محلية
بايدن بحاجة إلى خطة بديلة لليمن إذا انتصر الحوثيون
ريبون / متابعات
تتمثل الخطوة الأكثر أهمية لمنع إيران من إكمال مشروعها القائم على إنشاء كيان شبيه بـ «حزب الله» عند الجبهة الجنوبية للسعودية بمجرد سيطرة الحوثيين على اليمن، في قيام إدارة بايدن بإعادة تفعيل حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن عام 2015. وسيولّد إنهاء الحرب في تلك البلاد مشاكل جديدة ما لم يتم اتخاذ مزيد من الخطوات لاعتراض تهريب الأسلحة وتعزيز الأمن في السعودية والبحر الأحمر.
مسكينٌ تيم ليندركينغ. فقد شاء الحظ العاثر أن يقع الاختيار على هذا الدبلوماسي الأمريكي المخضرم – وأحد أفضل وألمع عناصر وزارة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط – ليُعيَّن مبعوثاً خاصاً لإدارة بايدن إلى اليمن. ومنذ ذلك الحين، لم تقتصر المهمة المسندة إليه والتي لا يُحسد عليها، على التوسط في إنهاء حربٍ مستمرة منذ سبع سنوات بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، بل تولّى أيضاً مسؤولية احتواء أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض. والمؤسف أن كلتَا المهمّتين لا تسير على ما يرام.
وليس ليدركينغ هو المُلام. فنجاح الجهود الدبلوماسية رهنٌ بفعالية النفوذ، وهو ما تفتقر إليه واشنطن. ويقيناً، تستطيع الولايات المتحدة الضغط على السعودية، إلّا أن الرياض ليست بحاجة هذه الأيام إلى مَن يُقنعها بإنهاء الحرب. وفي الواقع انخرطت السعودية في السنوات الأخيرة في ما يشكل بكافة المقاييس محادثات حسن النية بشأن مستقبل اليمن، ومن ضمنها محادثات مع عدوّها اللدود إيران. إنّ الحوثيين هم المشكلة، فقد أثبتوا عنادهم بانتظام، ويناورون اليوم لكسب الوقت بينما يحرزون تقدماً بطيئاً بل ثابتاً في ساحة المعركة. وبالفعل، ليس لدى الحوثيين حوافز تُذكَر للجلوس إلى طاولة الحوار عندما تكون حكومة هادي وقوات حلفائها المحليين منقسمة وتفتقر إلى السلاح الكافي، وكثيراً ما تُقاتل بعضها البعض – وهي سلسلة من الظروف التي لم يتمكن السعوديون من تصحيحها.
ويمكن القول إنّ ميل الحوثيين إلى الحل العسكري بدلاً من الحل بالتفاوض يؤتي ثماره. فبعد عامين على انطلاق حملتهم العسكرية في مأرب – محافظة إستراتيجية سُمِّيت على اسم عاصمتها – أصبح المتمردون على وشك الاستحواذ على كليهما. إذ تُعدّ هذه المنطقة الغنية بالنفط هي من بين المناطق الرئيسية الأخيرة في الشمال التي تتنازع عليها حكومة هادي في الشمال، وتشكل أيضاً بوابةً لمحافظة شبوة، وهي محافظة أخرى يسيطر عليها هادي وتتمتع بموارد مهمة من حيث الطاقة والبنية التحتية. وسيكون انتصاراً باهظ الثمن – فقد أفادت بعض التقارير أن الحوثيين فقدوا آلاف الجنود، والعديد منهم أطفال، في هذا المسعى – لكنه سيمثل نقطة تحول.
