كتابات
ياسين سعيد نعمان يكتب:حتى لا ننسى
كتب :ياسين سعيد نعمان
١-في مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ كانت الازمة السياسية اليمنية قد بلغت ذروتها ، وأخذت تنتج شروط ثورة شعبية سلمية تمثلت بوادرها في التفاعلات المجتمعية التي تم التعبير عنها بأشكال مختلفة .
٢- كان الفساد السياسي والاقتصادي يعصف بالنظام لدرجة خسر معها القدرة على إنتاج فرص للحل . وراح يتجه بمسار أزمته الداخلية الناشئة عن استنفاذ فترتي الرئاسة المحددة في الدستور نحو خلق أزمات أكبر : تعديل الدستور بصورة تعسفية لتصفير العداد ، والتمهيد من ثم لتوريث الحكم .
٣-أخذت هذه الأزمة تتحول إلى أزمة بنيوية في نظام لم يكن بالإمكان ترميمه ، بعد أن استنفذ مقومات بقائه ، ولم تعد لديه من مقومات الاستمرار سوى القوة العسكرية والامنية التي كانت هي الأخرى محاطة بعوامل غير قادرة على منحها فعالية المواجهة إلا بكوارث يصعب التنبؤ بنتائجها ، وهو ما جعل استخدامها أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد الناشئان عن الخوف من النتائج .
٤- من ناحية أخرى كانت قضية الجنوب تتصاعد لدرجة غدا فيها الجنوب في قبضة حراك سياسي شعبي سلمي ، حيث بدا أن النظام بأزمته الداخلية ضالع في تأجيج الوضع برفضه التعاطي مع هذه القضية وشروط حلها بالمنطق الذي يوفر الأرضية المناسبة لحل يحترم حاجات الناس وخياراتهم ، واستخدم بدلاً من ذلك تأليب جزء من البلاد ضد الجزء الآخر كعنوان رديء للدفاع عن وحدة النظام وليس وحدة البلاد .
٥- وفي صعدة أدت المواجهات العسكرية مع الحوثيين ، وما رافقها من حسابات داخلية للنظام تجاه المتغيرات المتعلقة بالتوريث ، إلى تمكين الحوثيين من النشوء كقوة مسلحة أخذت تحتكر الانتصارات العسكرية وتحاصر ألوية الجيش التي اتضح فيما بعد أنها عملية محسوبة بتغيير موازين القوى داخل النظام ، وأنها كانت تلتقي مع هذه الحسابات في عمليات اتسمت بالحمق الناشئ عن الازمة البنيوية التي كان يعاني منها النظام آنذاك وما آل إليه من تفكك .
٦- في هذه الظروف كان النظام يحاول إحتواء هذه الازمة المركبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ( خاصة وأن الفترة الزمنية التي تم بموجبها تأجيل الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٩ لمدة سنتين قد شارفت على الإنتهاء) ، لكن المعارضة السياسية المتمثلة يومذاك في اللقاء المشترك كانت ترى أن رفض النظام إجراء الإصلاحات الإنتخابية والسياسية التي تم الإتفاق عليها بعد أزمة إنتخابات ٢٠٠٦ لن يعني أكثر من إجراء إنتخابات شكلية لن يستفيد منها سوى النظام في تجاوز أزمته ، كما أن المشكلة الرئيسية الأخرى والمتمثلة في إنتهاء فترتي الرئاسة بموجب الدستور لا تسمح للرئيس صالح بالترشح ، وهو الأمر الذي يجعل المعارضة في موقف لا تستطيع معه إلا أن تعارض إجراء مثل هذه الانتخابات .
٧- مع تصاعد الأزمة دعى صالح إلى إجتماع حضره إلى جانبه عن المؤتمر أمين عام المؤتمر ونائب الرئيس يومها الأخ عبد ربه منصور هادي ونائب رئيس المؤتمر الدكتور عبد الكريم الارياني . وعن المشترك الرئيس الدوري للمشترك يومذاك محمد الرباعي وعبد الوهاب الانسي وسلطان العتواني وياسين سعيد نعمان .
٨- كان الرئيس متوتراً ، فبدأ حديثه بالإتهام بأن المعارضة تنفذ أجندا غربية .. قلنا له انت أقرب إلى الغرب منا . وإذا كان الغرب قد قرر أن يتخلص من النظام فلن يجد أفضل من ضابط يثق فيه ويمهد له طريق الانقلاب .
