كتابات

كورونا بين الوهم والحقيقة

ريبون / كتابات

بقلم : اعتدال عمر العطاء

قطرات المطر تقرع طبول قلبي وكأنها تنحت ذكرى جميلة

ذكرى تفوح برائحة غريبة هذه المرة

*يبدو وكأنه لم ينتبه لها أحدٌ غيري*

أمطار تتخبط في وسط دوامة من الرياح الغير متجهة تهوي بدون ثبوت وكأنها تخبرنا بأننا في ضياع مستمر

مددت يدي أتلمس تلك القطرات فداعبتني

صرخت صرخة دون أحساس :

*ها قد عاودتنا*

الجميع من حولي في ذهول

أمي تنظر لي بغرابة

تقدم أبي إلى ناحيتي مد يده على جبيني

اعتقد الجميع أنني أعاني من خرف بسبب  تلك الحرارة التي سادت جسدي  ولمدة عشرة أيام متفرقة تذهب وتأتي وكأنها ٱستعارت جسدي لتنهك ماتبقى به من قوام

نظر إلي ثم أردف هل انتي بخير يا فلذة كبدي؟!

أخبرته وفي عيني ألف فرحة: بخير جداً أبي

مددت يدي وقد تبللت بقطرات متناسقة لامعة وكأنها ألماس يلمع دون وقوف

قد عادت يا أبي عادت لتخبرني إن هذا سيمر

ابي يضحك وكأنه في مهرجان كوميدي

اختي الصغرى تقف في أطراف السطوح مبتهجة تسمع همسات أبي عندما كان يقول :

ملاك كفي عن الهراء

أتت تركض تضحك هي الأخرى وكأنها انتصرت بعد أن سمعت كلمات ابي

ذهبتُ بعيداً عنهم جلست بمفردي

انظر للسماء فبدأت بالبكاء

عاودتني القطرات وقد أختلطت بالدموع لتخبرني أنني أقوى من كل مايحصل

رسمت ابتسامة على شفتي أردت الذهاب لأبي لأريه القطرات من جديد لكنها اوقفتني…

عاودنا الحديث معاً انا وقطراتي المختلطة بدموعي المنهارة التي انهكها إرتفاع الحرارة المستمر

ارتميت بجسدي على تلك البقعة مع قطراتي …..

استيقظت بغرفة مغلقة

فتحت عيناي ببطئ متتالي

رجل يلبس ابيض يتقدم ناحيتي صحوت بفزع ظننت أني قد فارقت الحياة حينها

ظهر رجل آخر قمت بفزع أكثر عندما رأيت جيش يدخل بتسلسل غريب إلى تلك الغرفة المحكمة الإغلاق صرخت بصوت تملؤه العبرة أين انا؟

ردوا بصوت مفعم ب نشاط غير قابل للذبول

في المحجر الصحي

محجر صحي؟!ياللهول ماذا حصل لي؟! يبدو وكأن الكابوس عاودني ولكن هذه المرة في وسط المحجر الصحي

تهت أتلفت بوجهي اتخطف النظرات ابحث عن ساعة عندما تذكرت ما قاله أبي  لي ذات يوم : في الحلم لاتوجد ساعات

نظرت إلى مقدمة الغرفة

عقارب الساعة تؤول للثانية عشراً منتصف الليل

أقتربت مني ممرضة يغطيها الأبيض بشكل كامل أيقنت أنها رجل إلا أن مقومات الأنوثة أرجعتني إلى صوابي

اقتربت مني بهدوء أكثر:

مرحبا ملاك انا نجمة وهؤلاء رفاقي بالعمل… انتي الآن بالمحجر الطبي تبين لنا أنك في بداية أصابتك بالوباء

أخذ جسمي يبرد وكأنه قالب ثلج

بدأ الخوف يتسلسل إلى داخلي يبحث عن منفذ

بدأت بالصراخ مع ألم يفتفت حنجرتي تمنيت حينها لو لم تكن لدي حنجرة ب الأساس

أمسكت الممرضة أدفعها بقوة وبحركة غير متوقعة تحقنني بمادة غريبة

لم أشعر بنفسي حينها بدأ الخدر ينتشر في أجزاء جسدي حتى بتتُ كجثة هامدة من تأثير المخدر صحوت منه في اليوم الآخر

الجيش الأبيض لم يعد موجود أعتقدت أنني كنت في حلم تتوسطه عقارب الساعة

نهضت متعجلة أريد الخروج أدرت الباب في جحره انفتح الباب بتلقائية أرتعبت من جديد

يالله يبدو وكأن الجيش قد عاد

عاودني الرعب من جديد دخلت الممرضة نجمة وبيدها طبق مكون من بعض الفواكة والحمضيات المحتوية على فيتامين c

