تقارير وتحقيقات
3 سيناريوهات تشرح حقيقة موقف تركيا من الاخوان
ترجمة كيو بوست –
بعد طرد وترحيل السلطات التركية لأعضاء إخوانيين، كان آخرها عملية ترحيل محمد عبد الحفيظ، أحد المتهمين في اغتيال النائب العام المصري، وتصاعد الجدل والتصريحات حول حقيقة الموقف التركي من الإخوان، تبرز سيناريوهات عدة وضعتها بعض الصحف والمواقع العالمية المختصة نوجزها في هذا التقرير.
- تقارب تركي – أمريكي على حساب الإخوان
في 6 شباط/فبراير، قال مركز أبحاث “أميركان ميديا إنسيتيتوت” الأمريكي إن “الحكومة التركية شعرت بإرهاق كبير إزاء علاقتها المنبوذة مع جماعة الإخوان المسلمين، ما دفعها إلى تبني موقف جديد بشأن أعضاء الإخوان المطلوبين لدى القاهرة، في ظل ضغوط أمريكية مدفوعة باتفاقيات تجارية ستحسن من وضع الليرة التركية”.
وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومة إردوغان إلى تحقيق اختراق دبلوماسي مع الإدارة الأمريكية بعد شهور من تقلب العلاقات، ومع زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى العاصمة واشنطن كجزء من اجتماع التحالف ضد داعش، يبدو أن وجهات النظر التركية بشأن جماعة الإخوان المسلمين، والمجموعات الأخرى في المنطقة، قد تغيرت فعلًا على الأرض. وربما يكون مقترح اتفاق التجارة الحرة بين البلدين دافعًا إضافيًا يحفز أنقرة على تبديل موقفها من الإخوان خدمة للتقارب مع واشنطن.
ويعتقد محللون أن قيام تركيا بترحيل المواطن المصري المحكوم عليه بالإعدام غيابيًا، محمد عبد الحفيظ، إلى بلاده، يعكس حقيقة مفادها أن تركيا سئمت وتعبت من المشاكل المترتبة على استضافتها لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها. وبحسب خبراء، فإن هذه الخطوة تشير بلا شك إلى أن تركيا تعيد التفكير في سياستها المتمثلة في توفير مأوى لأعضاء المجموعة الإسلامية التي تعتبر في غالبية دول العالم منظمة إرهابية. ويرى البعض أن إردوغان يرغب بتجنب “الخطأ السياسي ذاته” الذي تسبب سابقًا في محاولة تنفيذ انقلاب ضد حكومته الإسلامية في عام 2016.
حاول البعض التقليل من أهمية الترحيل، من خلال الادعاء بأن “عبد الحفيظ ليس عضوًا حاليًا في تنظيم الإخوان المسلمين”، وأن “تركيا أجرت تحقيقًا بشأن عملية الترحيل”، ولكن الحقيقة ليست كذلك؛ فقد أرسلت أنقرة بالفعل رسائل صادمة لجميع أعضاء الإخوان المسلمين في تركيا، تلمح بشكل واضح إلى أن الحكومة قد تبدأ قريبًا بترحيل آخرين، ممن أدينوا بجرائم إرهاب في مصر. واللافت للانتباه أن بعض مقاطع يوتيوب في تركيا وصفت أعضاء الإخوان على الأراضي التركية بـ”الفاسدين”.
وبالطبع، من شأن أي تغيير في السياسة التركية تجاه الإخوان أن يؤثر بشكل كبير في قطر، التي أصبحت منبوذة من قبل الدول العربية، لا سيما السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بسبب دعمها الأعمى للإخوان وللمجموعات المتطرفة الأخرى. ولا ننسى أن الكثير من قادة الإخوان فروا إلى قطر وتركيا بعد الثورة الشعبية المصرية على رئيس الإخوان محمد مرسي عام 2013. ولذلك، فإن التغير التركي تجاه الإخوان سيضع قطر في ورطة كبيرة.
لقد تغير الوقت، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أمورًا عدة عند الحديث عن العلاقة التركية – الإخوانية، أهمها الانتخابات التركية الشهر المقبل، ورغبة أنقرة في التعامل مع الانكماش الاقتصادي في ظل حرص الرئيس إردوغان على التباهي بالتجارة بين تركيا والولايات المتحدة، وما يمكن أن يحمله هذا “الإعلان” من دفعة قوية لليرة التركية. ولذلك، يعتقد المحللون أن الرئيس التركي قد سعى بالفعل إلى إرضاء الإدارة الأمريكية فيما يخص الابتعاد عن جماعة الإخوان المتطرفة.
جرى التأكيد على هذا التوجه في رسالة ضمنية حملها الجنرال الأمريكي جيمس جونز، القائد السابق لقوات حلف الناتو، خلال زيارة ودية إلى الأراضي التركية الأسبوع المنصرم. وقال جونز، بحسب صحيفة “حريت ديلي نيوز” التركية، إن “اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وتركيا تصل إلى 75 مليار دولار”.
- حوار تركي جاد بشأن جدوى دعم الإخوان
اعتبرت شبكة “سفن ديه نيوز” الإخبارية في 8 شباط/فبراير أن “الضجة التي أحاطت بتسليم عبد الحفيظ للسلطات المصرية تشير إلى حقائق جديدة، مفادها أن الحكومة التركية باتت تتعامل مع أعضاء الإخوان المسلمين على أساس المكافأة والعقاب، وعلى أساس قدرتهم على خدمة الأجندة التركية”. وقد أكدت مصادر مطلعة “حصول تغير حقيقي في السياسة التركية تجاه التنظيم، في ظل عدد من الاعتقالات في صفوف الإخوان”.