وإذا هزم الحوثيون الجيش الوطني اليمني المدعوم من السعودية في أحد معاقله الرئيسية الأخيرة في الشمال وسيطروا على مركز الطاقة في اليمن، يكونون بذلك قد انتصروا فعلياً في الحرب. وهذا أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل بالنسبة للرياض وواشنطن والشعب اليمني. فحتى لو انتهت الحرب، سيبقى الوضع الإنساني حرجاً، إذ ما زالت المجاعة تهدد ثلثَي سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، وما زال هؤلاء يعتمدون على “برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة” لتأمين قوْتهم اليومي. وفي غضون ذلك، سيكون وكلاء إيران قد سيطروا على دولة عربية أخرى، وستبقى السعودية عرضةً للهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار من الدولة المجاورة لحدودها الجنوبية.
وما اليمن إلا مشكلة كارثية أخرى من مشاكل إدارة بايدن. فكما حدث مع أفغانستان، من المرجح أن تواجه الحكومة الأمريكية قريباً التحدي المتمثل في وجود دولة فاشلة أخرى يقودها تنظيم إسلامي متشدد تساوره أوهام العقيدة الألفية – حتى لو أن الحوثيين هم شيعة اسمياً.
لكن العواقب التي قد تترتب عن ذلك كبيرة، إذ لا يقتصر الأمر على إمكانية أن يواصل الحوثيون استهدافهم العسكري لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج. فإذا خسر التحالف السعودي المتصدّع مدينة الحديدة اليمنية وبقية ساحل البحر الأحمر، فقد يصبح من السهل على الحوثيين أيضاً عرقلة مرور أكثر من 6 ملايين برميل من النفط والمنتجات النفطية يومياً عبر إحدى أهم الممرات الضيقة في العالم، وهو مضيق باب المندب. بالإضافة إلى ذلك، يرفض الحوثيون السماح بإصلاح ناقلة النفط اليمنية القديمة أحادية الهيكل التي ترسو كمخزن نفط عائم على بُعد 5 أميال من الساحل، أو التخلص منها، عِلماً بأنها قد تسبب كارثةً بيئية وشيكة. فإذا غرقت هذه السفينة التي بُنيت قبل 45 عاماً، قد يتسرب مليون برميل من النفط في البحر الأحمر، مما سيحد من إمكانية الوصول إلى الموانئ ويؤثر على محطات تحلية المياه وإمدادات المياه العذبة إلى ما يصل إلى 10 ملايين شخص، ويعيق حركة الصيد، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
[ولكن] لا يوجد حلٍّ جيد لأزمة اليمن. فعلى غرار إدارتَي ترامب وأوباما، حاولت الإدارة الأمريكية الحالية وفشلت في إقناع الأطراف المعنية بالتفاوض على حل. والمهم اليوم هو رسم المعالم في ما ستكون حتماً تقريباً أول دولة تهيمن عليها إيران في شبه الجزيرة العربية منذ قرون.
وفي مطلق الأحوال، من غير الوارد أن تحاول إدارة بايدن تفادي انتصار كامل للحوثيين، سواء من خلال العمل مع السعوديين لتسليح حكومة هادي وحلفائها المحليين وتنظيمهم بشكلٍ أفضل أو عبر الإيعاز إلى الجيش الأمريكي بالتدخل مباشرةً. وبعد النهاية المرجحة لهذه الحرب، ستقع على عاتق الولايات المتحدة مسؤولية احتواء الضرر الإيراني في دولة يمنية ستكون خاضعةً للحوثيين، والحفاظ على سلامة الشحن في البحر الأحمر، وتقويض طموحات الحوثيين الإقليمية في المملكة العربية السعودية.
وبصرف النظر عن الكراهية الواضحة التي يكنّها الرئيس الأمريكي جو بايدن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، سيكون البند الأول على جدول الأعمال هو تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة. وعلى مدى العامين الماضيين، حسّنت السعودية بشكل ملحوظ قدرتها على التصدي لتهديدات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار. ولكن إذا أرادت الرياض مواصلة هذا المسار، ستحتاج إلى التزامٍ من الولايات المتحدة بتجديد ترسانتها الدفاعية، بما في ذلك بطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات المستخدمة لاستهداف الطائرات بدون طيار المقتربة.
