنسانية لعام 2019، وأكدت “أن الأزمة الإنسانية في اليمن، مازالت هي الأسوأ في العالم”.. مؤكدين احتياج نحو 80% من السكان، أي 24 مليون شخص، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية”.

وفاقمت الأزمة التي تمر بها البلاد من أوضاع المواطنين، وأصبحت ملايين الأسر في أمس الحاجة إلى تقديم المساعدات لسد رمق الجوع، وتمثل مثل هذه المبادرات الإنسانية إحدى الوسائل الذاتية التي بنتهجها المواطنون اليمنيون للتنفيس من كُرب آلاف الأسر والمحتاجين.

إغلاق