تقارير وتحقيقات

خسر قلاعه الثلاث.. تقرير: ما هي الأسباب وراء خسارة أردوغان الانتخابات البلدية

لقاءات جماهيرية أردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عاماً وحكم البلاد بقبضة حديدية، كان نظم حملات انتخابية من دون كلل على مدى شهرين قبل تصويت الأحد 31 مارس (آذار) 2019، الذي وصفه بأنه “مسألة مصيرية” بالنسبة إلى تركيا. لكن لقاءاته الجماهيرية اليومية والتغطية الإعلامية الداعمة له في معظمها، لم تكسبه تأييد العاصمة أو تضمن له نتيجة حاسمة في إسطنبول. هذه النتائج غير النهائية تكشف هزيمة الحزب الحاكم في هاتين المدينتين الكبيرتين اللتين سيطر عليهما الحزب طوال ربع قرن، وتطرح علامات استفهام حول الأسباب الحقيقة وراء خسارة الإسلاميين بزعامة أردوغان الانتخابات البلدية في المدن الكبرى. تراجع اقتصادي يبدو أن الوضع الاقتصادي المتراجع قضم كثيراً من شعبية حزب العدالة والتنمية في المدن الكبيرة، بعدما اعتمد طويلاً منذ العام 2002 على ارتفاع مطرد في نسبة النمو في البلاد، وهذا ما أتاح له تحقيق انتصارات انتخابية متتالية. ودخل الحزب الإسلامي المحافظ هذه المرة إلى الانتخابات البلدية وهو يواجه انكماشاً للمرة الأولى منذ عشر سنين، في حين سُجلت نسبة تضخم قياسية، علماً أن نسب البطالة تشهد ارتفاعاً مستمراً. وفي تصريح إلى وكالة “فرانس برس”، رأى إيمري إردوغان، وهو أستاذ في جامعة بيلغي في إسطنبول، أن الاقتصاد “لعب بالتأكيد دوراً” في تراجع حزب العدالة والتنمية، “لكن السبب الآخر والأهم هو دعم الناخبين الأكراد” للمعارضة. أضاف “قرر حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد تقديم مرشحين في جنوب شرقي البلاد، حيث غالبية السكان من الأكراد، ولم يقدم مرشحين في المناطق الأخرى لتجنب تشتيت الأصوات المناهضة لأردوغان”. واعتبرت آيسي أياتا، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، أن هذه النتائج مؤشر إلى “بداية النهاية” للغالبية الحالية. تابعت “لاحظ أردوغان خلال السنوات الأخيرة تراجع حزبه. لذلك نزل شخصياً بقوة إلى المعركة مشاركاً بكثافة في التجمعات الانتخابية”. في المقابل، قال إيمري إردوغان “إذا كانت هذه النتائج ستضر بسمعة الرئيس، فإنها حتماً لن تؤثر في تقسيم المقاعد في البرلمان ولا في السلطة التنفيذية بعد إقرار النظام الرئاسي”. إصلاحات إنقاذية لا شكّ في أن أردوغان لمس في نتائج هذه الانتخابات تراجعاً في شعبيته، وهذا ما يشكل بداية نهاية حقبة حزبه الإسلامي. لذلك سارع إلى استدراك الأمور من خلال إعادة تنشيط النمو الاقتصادي، والتعهد أن تركز تركيا منذ الآن على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستُنظم في العام 2023. وقال أردوغان “أمامنا مدة طويلة يمكننا فيها تنفيذ إصلاحات اقتصادية من دون التهاون في قواعد السوق الحرة”. وبينما أعلن حزب العدالة والتنمية تقديم طعون في العديد من المدن، من بينها أنقرة وإسطنبول، حضت المعارضة، التي تخشى حصول عمليات تزوير، المراقبين على “عدم النوم خلال الساعات الـ 48 الأخيرة” لمراقبة مكاتب فرز الأصوات.

