تقارير وتحقيقات

تنازلات مؤلمة تقسم ظهر الشرعية.. من سيحكم الحديدة؟

 شهران ونصف منذ التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والشرعية اليمنية في السويد بشأن محافظة الحديدة، إلا أنه منذ ذلك الحين فشلت جميع محاولات تطبيق الخطوة الأولى من الاتفاق والمتمثلة بإعادة الانتشار في المدينة.

وأمس أعلن رسمياً عن فشل البدء في تطبيق الاتفاق، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول المسؤولية عن الأزمة التي تسبب بها بشكل أساسي الخلاف حول هوية القوات والقيادة المحلية، التي يجب أن تؤول إليها السيطرة في الحديدة.
وأكد محافظ الحديدة، د.الحسن طاهر، أن جماعة الحوثي لم تلتزم بتنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار بانسحابها من ميناءي الصليف ورأس عيسى لمسافة 5 كيلومترات مقابل انسحاب القوات الحكومية لمسافة كيلو متر واحد بالتزامن مع عملية نزع الألغام من المناطق المنسحب منها، والتحقق من ذلك.
ونقلت جريدة الشرق الأوسط عن المحافظ قوله: “إن الميليشيات تتلكأ في تنفيذ الاتفاق وتعيق طريق إحلال السلام”، موضحاً أن هذه الجماعة منذ قيامها بالعملية الانقلابية على الحكومة الشرعية وحتى الآن لم تفِ بوعدها، ولا تلتزم مع المجتمع الدولي بمطالب المبعوث الخاص مارتن جريفيثس، والجنرال مايكل لوليسغارد رئيس لجنة التنسيق وإعادة الانتشار.
وفي تطور لافت برز التهديد الذي أطلقه زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، مساء الإثنين، تحديداً للإمارات في كلمة متلفزة له بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة بقوله: “أنصح الإمارات ألّا تعود لمسار التصعيد العسكري”، قبل أن يضيف “هناك تعثر في كل مسارات اتفاق السويد بفعل تهرب الأعداء.. إذا عادوا للتصعيد العسكري في الحديدة فلدينا خيارات للرد لا أحبذ الحديث عنها”.
وحاول الحوثي التنصل من المسؤولية عن تعطيل تطبيق الاتفاق بإعلانه جهوزية جماعته “لتنفيذ اتفاق الحديدة، والبدء بالخطوات الأولى من طرف واحد”، مشيراً إلى أن “الطرف الآخر يتنصل من تنفيذ اتفاق السويد ويسعى للالتفاف عليه والتهرب من تنفيذه، وهو يتحرك بأطماعه ولا تهمه مصلحة الشعب اليمني ولا مصلحة أهالي الحديدة تحديداً”.
حديث الحوثي يتناقض مع الوقائع على الأرض، إذ أقرّت جماعة “أنصار الله” أمس، ضمنياً، بتقديمها اشتراطات للبدء بتنفيذ اتفاق المرحلة الأولى. وفي السياق، قال القائم بأعمال محافظ الحديدة المعين من الحوثيين، عياش قحيم، في تصريحات نقلتها قناة “المسيرة” الحوثية إنّ سبب تأجيل المرحلة الأولى من إعادة الانتشار هو طلب لوليسغارد اجتماعاً بين الطرفين، وأنّ فريق الجماعة في ما يُعرف بـ “لجنة التهدئة والتنسيق”، طلب من رئيس فريق المراقبين تحديد النقاط التي سيناقشها الاجتماع. كما اتهم قحيم الطرف الحكومي بأنه “غير ملتزم بالاتفاقات منذ توقيع اتفاق السويد، ولا يزال يتلكأ ويماطل في تنفيذ خطوة إعادة الانتشار”، قبل أن يعود ويتهمه بـ “محاولة الانقلاب على اتفاق السويد بإرسال كتائب عسكرية لاستلام الموانئ”.

ونقلت وكالة الأناضول التركية عن مصدر بالشرعية تأكيده تأجيل عملية الانسحاب الجزئي من مدينة الحديدة والموانئ الرئيسية بالبلاد إلى يوم الخميس المقبل، جراء ما قال إنه “رفض الحوثيين” لذلك.