خفف لهجته قليل ..وسأل : ليش ما تشتوا انتخابات؟ خايفين من الهزيمة؟
قلنا له الهزيمة في الحياة الديمقراطية لا تخيف ، والذي يخاف الهزيمة هو الذي يرفض إجراء الاصلاحات الانتخابية والسياسية المتفق عليها . ثم إن الدستور يا سيادة الرئيس لا يسمح لك بالترشح لدورة ثالثة .
٩- اندفع بغضب وقال الدستور يتعدل . نحن الذين صنعناه . ثم تدارك بالقول : الانتخابات التنافسية الحقيقية بدأت في ٢٠٠٦ ، ولهذا نحسب الدورتين من هذه الانتخابات .
قلنا له فعلاً كانت انتخابات تنافسية لكن عبده الجندي أعلن النتيجة قبل بدء الفرز .
١٠- ظل يتنقل من موضوع إلى آخر ، وفجأة قال : إيش معاكم دوشتونا بالجنوب وصعدة ؟ إيش دخلكم أنتم في الجنوب وصعدة أنا با أتفاهم معاهم .
بهذه العبارة لف المكان صمت طويل !! كيف نرد على هذه الجملة الثقيلة التي جسدت الازمة الحقيقية لنظام سياسي تفكك ولم يعد يرى هذه المشكلات جزءاً من أزمة وطنية سياسية عامة ، وأدركنا أن عمق الازمة يكمن في حسابات أخذت تنخر جسم النظام لدرجة باتت معه الثورة مسألة وقت ، فإذا لم يكن الشعب في طليعتها ويتصدر التغيير ، فإن البديل هو انقلابات غاشمة من داخل النظام ، أو مواجهات مسلحة على غرار ما كان يجري في صعدة تقضي على أي أمل في التغيير السلمي .
١١- تحدثنا عن موقفنا من هذه القضايا وكيف أن النظام يتحمل مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع .
قلنا إن الجنوب وضع أمام خيار واحد بعد الوحدة السلمية وهو “وحدة” من طرف واحد ، ومن غير دولة متفق عليها حاملة لهذه الوحدة ، ولم يعد الجنوب يسمع غير عبارة واحدة هي ” الوحدة أو الموت” ، خياران أحلاهما مر .
وأما صعدة فهي تعبير عن توظيف خاطئ بكل المقاييس لحسم الصراعات الداخلية لأجنحة النظام باستدعاء الفتنة الطائفية والمذهبية في أشد صورها قبحاً ، ظن معها النظام أنه قادر على احتوائها بعد أن تنجز مهمتها ، غير أنه وضع بيد المتمردين أكبر قوة عسكرية باتت شوكة في جسم البلد ، ولم يدرك النظام خطورة ما أقدم عليه لأنه فقد الإحساس بمسئوليته الوطنية .
١٢- عند هذه النقطة انتفض صالح ، وقال إنتهى الإجتماع ، وقام ليغادر ، غير أن النائب يومها أمسك به وقال له : البلد في وضع صعب ولا بد من التفكير بهدوء لأن أمامنا مهمة شاقة .
ثم أردف الدكتور عبد الكريم :إذا لم يتحدث المشترك بهذه الطريقة في مثل هذه اللقاءات فلا معنى لحديثه في أي مكان آخر . والأفضل أن نسمعه هنا .
١٣- كنا قد قمنا استعداداً للمغادرة ، حين استدار الرئيس صالح وقال :خلاص النائب يرأس لجنة يكون فيها الدكتور عبد الكريم من المؤتمر والمشترك يعين ممثليه ، تقوم اللجنة بتدارس الوضع وتقديم المقترحات. ١٤- كنا كمشترك نريد أن نعترض على موضوع اللجنة ، لكن الجو كان غير مناسب لأي نقاش ، وفضلنا تأجيل الحديث في الموضوع إلى حين يتم اللقاء الذي سيدعو إليه النائب .
في اللقاء مع النائب أعدنا صياغة الوضع بطريقة أكثر تماسكاً، وأكدنا على ضرورة العودة الى المذكرة التي رفعناها للرئيس نهاية عام ٢٠٠٨ والتي شرح فيها “اللقاء المشترك” وجهة نظره من توسيع دائرة الحوار السياسي ليشمل بقية القوى الاخرى مثل الحراك الجنوبي والحوثيين ومنظمات المجتمع المدني لنصل إلى صيغة توافقية لمعالجة أزمة النظام السياسي والمشاكل المعلقة . وهي المذكرة التي رفضت يومها من قبل المؤتمر ، دون أن يقدم أي بديل .
