أخبار العالم
بريطانيا : انسحاب أمريكا من أفغانستان إتفاق عفن مكن طالبان من العودة إلى الحكم
ريبون / وكالات
أثارت سيطرة حركة طالبان الخاطفة على أفغانستان، بعد حرب استمرت 20 عامًا، وأزهقت أرواح مئات الآلاف، تساؤل بريطانيا، أوثق حلفاء الولايات الأوروبيين: هل عادت أمريكا حقا مثلما وعد الرئيس جو بايدن؟.
وتخشى بريطانيا من أن تسمح عودة طالبان المفاجئة إلى السلطة والفراغ الذي تركه انسحاب الغرب غير المنظم من أفغانستان لمتشددي تنظيمي القاعدة و“داعش“ بكسب موطئ قدم في ذلك البلد، بعد مرور 20 عامًا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة.
اتفاق عفن
ووصف وزير الدفاع البريطاني بن والاس اتفاق الانسحاب، الذي أبرمته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة عام 2020، بأنه ”اتفاق عفن“، وقال والاس إن قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان كان خطأ مكن طالبان من العودة إلى الحكم.
وتساؤلات من هذا القبيل ومشاعر جياشة على هذا النحو، التي وصلت إلى حد أن ولاس كان على شفا سفح الدموع في مقابلة، أمر نادر الحدوث بالنسبة لأقرب حلفاء واشنطن الأوروبيين، التي وقفت كتفا بكتف إلى جانب الولايات المتحدة في كل صراع كبير تقريبًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، باستثناء حرب فيتنام.
وبعد الصخب الذي اتسمت به رئاسة ترامب، كرر بايدن الوعد بأن ”أمريكا عادت“، ويثير بعض الدبلوماسيين البريطانيين التساؤلات ليس فحسب بشأن هذا التقييم، بل أيضًا عن آثاره على الأمن القومي على المدى البعيد.
وقال مسؤول بريطاني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، ”هل عادت أمريكا أم أدارت ظهرها؟“، ومضى قائلًا: ”يبدو الأمر إلى حد بعيد كما لو أن الأمريكيين عادوا إلى بلادهم بطريقة ترامب إلى حد ما، في عجلة وفوضى وذل“.
وتخشى مصادر أمنية غربية من أن يكون بإمكان القاعدة، التي وفرت طالبان لمؤسسها أسامة بن لادن المأوى قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كسب موطئ قدم مرة أخرى في أفغانستان في غضون شهور، ويقولون إن هذا الاحتمال سيمثل تهديدا لكل من بريطانيا والغرب على اتساعه.
وشبه دبلوماسيون بريطانيون ما حدث في أفغانستان بمدى الذل الذي ذاقه الغرب لدى سقوط سايغون عام 1975، إيذانا بنهاية حرب فيتنام، أو بأزمة السويس عام 1956، التي كانت خطأ استراتيجيا فادحا أكد فقدان بريطانيا سلطتها الإمبراطورية، على حد قولهم.
وقورنت صور طائرة هليكوبتر تقوم بإجلاء دبلوماسيين من السفارة الأمريكية في كابول بأخرى التقطت عام 1975، وظهرت فيها طائرة هليكوبتر تلتقط الدبلوماسيين من فوق سطح السفارة الأمريكية في سايغون.
خيانة
وكرر الرئيس بايدن القول إن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان لن يغير وضعها تغييرا كبيرا، إلا إذا استطاع الجيش الأفغاني الإمساك بزمام الأمور.
لكن الدبلوماسيين البريطانيين قالوا بعد سقوط كابول إن كارثة أفغانستان ستقوض مكانة الغرب في العالم وتوحد صفوف ”المجاهدين“ في كل مكان، وتقوي حجج روسيا والصين بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يفتقرون للهمة والقدرة على إنجاز المهام في الظروف الصعبة.
وقال مارك سيدويل، الذي كان أكبر موظف مدني ومستشار الأمن القومي في حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: ”لا بد أن نكون واضحين بشأن هذا.. هذه لحظة مذلة للغرب“.
وتساءل بعض المحاربين القدماء البريطانيين عن التضحيات التي قدموها، وتحدث بعضهم عن شعور بالخيانة، وقال البعض إن زملاءهم القتلى ماتوا هباء.
وعلق جاك كامينجز، وهو جندي بريطاني سابق فقد ساقيه وهو يبحث عن العبوات الناسفة البدائية الصنع في أفغانستان يوم 14 من شهر أغسطس/آب لعام 2010: ”هل كانت الحرب تستحق مني ذلك؟ ربما لا، هل فقدت ساقيَ بلا مقابل؟ يبدو ذلك، هل مات رفاقي هباء؟ نعم“.
ومضى كامينجز قائلًا: ”كثير من المشاعر تجيش داخلي: غضب، خيانة، حزن، هذا قليل من كثير“.
وكانت بريطانيا واحدة من عدد قليل من الدول المستعدة للقيام ببعض أصعب الأعمال القتالية إلى جانب الجنود الأمريكيين في أفغانستان، على سبيل المثال في إقليم هلمند في الجنوب، وهو الإقليم الذي يعد أخطر أقاليم البلاد.
وفقدت بريطانيا 457 من أفراد قواتها المسلحة في أفغانستان، أو 13% من قتلى التحالف العسكري الدولي وعددهم 3500 قتيل منذُ عام 2001.
وتشير تقديرات ”مشروع تكلفة الحرب“ في جامعة براون إلى أن 241 ألفا لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة للحرب، وإلى أن الحرب كلفت الولايات المتحدة 2.26 تريليون دولار.
سايغون أم السويس؟
ويرى الدبلوماسيون البريطانيون أن كلا من اتفاق الدوحة، المبرم في شهر فبراير/شباط لعام 2020 خلال رئاسة ترامب، وإعلان بايدن في شهر أبريل/نيسان الماضي الانسحاب، استسلام دمر المعنويات في أفغانستان.
وقال ترامب إن بايدن خرب خطته للانسحاب، وجاء في بيان أصدره: ”لم يعد لدى طالبان خوف من أمريكا أو احترام لها، أو لقوتها“.
وعانت الإمبراطورية البريطانية من الإذلال في أفغانستان خلال الحرب الإنجليزية الأفغانية من عام 1839 إلى عام 1842، لكن بعد هجمات القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول لعام 2001، انضم رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت توني بلير إلى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في غزو أفغانستان للإطاحة بطالبان، وبعد 20 عامًا مرت سراعا عادت طالبان إلى السلطة.
وقال توم توجيندات رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني: ”سقوط كابول أكبر كوارث السياسة الخارجية منذ السويس“.
وبين توجيندات، الذي كان جنديًا بريطانيًا في كل من العراق وأفغانستان، أن الكارثة ”كشفت عن طبيعة القوة الأمريكية وعجزنا عن أن يكون لنا موقف منفصل“، ومضى قائلًا: ”مثلما تظهر كابول، ينبغي أن يقف حلفاؤنا معنا“.