أردوغان يخسر قلاعه الثلاث في الانتخابات البلدية وللمرة الأولى مُنذ العام 2002، وعلى الرُغم من التحالفات السياسية التي عقدها حزب العدالة والتنمية التُركي وزعيمه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع أحزاب أخرى، وعلى الرغم من التعديلات في قانون الانتخابات، كي توافق مصلحته، تلقى أردوغان ضربة قوية في الانتخابات المحلية التي جرت الأحد 31 مارس (آذار). فقد أظهرت تراجعاً في شعبية العدالة والتنمية وتنظيمه وتأثيره. الضربة الموجعة تلقاها العدالة والتنمية وأردوغان في العاصمة أنقرة، فقد أنهزم مُرشحهما لرئاسة البلدية أمام مُرشح المُعارضة بفارق واضح، وأعاد للأذهان الخلاف الشديد الذي وقع في شأن بلدية العاصمة قبل أربع سنوات، حينما أتهمت المُعارضة حزب العدالة والتنمية بتزوير نتائج الانتخابات، والاستفادة من نفوذه كحزب حاكم على المجلس الانتخابي الأعلى، ومنعه من كشف التزوير. ما أخرج البلدية الثانية في البِلاد من تحت سُلطة المُعارضة. خسارة بلدية أنقرة مهمة لسببين، فهي أولاً تُشكل ضربة لرمزية المشروع السياسي لأردوغان، الدافع نحو مزيد من مركزة سُلطة حُكم البِلاد في يده. والسبب الثاني هو أنها تعني بداية خروج مناطق الأناضول الأوسط من تحت سيطرة العدالة والتنمية وزعامة أردوغان. فإلى جانب العاصمة، خسر حزب العدالة والتنمية المُحيط الأناضولي لمركز الحُكم، البلديات المركزية لولايات بولو وأسكشهير وكوتاهيا بيلجيك وكأرشهير. وهذه الولايات الست كانت البُنية السُكانية والاقتصادية التي اعتمد عليها أردوغان في صعود زعامته. إذ كان يعتبر خطه السياسي تمثيلاً للنُخب الاقتصادية التجارية والصناعية المُحافظة لمنطقة الأناضول هذه، ذات الوشائج المتينة مع العالم التُركي في أوسط آسيا؛ في مواجهة النُخب السياحية والبنكية في كُل من إسطنبول وأزمير، المتداخلة مع أوساط الأعمال الأوروبية والأميركية. قامت الإستراتيجية الانتخابية لأردوغان على الاعتقاد بأن أواصر العلاقة الأيديولوجية بين حزبه والقواعد الاجتماعية في تلك المنطقة تتجاوز أي ظرف اقتصادي، وأن التحالف السياسي والأيديولوجي الذي عقده مع حزب الحركة القومية المُتطرّف، لتشكيل حلف قائمٍ على تحذير الأناضوليين المُحافظين من خطر العلمانيين واليساريين على ثقافتهم ونمط حياتهم، أنما سيدفعانهم إلى غض النظر عن ظروفهم الاقتصادية الصعبة، الناتجة أولاً من سياسة أردوغان الخارجية وشبكات التوتر التي يخلقها على الدوام في العلاقات الخارجية لتركيا، ولتشييده منظومة اقتصادية قائمة على الولاء له والارتباط بعائلته. إلى خسارة هذه المناطق، خسر أردوغان ثلاث ولايات أناضولية أخرى، تنافس فيها في مواجهة حليفه الحركة القومية، هي أرزنجان وبايبورت وآماسيا. وبذلك تكون الأناضول مُنقسمة للمرة الأولى مُنذ العام 2002، بين العدالة والتنمية وخصومه. زلزال إسطنبول والسواحل على خريطة النتائج الانتخابية، يُمكن مُلاحظة قوس هزيمة كاملة لحقت بحزب العدالة والتنمية على طول السواحل الغربية للبلاد، المُمتدة عبر إحدى عشرة ولاية حيوية، تضم كُتلة سُكانية من نحو نُصف سُكان البِلاد. يُمكن تقسيم قوس الهزيمة ذلك على ثلاثة مستويات. يتعلق الأول بمفاجأة إسطنبول، إذ تأجل إعلان النتيجة النهائية فيها، بعد فرز أكثر من 98 في المئة من صناديق الاقتراع، بسبب التقارب الشديد بين نتائج المُتنافسين، الذي لم يتجاوز 0.05 في المئة لمصلحة مُرشح حزب العدالة والتنمية، بينما كان الفارق لمصلحة مُرشحه 8 في المئة في الانتخابات البلدية الماضية قبل أربع سنوات. من المتوقع أن تكون نتائج إسطنبول محل استقطاب شديد بين الطرفين في الأيام المقبلة، في سيناريو يشبه الأوضاع خلال إعلان نتائج العاصمة أنقرة قبل أربع سنوات. فحزب العدالة والتنمية سيستخدم قُدراته وأدوات سيطرته على المؤسسات القضائية والأمنية لإبقاء النتائج في كُبرى ولايات البِلاد لمصلحته، أياً كانت النتائج الفعلية، لأن هزيمته في إسطنبول، إلى جانب ولايتَي أنقرة وأزمير، ستعني خروج مُدن الثقل الاقتصادي والسياسي والرمزي الثلاث في البلاد من تحت سيطرته. المستوى الآخر كان في خسارة ولايتَي أضنة وميرسين، اللتين كانتا تقليدياً تحت سيطرة حزب الحركة القومية، حليف أردوغان. فحزب العدالة والتنمية لم يُرشح أحداً في هاتين الولايتين، ووضع ثقله في خدمة حليفه الحركة القومية، إلا أنهما هزما معاً في مواجهة مُرشحي المُعارضة، وبفارق تجاوز 10في المئة في ولاية أضنة، و5 في المئة في ولاية مرسين. المستوى الثالث يتعلق بخسارة حزب العدالة والتنمية ولاية أنطاليا الساحلية الأكثر حساسية تجاه موضوع الاستقرار الداخلي. فشبكة الحياة العامة والاقتصادية في هذه الولاية تتعلق في شكل تام بالنشاط السياحي. بخسارة الولايات الثلاث، يكون حزب الشعب الجمهوري المُعارض قد سيطر على كامل قوس الولايات الساحلية، من ولاية هتاي على الحدود السورية، وصولاً إلى ولاية أدرنة في المثلث التُركي اليوناني البلغاري في أقصى شمال غربي البلاد.

