كتابات

حادثة الشحر وأبعادها الخطيرة

الجمعة  الواحد والعشرين  من ديسمبر 2018 م ،  مجهولون  يرمون بقنبلة صوتية أمام بوابة أحد المراكز الأمنية في مدينة الشحر ، وأثناء تجمع المواطنين  في مكان الحادث ،  وبعد إثنتي عشرة  دقيقة يُتبِعُونِهَا بتُفَجيرُ  عبوة ناسفة ، حصيلة هذه الحادثة الإجرامية  قتيلان ،   طفل يبلغ من العمر ست سنوات ، وشاب يبلغ  من العمر ثلاثة وعشرون عاماً وخمسة وأربعون  جريحاً ، هذا  وفقا لما جاء  في بيان  السلطة المحليةفي المحافظة وقيادة المنطقة العسكرية الثانية الصادر مساء الجمعة 21/ 12/ 2018  . إنني لا أجد تفسيرا ً منطقيا وعقلانياً  مقنعاً لهذه. الحادثة الإجرامية ، حيث يقف العقل محتارا ً أمام مثل هذه الأعمال المجردة من الإنسانية والقيم والأخلاق والدين   ومن يقف وراءها  ومن ينفذها ، وماهي الأهداف التي يريد الوصول إليها  ؟ من خلال استهدافه لمواطنين عزَّل بهذه الوحشية والجرأة ، غير بعض التوقعات  والتخمينات ، قد تكون صحيحة أو العكس، وهي أنَّ منفذي  هذه العملية ليسوا  في وضع نفسي وعقلي طبيعي ، بحكم تأثيرات خارجية وضغوطات نفسية  تمارس عليهم من جهات معينة ، أو هم عبارة  عن أدات تنفيذ مقابل  حفنة من المال الحرام لسفك هذه الدماء الطاهرة ، أو بالأحرى  هل يمكن أن  نعتبر هذه العملية الإجرامية امتداداً لتلك الفتوى المثيرة للجدل التي صدرت في عام 1994 م ،  والتي استباحت  دماء الجنوبيين ؟  ، بإعتبار أنهم في مفهوم هؤلاء القتلة  كفرة  شيوعيون ملحدون  حتى يُعَاملوا بهذه الوحشية أو عملاء  للمجوس الفرس  حتى  تستباح دماؤهم  .

إنَّ حادثة الشحر هذه تدل أن الإرهاب  في حضرموت  ، بل وفي غيرها من محافظات الجنوب ،  على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها  في أكثر من  موقع  في هذه المحافظة  وغيرها من المحافظات ، لازالت خطورته قائمة  ومن الممكن أن يظهر بين فترة وأخرى من خلال القيام بمثل هذه العمليات اليائسة ، أو إغتيال شخصية معينة مدنية أو عسكرية ، فهذه الظاهرة أثبتت الأحداث  والتجربة ، أنه من الصعب فصلها  عمّا يشهده الجنوب  من تطورات سياسية وعسكرية في إتجاه حق تقرير المصير  واستعادة الدولة الجنوبية ، فهو بالتأكيد ذو أبعاد عسكريةوسياسية وبغطاء سياسي ، يهدف إلى خلق حالة من الفوضى  والبلبلة ، وعدم الاستقرار وتطبيع الحياة  في المناطق المحررة من هيمنة الإنقلابيين ، وفي حضرموت  بالذات  يهدف  هذا العمل الإجرامي  إلى ضرب  الحالة الأمنية المستقرة التي تشهدها مدن الشريط الساحلي بعد تحريرها  من سلطة تلك الجماعات الإرهابية المسلحة  التي  دامت عاماً  والتي تتهم بإنتمائها  إلى القاعدة وداعش ، وهي في الواقع  عبارة عن جماعات  قادمة من رحم المؤسسات  الأمنية والعسكرية للنظام السابق ،  وجماعات  جندها النظام السابق  ممّنْ عُرِ فوا بالأفغان العرب من الشباب العائدين من أفغانستان الذين مُنِحَ  الكثير منهم رتباً عسكرية وجُندوا  في حرب 1994 م  ضد الجنوب ، بالإضافة إلى بعض الشباب الذين دفعتهم الحاجة إلى الإلتحاق بهذه الجماعات ، لكن تظل اليقظة والاستعداد الدائمين لملاحقة فلول هذه الجماعات  والحرب الدائمة عليها وشلِّ حركتها واجتثاثها من خلال اتخاذ  العديد من الإجراءات على صعيد المحافظة ، وفي الوادي بشكل خاص  الذي لاتغيب عنه ظاهرة القتل واستهداف منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية  وقوات النخبة الحضرمية وقوات المنطقة العسكرية الثانية من أبناء المحافظة الذين كان لهم شرف التصدي  لمحاربة هذه الجماعات وهزيمتها ، مطلوبة ومهمة جدا واتخاذ الإجراءات اللازمة   التي تتمثل فيما يلي :

أ –  محاكمة تلك العناصر التي تم القبض عليها في الحملات السابقة للحرب على  الإرهاب ، وفضح ممولها  ومن يقف وراءها ، لأنه أكثر من مرة  يتم الإعلان  عن أكثر من متورط ، ثم يتم نسيان القضية ودفنها  وإطلاق سراح المتهمين بتدخل قوى نافذة على حساب دماء  العشرات من الضحايا الذين قضوا نحبهم في العمليات الإنتحارية

ب – وضع نهاية لحالة الفلتان  الأمني التي يعيشها الوادي  منذ فترة طويلة والتي أنعكست في بروز العديد من جرائم القتل بشكل مستمر ، بحيث لايمر أسبوع  إلا ونسمع عن جريمة قتل ، وكذلك جرائم التقطع والسرقة والسطو على أملاك الٱخرين ، في ظل عجز وتفرج الأجهزة الأمنية والعسكرية

ج – الوادي بيئة حاضنة للإرهاب  ومساعدة له ، بحكم إنتشار السلاح بكثرة واتساعه وتشعب طرقه ، وعدم جدية محاربته، وعدم خضوعه أمنيا وعسكريا لسلطة المحافظ  وقائد المنطقة العسكرية الثانية  ، ممَّا يجعله يشكل خطورة ليس فقط على حضرموت ، بل وحتى على  الجنوب

د – لابد من تشجيع الجهد الشعبي  والجماهيري لمحاربة هذه الظاهرة من خلال حث رجال الدين وخطباء المساحد والمؤسسات  الإعلامية والثقافية لشرح خطورة هذه الظاهرة والتصدي لها ، وكذلك منظمات المجتمع المدني  والمكونات السياسية والأحزاب ، والمؤسسات التربوية والتعليمية .

لعلَّ هذا الجهد المتواضع  يُسْهِمُ  في وضع حد لهذه الظاهرة التي صارت مُقْلِقَةً للجميع ولاتمت بالدين بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، بقدر ماهي نبتة غريبة عن قيم أهل حضرموت القائمة على التسامح والوسطية ونبذ العنف  .

سيؤن / حضرموت

الإستاذ / فرج عوض طاحس

الخميس 27/12/2028

 

20ربيع الثاني 1440 هجرية

إغلاق