١٥- في الإجتماع مع النائب وعبد الكريم توصلنا إلى قواسم مشتركة فيما يخص الحوار السياسي الموسع وأهمية إجراء إصلاحات إنتخابية ، ومناقشة القضايا الاخرى في حوارات يجري التحضير لها على نطاق أوسع. ١٦- في الأيام الثلاثة التي تلت ذلك الإجتماع عرفنا أن النائب أمين عام المؤتمر الاخ عبد ربه منصور ود. عبدالكريم أقنعا الرئيس بما تم الاتفاق عليه ، وأن فكرة الحوار الأشمل محل ترحيب . وطلب مننا أن نعد تصور للقوى التي ستشارك في هذا الحوار وموضوعاته والكيفية التي سيتم بها .
١٧- غير أن الأمور تغيرت بعد أيام قليلة على نحو درامي .. فقد جاء في الأخبار أن الرئيس صالح تواصل مع الرئيس المصري مبارك(أنذاك)مهنئاً إياه بالانتخابات التي ” لم تشهد لها مصر مثيلاً من حيث الإقبال” بغياب المعارضة ، وأنه إذا كانت مصر قد نجحت في إجراء الانتخابات من غير معارضة واعترف بها العالم كأمر واقع فما الذي يمنع اليمن من القيام بذلك !!
١٨-تحرك الاعلام الرسمي حينئذ لتثبيت هذا التوجه الذي أبلغنا بعده بأن الانتخابات ستتم بمعارضة أو بدون معارضة .
والتقط الشارع اللحظة التاريخية . وكان ما كان .
لقد تصرف “المشترك” بمسئولية سياسية ووطنية نادرة قبل الثورة وأثناء الثورة في محاصرة التداعيات التي كانت تصدر من أكثر من مكان ليجنب اليمن الفوضى ، غير أن النظام الذي كان يعيش ازمته البنيوية الحادة لم يكن قادراً على ممارسة مسئوليته ليدفع بعناصر الحل السياسي على الأسس التي كانت تمثل المخرج من الأزمة وذلك بتوفير المناخ للارادة الشعبية لتقول كلمتها في أكثر اللحظات حاجة إلى هذه الحقيقة ، وكان هناك من القوى من يعمل بكل الوسائل على إفشال الوصول إلى مثل هذه الحقيقة كي تفتح الطريق أمام مشاريعها فقد إلتقت مع النظام على نحو موضوعي ومن خلال إفشال التوافق الوطني الذي دعا إليه المشترك وعمل من أجله قبل أن تتعطل ديناميات التغيير بحسابات أستولدت من خارج فكرته .
١-في مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ كانت الازمة السياسية اليمنية قد بلغت ذروتها ، وأخذت تنتج شروط ثورة شعبية سلمية تمثلت بوادرها في التفاعلات المجتمعية التي تم التعبير عنها بأشكال مختلفة .
٢- كان الفساد السياسي والاقتصادي يعصف بالنظام لدرجة خسر معها القدرة على إنتاج فرص للحل . وراح يتجه بمسار أزمته الداخلية الناشئة عن استنفاذ فترتي الرئاسة المحددة في الدستور نحو خلق أزمات أكبر : تعديل الدستور بصورة تعسفية لتصفير العداد ، والتمهيد من ثم لتوريث الحكم .
٣-أخذت هذه الأزمة تتحول إلى أزمة بنيوية في نظام لم يكن بالإمكان ترميمه ، بعد أن استنفذ مقومات بقائه ، ولم تعد لديه من مقومات الاستمرار سوى القوة العسكرية والامنية التي كانت هي الأخرى محاطة بعوامل غير قادرة على منحها فعالية المواجهة إلا بكوارث يصعب التنبؤ بنتائجها ، وهو ما جعل استخدامها أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد الناشئان عن الخوف من النتائج .
٤- من ناحية أخرى كانت قضية الجنوب تتصاعد لدرجة غدا فيها الجنوب في قبضة حراك سياسي شعبي سلمي ، حيث بدا أن النظام بأزمته الداخلية ضالع في تأجيج الوضع برفضه التعاطي مع هذه القضية وشروط حلها بالمنطق الذي يوفر الأرضية المناسبة لحل يحترم حاجات الناس وخياراتهم ، واستخدم بدلاً من ذلك تأليب جزء من البلاد ضد الجزء الآخر كعنوان رديء للدفاع عن وحدة النظام وليس وحدة البلاد .
٥- وفي صعدة أدت المواجهات العسكرية مع الحوثيين ، وما رافقها من حسابات داخلية للنظام تجاه المتغيرات المتعلقة بالتوريث ، إلى تمكين الحوثيين من النشوء كقوة مسلحة أخذت تحتكر الانتصارات العسكرية وتحاصر ألوية الجيش التي اتضح فيما بعد أنها عملية محسوبة بتغيير موازين القوى داخل النظام ، وأنها كانت تلتقي مع هذه الحسابات في عمليات اتسمت بالحمق الناشئ عن الازمة البنيوية التي كان يعاني منها النظام آنذاك وما آل إليه من تفكك .