أوهام الانتصار في المناطق الكردية في خطاب أردوغان أمام مُناصريه، الأحد، في مدينتي إسطنبول وأنقرة، شدّد على شُكره الأكراد الذين- وفق وصفه- لم يمنحوا أصواتهم إلى حزب العُمال الكُردستاني وممثليه السياسيين. كان واضحاً أن أردوغان يبحث عن أي شيء ليُغطي آثار هزيمته في أهم مراكز ثقله السياسي. فهو كان يُشير إلى تمكن حزبه من الفوز بثلاث ولايات كُردية كانت تُعطي أصواتها تقليدياً لحزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد. وهي ولايات شرناخ وبدليس وآغري. لكن أردوغان غض النظر عن هزيمة حزبه في ولاية كارس ذات الأغلبية الكردية، والتي كانت تحت هيمنة حزبه طوال الانتخابات المحلية الماضية، لكنها صوّتت لمصلحة حزب الشعوب الديمقراطية هذه المرة. كذلك كان يسعى إلى غض النظر عن الأجواء العسكرية الرهيبة التي خلقها في الولايات الكردية طوال السنوات الماضية، والتي أدت في ولايتَي شرناخ وماردين إلى تدمير مُدنٍ بكاملها، وكانت بمثابة تنبيه للسُكان المحليين في ما لو عادوا للتصويت إلى الحزب المؤيد للأكراد. لكن الأهم هو أن أردوغان كان يسعى إلى أن يُسيطر على شعوره بالحنق من تآلف الأكراد وحزبهم الرئيس حزب الشعوب الديمقراطية مع أحزاب المعارضة. فلم يُرشح الكُرد أحداً في الولايات الداخلية التركية الكبرى، ومنحوا كتلة أصواتهم لمصلحة مرشّحي المعارضة في تلك الولايات. ما شكل دوراً بارزاً في هزيمة أردوغان الذي تحالف مع حزب الحركة القومية، ذي الآراء المتطرّفة تجاه الأكراد وقضيتهم.

اليوم الثامن

إغلاق