وقال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: “إنه كان من المقرّر أن تجري المرحلة الأولى من إعادة الانتشار الأحد لكنها تأجلت إلى الإثنين، ومن جديد تأجلت حتى الخميس، بسبب رفض الحوثيين تنفيذ الانسحاب”. وأشار إلى أنّ ممثلي الحكومة في لجنة إعادة الانتشار وافقوا على المرحلة الأولى، والتي تتضمّن انسحاباً للقوات الحكومية والحوثيين من خطوط التماس بمسافات محددة، وانسحاب الحوثيين من الموانئ بمسافة خمسة كيلو مترات، مستدركاً بالقول: “لكن الحوثيين يرفضون تنفيذ ذلك على الأرض، رغم إعلان موافقتهم على وسائل الإعلام”.
وتأتي الخلافات التي برزت حول بدء تنفيذ “المرحلة الأولى” من إعادة الانتشار، وبروز ملامح تحفّظ من قِبل الحوثيين من خلال مطالبة الجماعة بتحديد النقاط التي سيناقشها اجتماع اللجنة بقيادة لوليسغارد، بعدما كانت أظهرت ترحيباً واندفاعاً نحو التنفيذ، عبر تأكيدها الاستعداد الفوري لذلك اعتباراً من منتصف الأسبوع الماضي، في مقابل التحفّظ الحكومي الذي يرى أن “إعادة الانتشار” من قِبل الحوثيين بتسليم الموانئ إلى قوات تابعة لهم خطوة بمثابة العدم، ولا تختلف كثيراً عن الخطوة الأحادية الجانب التي شرع فيها الحوثيون الشهر الماضي، بإعلان “إعادة الانتشار” في ميناء الحديدة وتسليمه من مسلحي الجماعة بالزي المدني إلى القوات التابعة لهم بزيّ شرطة خفر السواحل.
وبصرف النظر عن التفاصيل، ما تزال الخلافات تدور حول نقطة الخلاف الجوهرية منذ البداية، وهي من يتسلّم إدارة الأمن وسلطة الموانئ في مدينة الحديدة؟ إذ إنّ الحوثيين يقدمون السلطة المحلية والقوات الأمنية المسيطرة في المدينة حالياً، كجهات معنية بالبقاء، مع انسحاب القوات العسكرية التابعة للجماعة من المرافق المحلية. في المقابل، ترى الحكومة اليمنية ومعها “التحالف”، أنّ الاتفاق يؤدي إلى انسحاب الحوثيين من الحديدة وعودتها للسلطة المحلية التي كانت قائمة حتى أواخر عام 2014. ومع تأجيل تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، يبدو أنّ الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة ومن خلفها الدول الغربية، لم تتمكّن حتى اليوم، من تحقيق الاختراق النهائي بحلّ جوهر الخلاف، بقدر ما تدفع الطرفين إلى موافقات قائمة على الضغوط، تتكشف هشاشتها خلال اختبار التنفيذ.
من زاوية أخرى، وفي ظلّ التعثّر المستمر لتنفيذ اتفاق السويد، لا يتردّد الجانب الحكومي المدعوم من “التحالف” بالتلويح بأنّ مواصلة العمليات العسكرية هو الخيار البديل، إذا ما تنصّل الحوثيون من تنفيذ الاتفاق. في المقابل، فإنّ الجماعة ما تزال تتمتع بسيطرة على أجزاء واسعة من المدينة ومناطق الحديدة الثانوية، على نحوٍ يجعل من عودة التصعيد العسكري احتمالاً وراداً في أي لحظة. إلا أنّ العامل الأبرز في مسار معركة الحديدة حتى اليوم هو الموقف الدولي، الذي تمكّن من فرض وقف إطلاق النار في أصعب الظروف، ثمّ دفع الطرفين إلى توقيع اتفاق ستوكهولم، وإن كان كل منهما لا يزال يحتفظ بتفسيره الخاص لتنفيذه، ويبقى وضع الحديدة مفتوحاً على الاحتمالات كافة، بما فيها تحقيق اختراق تفاوضي أو عودة التصعيد ولو نسبياً، كورقة ضغط تلقي بظلالها على طاولة التفاوض.
إلى ذلك أفادت المصادر الرسمية بأن الرئيس عبدربه منصور هادي التقى أمس رئيس الوزراء السويدي كيل ستيفان لوفن، على هامش أعمال مؤتمر القمة العربية – الأوروبية التي اختتمت أمس بمدينة بشرم الشيخ المصرية. وأشاد هادي بجهود السويد الحميدة في الدفع بمسار السلام في اليمن من خلال استضافتها مشاورات ستوكهولم، وما ترتب عنها من تفاهمات بشأن الموانئ والوضع في الحديدة، التي تعد خطوة أولى على طريق السلام الذي ينتظره اليمنيون، وقال الرئيس اليمني: “إنه وجّه الفريق الحكومي الميداني بالتعاطي الإيجابي لتنفيذ خطوات الاتفاق رغم مماطلة وتسويف ميليشيات الحوثي الانقلابية من الالتزام بما تم الاتفاق عليه».
وبحسب ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية، أشار هادي إلى الخطوات والجهود التي قامت بها الحكومة الشرعية من خلال صرف مرتبات مختلف الأجهزة الحكومية بمحافظة الحديدة والمحافظات التي ما زالت تقع تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية لاعتبارات إنسانية رغم عبث الميليشيات بموارد تلك المحافظات وتسخيرها لما يسمى مجهودها الحربي.
وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، قال أثناء لقائه في شرم الشيخ وزير الخارجية والتعاون الأوروبي، الإسباني جوزيب بوريل: «إن المجتمع الدولي مدعو اليوم لممارسة المزيد من الضغط على الطرف الحوثي للانصياع وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها برعاية المجتمع الدولي».

وذكرت المصادر الرسمية أن لقاء اليماني مع المسؤول الإسباني كُرّس «لمناقشة مستجدات الأوضاع في اليمن عقب التوصل إلى اتفاقات ستوكهولم، والزخم الذي ترتيب عنها لإنجاز خطوات بناء الثقة التي تقوم على خروج ميليشيات الحوثي الانقلابية من مدينة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً، وفتح الممرات الإنسانية في تعز».​

الايام
إغلاق