٦- في هذه الظروف كان النظام يحاول إحتواء هذه الازمة المركبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ( خاصة وأن الفترة الزمنية التي تم بموجبها تأجيل الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٩ لمدة سنتين قد شارفت على الإنتهاء) ، لكن المعارضة السياسية المتمثلة يومذاك في اللقاء المشترك كانت ترى أن رفض النظام إجراء الإصلاحات الإنتخابية والسياسية التي تم الإتفاق عليها بعد أزمة إنتخابات ٢٠٠٦ لن يعني أكثر من إجراء إنتخابات شكلية لن يستفيد منها سوى النظام في تجاوز أزمته ، كما أن المشكلة الرئيسية الأخرى والمتمثلة في إنتهاء فترتي الرئاسة بموجب الدستور لا تسمح للرئيس صالح بالترشح ، وهو الأمر الذي يجعل المعارضة في موقف لا تستطيع معه إلا أن تعارض إجراء مثل هذه الانتخابات .
٧- مع تصاعد الأزمة دعى صالح إلى إجتماع حضره إلى جانبه عن المؤتمر أمين عام المؤتمر ونائب الرئيس يومها الأخ عبد ربه منصور هادي ونائب رئيس المؤتمر الدكتور عبد الكريم الارياني . وعن المشترك الرئيس الدوري للمشترك يومذاك محمد الرباعي وعبد الوهاب الانسي وسلطان العتواني وياسين سعيد نعمان .
٨- كان الرئيس متوتراً ، فبدأ حديثه بالإتهام بأن المعارضة تنفذ أجندا غربية .. قلنا له انت أقرب إلى الغرب منا . وإذا كان الغرب قد قرر أن يتخلص من النظام فلن يجد أفضل من ضابط يثق فيه ويمهد له طريق الانقلاب .
خفف لهجته قليل ..وسأل : ليش ما تشتوا انتخابات؟ خايفين من الهزيمة؟
قلنا له الهزيمة في الحياة الديمقراطية لا تخيف ، والذي يخاف الهزيمة هو الذي يرفض إجراء الاصلاحات الانتخابية والسياسية المتفق عليها . ثم إن الدستور يا سيادة الرئيس لا يسمح لك بالترشح لدورة ثالثة .
٩- اندفع بغضب وقال الدستور يتعدل . نحن الذين صنعناه . ثم تدارك بالقول : الانتخابات التنافسية الحقيقية بدأت في ٢٠٠٦ ، ولهذا نحسب الدورتين من هذه الانتخابات .
قلنا له فعلاً كانت انتخابات تنافسية لكن عبده الجندي أعلن النتيجة قبل بدء الفرز .
١٠- ظل يتنقل من موضوع إلى آخر ، وفجأة قال : إيش معاكم دوشتونا بالجنوب وصعدة ؟ إيش دخلكم أنتم في الجنوب وصعدة أنا با أتفاهم معاهم .
بهذه العبارة لف المكان صمت طويل !! كيف نرد على هذه الجملة الثقيلة التي جسدت الازمة الحقيقية لنظام سياسي تفكك ولم يعد يرى هذه المشكلات جزءاً من أزمة وطنية سياسية عامة ، وأدركنا أن عمق الازمة يكمن في حسابات أخذت تنخر جسم النظام لدرجة باتت معه الثورة مسألة وقت ، فإذا لم يكن الشعب في طليعتها ويتصدر التغيير ، فإن البديل هو انقلابات غاشمة من داخل النظام ، أو مواجهات مسلحة على غرار ما كان يجري في صعدة تقضي على أي أمل في التغيير السلمي .
١١- تحدثنا عن موقفنا من هذه القضايا وكيف أن النظام يتحمل مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع .
قلنا إن الجنوب وضع أمام خيار واحد بعد الوحدة السلمية وهو “وحدة” من طرف واحد ، ومن غير دولة متفق عليها حاملة لهذه الوحدة ، ولم يعد الجنوب يسمع غير عبارة واحدة هي ” الوحدة أو الموت” ، خياران أحلاهما مر .
وأما صعدة فهي تعبير عن توظيف خاطئ بكل المقاييس لحسم الصراعات الداخلية لأجنحة النظام باستدعاء الفتنة الطائفية والمذهبية في أشد صورها قبحاً ، ظن معها النظام أنه قادر على احتوائها بعد أن تنجز مهمتها ، غير أنه وضع بيد المتمردين أكبر قوة عسكرية باتت شوكة في جسم البلد ، ولم يدرك النظام خطورة ما أقدم عليه لأنه فقد الإحساس بمسئوليته الوطنية .