أما الخطوة الأخرى التي يجب أن يتخذها بايدن فهي إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بعد أن كان قد أزالهم عنها حين تولّى منصبه. وفي حين أن وضع الحوثيين هو موضوع نقاش اليوم، أعتقِد أن وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو كان محقاً حين وصفهم رسمياً بالإرهابيين – فتنظيمهم يقصف المستشفيات عمداً، ويجنّد الأطفال وينشرهم في المعارك، وفي 30 كانون الأول/ديسمبر 2020، حاول قتل جميع أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. ولكن في حين أن التصنيف الإرهابي قد يكون قد استوفى المعايير، فمن غير الواضح ما إذا كان سيؤثر في النهاية على سلوك التنظيم أو سيحدّ من موارده المالية.
وعلاوةً على المساعدة الدفاعية الثنائية للسعودية، يجب على إدارة بايدن أن تسارع – بدءاً من الآن، تحسباً لنهاية الحرب – إلى وضع آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر من أجل اعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة، ووضع حدّ لحركة الإتجار بالبشر وغير ذلك، ومنع مضايقة الشحن، بما في ذلك عن طريق زرع الألغام، عند الطرف الجنوبي من البحر الأحمر. وإذا تم الترويج لهذه المبادرة كمسعىً دولي واسع لمجابهة كافة القضايا الأمنية المتعلقة بالشحن العالمي في خليج عدن ومن حوله – بعبارة أخرى، عدم تأطيرها على أنها مهمة خاصة باليمن تستهدف الحوثيين وإيران فقط – فمن الممكن أن تنجح في كسب الدعم. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبحث في إمكانية توسيع مهام بعثة مكافحة القرصنة الراهنة المعروفة باسم “فرقة العمل المشتركة 151”.
وربما الخطوة الأكثر أهمية لمنع إيران من إكمال مشروعها القائم على إنشاء كيان شبيه بـ «حزب الله» عند الجبهة الجنوبية للسعودية بمجرد سيطرة الحوثيين، هي أن تعمل إدارة بايدن على إعادة تفعيل حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن عام 2015. وسيتطلب ذلك جهوداً متواصلة وإضافية في عمليات الاعتراض البحري، بالإضافة إلى فرض حظرٍ على حركة المرور الجوية لمنع تهريب المعدات العسكرية الإيرانية المتطورة إلى البلاد. وبالرغم من المساعي التي تبذلها إدارة بايدن لإعادة بناء اتفاق نووي أفضل مع إيران، فقد يتطلب تفعيل حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة أن تعاقب واشنطن طهران أيضاً أو تفرض عليها جزاءات بسبب استمرارها في تزويد وكيلها بأسلحة المزعزعة للاستقرار.
أما إذا فشلت إدارة بايدن، فلن يقتصر الخطر المترتب عن ذلك على توجيه مقدارٍ أكبر وأكثر تطوراً من الأسلحة الموجودة بيد الجهات التابعة لإيران من اليمن نحو الرياض. فخوفاً من نوايا الحوثيين وإيران، نشرت إسرائيل مرتين هذا العام بطاريات الدفاع الصاروخي “باتريوت” و”القبة الحديدية” للتصدي لأي صواريخ وطائرات بدون طيار قد تأتي من اليمن.
وما زال الاحتمال وارداً بأن تتّحد حكومة هادي مع الفصائل اليمنية المعارضة للحوثيين لشن هجوم مضاد، وأن يبدأ السعوديون بتسليح اليمنيين في مأرب بكثافة لمنحهم فرصة الانتصار، وإلا فسيتغير مجرى الأمور بشكل كبير. لكن النتيجة المحتملة هي أن أعداء واشنطن سينتصرون في هذه الحرب – عاجلاً وليس آجلاً. وبالنظر إلى هذا المسار القاتم، فقد حان الوقت لأن تضع إدارة بايدن خطةً بديلة للتعامل مع اليمن الذي يسيطر عليه وكلاء إيران.