أقتربت ناحيتي خفت أكثر

~ملاك لاتخافي أتيت لأتكلم معك فقط

-وماذا عساه أن يكون بيننا من كلام؟

~اتعلمين ي ملاك أنني قد أصبت قبلك بهذا الوباء؟و انا الآن مثلما ترين صحتي تفوق الجبال الحمدلله

سكتت لبرهة ثم قالت:

~ المرض ليس قاتل يا ملاك

-هل يمكنني العيش والعودة إلى أهلي؟

~صغيرتي بالطبع نعم يمكنك لكن أريد أن أضع معك بعض الشروط لنتمكن من التغلب على الوباء بسرعة أكبر

-أوافقك على أي شروط

~حسناً إذاً فلنبدأ بوجبة الإفطار الآن

جلسنا انا ونجمة نتداول الحديث حتى خشيت أنني سأحتضنها من كثر فرحي بها

ذهبت نجمة عاودت الجلوس مع نفسي أنظر من تلك النافذة الشبه مغلقة أبحث عن ملجأ آخر بعد ذهاب نجمة لأكمال عملها لكن هيهات المكان شبه مغلق

سحبت جسدي إلى سريري القريب إلى يدي اليمنى وقفت أمامه وجسدي المنهك لم يعد يحمل أحشائي سقطت أرضاً والألم يزداد بداخلي

شهقاتي بدأت ب الإزدياد زاد خوفي حينها أعتقدت أنه سيهاجمني سرب من الجيش الأبيض ايضاً الذي كنت أصفهم بالكذب الدائم

أحتضنت رأسي بين ساقي وبدأت دموعي تنهار بشكل أكبر أتتني رهبة وخوف متدفقٍ يسرق بريق عينّي

شخص ما يقترب مني أكثر

وضعت يدها على كتفي رفعت رأسي أسترق النظر من هو الفاعل؟!

لم استطيع التعرف عليها بسبب ذلك الغشاء الذي أحاط عيني فأعماها

تمتمت ببعض الكلمات أردتها أن تخرج ولكن لم أستطيع النطق يبدو وكأنني أصبحت أعاني من مشكلة بنطق الكلمات

~انا نجمة ملاك لاتخافي أنها أعراض المرض لا أكثر ستزول حتماً

أخذتني بسرعة وضعتني بوسط سريري الذي أصبح جزء من يومياتي

وضعت شيئاً ما على وجهي لم اتعرف ما هو إلا حين أحسست بدخول هواء بارد بداخل جوفي ايقنت حينها إنها قد أربطتني بشكل مباشر ب اسطوانة الأكسجين  التي كانت بجانب سريري

بدأت اتنفس بأريحية

ذهبت في نوم عميق

صحيت على صوت صريخ في الغرفة المجاورة كاد أن يمزق طبلة أذني

نهضت بفزع اسقطت الكأس الزجاجي الذي كان بجانبي أردت الركوض بعجل جسدي لم يحتمل الوقوف وكأنه تجرع جرعة أخرى من المخدر لم استطيع النهوض حاولت مراراً حتي وقعت كلياً على ذلك الكأس المتهشم

يالله ياله من وجع أزداد وجعي وجعا

لم استطيع الصراخ بسبب ذلك الألم المتعشعش بوسط حنجرتي انهمرت دموعي بشكل كبير حتى جفت عيني تأسفت كثيراً على تلك اللحظات التي كنت أسرح وأمرح فيها وأنا مكذبة للوباء

أخيراً نزلت أحد شهقاتي أفقدتني وعيي بشكلٍ كامل

أتتني نجمة وجيشها الأبيض بخوف أكبر هذه المرة عندما رأت الدم يملئ المكان

ظنت هي الأخرى أنني قد فارقت الحياة

أقتربت مني أكثر

تم نقلي لغرفة المعالجة

تمت معالجتي وأعطائي قربتين من دم أحد المتبرعين بعد أن وصلت لمرحلة شك الجميع انني ذهبت دون عودة

مر اليوم الأول والثاني والثالث مازلت فاقدة الوعي مرتبط جسدي ب تلك الأجهزة التنفسية للحفاظ على أعضائي من الإتلاف

أتى كبير الممرضين أخبر الجميع أنهم بحاجة لأجهزة التنفس بسبب إزدياد حالات الاصابة وأنه لم يعد للأجهزة فائدة من وجودها بجسدي

تم سحب الأجهزة مني

مازلت اتنفس

لم تمت قالتها نجمة وإبتسامتها بانت على وجنتيها فتحتُ عيني بشكل غير إعتيادي ثم أردفتُ قائلة: أريد أهلي