وبرغم زعم مستشار إردوغان، ياسين أقطاي، بأن عبد الحفيظ لم يطلب اللجوء السياسي، إلا أن مصادر من داخل قيادة الإخوان أكدت للشبكة أن عبد الحفيظ طلب اللجوء السياسي فور وصوله الأراضي التركية، وأن السلطات رفضت طلبه، وأعادته إلى مصر على متن طائرة الخطوط الجوية التركية.
كما تؤكد المصادر التركية للشبكة أن حالة ترحيل عبد الحفيظ ليست الأولى من نوعها، بل حصل قبلها وبعدها “حالات اختفاء غامضة” في صفوف الإخوان المصريين القاطنين في الأراضي التركية. وقد ألقت الشرطة التركية القبض على عضو الإخوان المصري نبيل سعد يوم الثلاثاء 5 شباط/فبراير، فور وصوله إلى مطار أتاتورك في إسطنبول قادمًا من السودان. وأفادت لنا مصادر أن الشرطة التركية اعتقلت عضوًا آخر من الإخوان المصريين، هو عبد الله هشان، وذلك في آب/أغسطس المنصرم.
علاوة على ذلك، تؤكد المصادر أن السلطات التركية احتجزت المتحدث باسم الإخوان المسلمين في سوريا، زهير سالم، لمدة 3 أيام في إسطنبول، قبل إطلاق سراحه في أعقاب تدخلات من شخصيات إخوانية رفيعة المستوى.
جرى الكشف عن تسليم عضو الإخوان عبد الحفيظ للسلطات المصرية على يد الصحفي المصري المؤيد للإخوان، هيثم أبو خليل، الذي وصف الأمر بـ”الأول من نوعه” و”يفتح الباب أمام تساؤلات حول معنى التسليم، وعلاقة تركيا مع الإخوان المسلمين”.
وما يدلل على أن تركيا لا تتعامل مع كل أعضاء الإخوان بالأسلوب نفسه، وأن ذلك يعتمد على قدرتهم على خدمة الأجندة التركية، هو تباين السلوك التركي في التعامل مع الجماعات الإخوانية في إطار الربيع العربي في الدول العربية، إذ ميزت أنقرة تلك الجماعات الموالية للرئيس إردوغان، التي اجتهدت لتحل محل الأنظمة العربية القائمة. وبالطبع، يمكن للمرء أن يتذكر الدور التركي الرئيس في صياغة حملة محمد مرسي الانتخابية في مصر، وحزب النهضة في تونس.
وبحسب مسؤول تركي رفض الكشف عن اسمه، فإن السلطات التركية تعتبر جماعة الإخوان “ميزة إستراتيجية وتكتيكية”، وأن “هنالك حوارًا جديًا داخل إدارة الرئيس إردوغان بشأن جدوى دعم الجماعات الإخوانية التي أخفقت في الدول العربية”. وأضاف المصدر: “في الوقت الذي وصل فيه الإخوان إلى قمة الهرم القيادي في تونس، أخفق الإخوان في سوريا، وفي مصر لم يحققوا الكثير برغم الدعم التركي الهائل لهم”.
وأفادت مصادر أخرى أن هنالك ضغوطًا أمريكية قوية من إدارة الرئيس ترامب على تركيا لتغيير سياستها تجاه الإخوان على الأراضي التركية، في إطار اتفاق بين البلدين من شأنه أن يغير الموقف التركي من التنظيم وفروعه في المنطقة.
- العلاقة التركية – الإخوانية ثابتة لا تنكسر
في 7 شباط/فبراير، تساءل مركز أبحاث “غيت ستون إنستيتوت” الأمريكي “ما إذا كان الرئيس إردوغان قد نأى بنفسه فعلًا عن الإخوان المسلمين، وفيما إذ تخلى عن مساره وعن علاقة الحب الأيديولوجية مع الإخوان”، وقال إن مجرد التفكير في حدوث شرخ بين الطرفين أمر ساذج، ودعا إلى التأمل في المعطيات التالية:
أولًا: شخص الرئيس إردوغان متعصب أيديولوجيًا بما يكفي لعدم كسر علاقته بالإسلام السياسي، وهذا هو السبب الرئيس في وجوده في الحزب الحاكم.
ثانيًا: يتجه إردوغان إلى انتخابات بلدية حاسمة في 31 مارس/آذار، وبالتالي لن يخاطر بخسارة مؤيديه من القاعدة الشعبية الإسلاموية.
ثالثًا: لن يخاطر إردوغان بعلاقته مع قطر التي تحتضن الإخوان، والقرضاوي الذي وصف الرئيس التركي في 2016 بـ”السلطان الذي يدافع عن الأمة والإسلام والقرآن والشريعة والسنة أمام الطغاة”.
رابعًا: من المرجح أن ضباط الهجرة الأتراك كانوا مشوشين حول ما إذا كان عبد الحفيظ عضوًا في الإخوان أو في تنظيم داعش، في ظل عدم امتلاكه أوراق صالحة للدخول، فرغبوا بعدم المخاطرة وعملوا على ترحيله. وبالتالي لم تكن عملية الترحيل سياسية كما يعتقد البعض. وبناء على ذلك، يمكن الجزم أن الرئيس التركي لم يتغير على الإطلاق.
المصدر: اليوم الثامن