١٢- عند هذه النقطة انتفض صالح ، وقال إنتهى الإجتماع ، وقام ليغادر ، غير أن النائب يومها أمسك به وقال له : البلد في وضع صعب ولا بد من التفكير بهدوء لأن أمامنا مهمة شاقة .
ثم أردف الدكتور عبد الكريم :إذا لم يتحدث المشترك بهذه الطريقة في مثل هذه اللقاءات فلا معنى لحديثه في أي مكان آخر . والأفضل أن نسمعه هنا .
١٣- كنا قد قمنا استعداداً للمغادرة ، حين استدار الرئيس صالح وقال :خلاص النائب يرأس لجنة يكون فيها الدكتور عبد الكريم من المؤتمر والمشترك يعين ممثليه ، تقوم اللجنة بتدارس الوضع وتقديم المقترحات. ١٤- كنا كمشترك نريد أن نعترض على موضوع اللجنة ، لكن الجو كان غير مناسب لأي نقاش ، وفضلنا تأجيل الحديث في الموضوع إلى حين يتم اللقاء الذي سيدعو إليه النائب .
في اللقاء مع النائب أعدنا صياغة الوضع بطريقة أكثر تماسكاً، وأكدنا على ضرورة العودة الى المذكرة التي رفعناها للرئيس نهاية عام ٢٠٠٨ والتي شرح فيها “اللقاء المشترك” وجهة نظره من توسيع دائرة الحوار السياسي ليشمل بقية القوى الاخرى مثل الحراك الجنوبي والحوثيين ومنظمات المجتمع المدني لنصل إلى صيغة توافقية لمعالجة أزمة النظام السياسي والمشاكل المعلقة . وهي المذكرة التي رفضت يومها من قبل المؤتمر ، دون أن يقدم أي بديل .
١٥- في الإجتماع مع النائب وعبد الكريم توصلنا إلى قواسم مشتركة فيما يخص الحوار السياسي الموسع وأهمية إجراء إصلاحات إنتخابية ، ومناقشة القضايا الاخرى في حوارات يجري التحضير لها على نطاق أوسع. ١٦- في الأيام الثلاثة التي تلت ذلك الإجتماع عرفنا أن النائب أمين عام المؤتمر الاخ عبد ربه منصور ود. عبدالكريم أقنعا الرئيس بما تم الاتفاق عليه ، وأن فكرة الحوار الأشمل محل ترحيب . وطلب مننا أن نعد تصور للقوى التي ستشارك في هذا الحوار وموضوعاته والكيفية التي سيتم بها .
١٧- غير أن الأمور تغيرت بعد أيام قليلة على نحو درامي .. فقد جاء في الأخبار أن الرئيس صالح تواصل مع الرئيس المصري مبارك(أنذاك)مهنئاً إياه بالانتخابات التي ” لم تشهد لها مصر مثيلاً من حيث الإقبال” بغياب المعارضة ، وأنه إذا كانت مصر قد نجحت في إجراء الانتخابات من غير معارضة واعترف بها العالم كأمر واقع فما الذي يمنع اليمن من القيام بذلك !!
١٨-تحرك الاعلام الرسمي حينئذ لتثبيت هذا التوجه الذي أبلغنا بعده بأن الانتخابات ستتم بمعارضة أو بدون معارضة .
والتقط الشارع اللحظة التاريخية . وكان ما كان .
لقد تصرف “المشترك” بمسئولية سياسية ووطنية نادرة قبل الثورة وأثناء الثورة في محاصرة التداعيات التي كانت تصدر من أكثر من مكان ليجنب اليمن الفوضى ، غير أن النظام الذي كان يعيش ازمته البنيوية الحادة لم يكن قادراً على ممارسة مسئوليته ليدفع بعناصر الحل السياسي على الأسس التي كانت تمثل المخرج من الأزمة وذلك بتوفير المناخ للارادة الشعبية لتقول كلمتها في أكثر اللحظات حاجة إلى هذه الحقيقة ، وكان هناك من القوى من يعمل بكل الوسائل على إفشال الوصول إلى مثل هذه الحقيقة كي تفتح الطريق أمام مشاريعها فقد إلتقت مع النظام على نحو موضوعي ومن خلال إفشال التوافق الوطني الذي دعا إليه المشترك وعمل من أجله قبل أن تتعطل ديناميات التغيير بحسابات أستولدت من خارج فكرته .