أخبرتني نجمة أن أهلي تحت الحجر الصحي فهم حالات شبة مشكوك فيها

تم نقلي لغرفتي

جلست نجمة بجانبي تعاود لي حكاوي الأمل والكفاح

كانت نجمة بمثابة نجمة حقيقية أضاءت طريقي فكانت كجرعة إيجابية أتجرعها فتخفف عني ألم تلك الأيام التي قضتها هناك

يوم بعد يوم بدأت حالتي الصحية تتحسن بشكل أفضل

مر الأسبوع الثالث وانا مازلت في كفاح مستمر

في صباح الأسبوع الرابع استيقظت بعد أن سمعت قطرات المطر تقبل نافذتي

ذهبت بسرعة افتح نافذة غرفتي

دخلت قطرات المطر بشكل فجائي لتقبلني بدل النافذة التي تقبلها

أخبرتها أنني اشتقت إليها كثيراً وأخبرتني أنها أتت تحمل لي البشرى من جديد

افتتح الباب لم أعيره أي أهتمام فكنت في لحظة أفتقدتها كثيراً

تقترب نجمة وبيدها أوراق تخفيها خلف ظهرها …. تقترب أكثر

~ملاك ماذا تفعلين هنا أيها  الصغيرة؟!

-انظري ي نجمة تلك القطرات رفيقاتي الدائمات

ففي المرة الأخيرة من نزول المطر مددت ظهري على سطح منزلنا واستيقظت هنا

أما الآن فأنا ما زلت هنا

اتعلمين يانجمة كم اتمنى أن أزيل هذه الكمامة عن أنفي وفمي ف اتذوقها واحسس ببرودتها

بحركة تلقائية تنزع نجمة الغطاء عن وجهي شهقت بخوف ماذا تفعلين يانجمة؟!

تذوقيها فقد أتت تحمل لك البشرى

ملاك سنفتقدك بيننا؟!

ستفتقديني؟ماذا تعنين هل حان وقت لقاء ربي؟!

ملاك أعني أنه بحمد الله تم شفاؤك صرخت بقوة دموعي خالطتها قطرات المطر

داعبتني القطرات

نظرت لنجمة قبلت كفها ثم رأسها كانت هي الأمل كانت هي سبب عيشي بعد الله

فرحت كثيراً

وجه نجمة يكسوه فرحة يتخللها حزن لم تظهره

احتضنتها بشكل أكبر

أخبرتها أنني أردت أن أقابل كبير الممرضين

لم تفهم نجمة مايدور في مخيلتي

وافقت نجمة ثم غادرت الغرفة

بقيت انا مع القطرات داعبتني بشكل أكبر ثم قالت سيزول الوباء قريباً وسيحل الأمان أرجاء البلاد أبتسمت أغلقت عيناي أخذت نفس عمييق

ذهبت لسريري بعد أن ودعتني قطراتي المطر وأخبرتني أنها ستعود قريباً تحمل البشرى❤🌹

استيقضت في يومي الأخير في المحجر الصحي

لملمت بقية أغراضي ثم ذهبت لكبير الممرضين أخبرته أنني أريد العمل هنا

شهق بصوت عالي

انتي مازلتي صغيرة ياملاك أذهبي أهلك بإنتظارك

نسيت أن أخبرك انه تم إجراء الفحوصات لأهلك هم الآن بصحة جيدة وينتظرون وصولك

قمت بعد أن سلمت على كثيبة الجيش الأبيض الجميع موجود إلا نجمة

ذهبت أبحث عنها أخيراً وجدتها في مكانها المعتاد الذي لم تخبر به أحد غيري

احتضنتني بقوة حتى كاد نفسي أن يصعد

قالت والدمعة تبرق بعينيّها :سأفتقدك كثيراً ملاك

-وانا كذلك يانجمة لكني سأعود أزوركم من حين لآخر يانجمة ولن انساك أبداً سوف أزورك قريباً لأشاغبك

~ههههه سأفتقد مشاغبتك كثيراً

وصل أبي بعد أن ألبسوه لباسهم الأبيض المعتاد لوقايته والحفاظ عليه

ذهبت احتضنه بعد غياب طال ثلاثة اسابيع ويومين

ذهبت مع أبي ودعت الجميع

عدت إلى حياتي الطبيعية

ولكن هذه المرة أصبحت حياتنا بداخل المنزل فقط

لم نريد الخروج لنعاني من جديد

بعد ما يقارب الشهر نزلت المطر من جديد لكن هذه المرة تحمل خبر ذهاب الوباء عن أوطاننا🥺❤عاد الجميع إلى حياتهم الطبيعية

عادت المساجد من جديد التكبيرات تجول أرجاء البلاد

فتحت الأسواق وحلقات الذكر

عاد الطلاب إلى مدارسهم

عاد إزدهار الأوطان

وعاد الأمان شعاراً للحياة

عدنا وعادت الحياة

زال كل مُر❤🌹

إغلاق